الابتكار والأفكار الجيدة والجديدة ليست حكراً على أحد، بل هي نتاج موهبة استطاعت بلورة وتسخير الفن وتطويع العلم إلى ما يمكن تعلمه، ثم المران والتدرب عليه. تعلمت من تجربة الدكتوراه أن النجاح يتطلب طريقة مبتكرة. والاتيان بجديد لم يعرفه أحد. لكن وفق مبادئ هي:1 - التمتع بحرية معقولة تتيح الإبداع لا تقيده. فكلما كانت الفكرة جديدة وغير مألوفة كانت حدود الإبداع أرحب وأكبر.2 - التنويع والشمولية لكن بدقة مطلوبة، لتحديد مجال البحث والإبداع. تزايد الأفكار والانماط يعني زيادة في الخيال وتداعيات الموضوعات.4 - الدمج لكن وفق منهج. والعمل الدؤوب على تحسين ماكينة البحث وطريقة سيرها، لكن الدمج بشروط تناسق الأفكار مع بعضها وتفوق الثابت منها على المتخيل. 4 - التفكير خارج صندوق أنفسنا وما اعتدنا عليه. كسر النمطية والرتابة وتحرير النفس من الخوف والحذر وامتلاك الشجاعة والجرأة لفعل الابتكار. فالسؤال خارج نطاق «منطقة الراحة» للذات، تدفع العقل لأفكار جديدة مختلفة. لأن النفس تميل إلى ما اعتادت عليه بشكل محدد، مما يولد افتراضات واحتمالات غير مؤكدة، وهذا بدوره يعيق ملكة الابتكار. التي لا بد أن تقوم على تجاهل المعتاد من ميول وسلوك. والذهاب أبعد وأعمق.كنت منذ أيام في حديث مع طبيبة مصرية حول طغيان التكنولوجيا على حياتنا. فأخبرتها كيف كان الجيل الذي درسناه في التسعينات بسيطاً ومهذباً ومجتهداً، يعرف الطريق إلى المكتبة وقيمة الكتاب والبحث العلمي. أما اليوم فعمله على غوغل من دون أي جهد عقلي.فأجابتني عن تطور أجهزة الطب، وكيف أصبحت غرف العمليات مكاناً لصناعة المعجزات، بأجهزة وأدوات تعطي الأمل وتعالج ماكان مستحيلاً. ثم سألتها: هل سيغيب الإنسان قريباً، خصوصاً بعد استحداث الروبوت في الإعلام، وتعيين الصين لمذيعين روبوت!قالت: ربما قريباً نرى الإنسان في المتاحف.ورغم النكتة إلا أن الحزن خيم علينا لبرهة.فقلت: هل نلوم الإنسان على تقاعسه فكرياً وأخلاقياً، بسبب تنازلاته عن حقوقه وانجرافه مع الماكينة الربحية والتسويقية. هل لأنه رضخ وانضم لقافلة العبيد وقطيع المقلدين والمرددين والمكررين... ربما.ثم شاهدت في اليوم التالي فيديو يصور كيف تدشن روسيا جيش روبوت آلي، قادر على إطلاق النار. فخيم علي الخوف من الغد وما سيواجهه الجيل المقبل والتالي من مخاوف وخطورة، تهدد ليس فقط مستقبلهم، بل مصيرهم الإنساني. وفكرت... كم نفتقد البراءة في حياتنا. نشتاق إلى حياتنا قبل الإنترنت وطغيان الماكينة التكنولوجية. نشتاق إلى الفرح البريء والسعادة في أبسط الأمور والتفاصيل. استفزتني عبارة كتبها أحدهم قائلاً: المعرفة جهل.فعلقت: الجهل خوف... نعمخوف مما كنا. ربما لأننا كنا أقل خبرةوخوفا مما سنكون. لأننا نجهل الغد وتقلباتهلكن لا يمكن أن تكون المعرفة خوفاً، لأنها ضياء بعد ظلام دامس. لا يتخلله خوف. كما أن المعرفة لا يتبعها جهل آخر بل مزيد من المعرفة... أي ضياءيقول ادونيس:«خوفٌ، خوف ٌممَّا نعْرف، ممَّا نَجهل، مما كنّا، ممَّا سنكُون».
مقالات
بوح صريح
متحف الإنسان
03:05 م