على مدى السنوات الأخيرة كتبت العديد من المقالات حول أزمة الشهادات الكرتونية. سلطت الضوء في بعضها على مسؤولية الحكومة، خصوصاً وزارتي التربية والتعليم العالي عن هذه الأزمة الخطيرة المزمنة. كما استعرضت في عدد منها جوانب القصور من طرف البرلمان، خصوصاً لجنة شؤون التعليم والثقافة والإرشاد البرلمانية. وأخيرا في مقالي السابق كتبت حول المسؤولية المجتمعية عن نشأة واستمرارية الأزمة. مقالة اليوم تحتضن منهجية أقترحها لمعالجة أزمة الشهادات الكرتونية، وذلك استجابة مني للتعقيبات والاستفسارات التي وجهت إلي من قبل بعض قرّاء مقالي السابق وعدد من روّاد الديوانيات التي قمت بزيارتها هذا الأسبوع. المنهجية التي أقترحها تتضمن مسارين متوازيين متزامنين: الأول يستهدف منع ظهور المزيد من الشهادات الملوثة، والمسار الثاني غايته التعاطي السليم مع المعنيين بالشهادات الكرتونية التي تسللت خلال السنوات الماضية. المسار الأول يتطلب تنشيط الجهاز الوطني للاعتماد الأكاديمي وجودة التعليم، وتمكينه من أداء مهامه، فقد جاء في المادة (3) من مرسوم انشائه - الذي صدر في العام 2010 - «يهـدف الجهـاز إلـى تحسيـن مستوى برامج مؤسسات التعليم العالي في دولة الكويت، وتحديـد مؤسسـات التعليـم العالـي فـي الدول الأخرى التي يسمح باعتماد مؤهلات خريجيها، وذلك من خلال عمليات التقييم المستمر لتلك المؤسسات وبرامجها وفقاً لمعايير هيئات الاعتماد العالمية وصولاً لضبط جودة التعليم العالي». وهنا يحق لنا التساؤل عن الدور الذي لعبه الجهاز - منذ انشائه - في تحسين مستوى الشهادات الصادرة محلياً، وفي منع تدفق المزيد من الشهادات الكرتونية من الخارج. مع كامل احترامي للمنتسبين والمرتبطين بالجهاز، إلا أنه يعاني من قيود منعته عن إنفاذ عدد من مهامه الواردة في المادة (4) من مرسوم انشائه، ويواجه موانع جعلته دون الكفاءة والسرعة المطلوبتين للتصدي لأزمة الشهادات الكرتونية. فمن باب المثال، تكفيني الإشارة إلى أن القرار الوزاري رقم (554) بشأن تحديث قائمة مؤسسات التعليم العالي التي يسمح الالتحاق بها لدراسة برامج البكالوريوس والدراسات العليا في جمهورية مصر العربية، قد صدر في 22 أكتوبر 2018، بالرغم من أن زيارة وفد الجهاز لتقييم بعض مؤسسات التعليم العالي المصرية كانت خلال الفترة من 9 الى 13 ابريل 2017. الشاهد أنه رغم أهمية توصية الوفد لمواجهة جانب رئيس من أزمة تسلل الشهادات الكرتونية إلى الكويت، إلا أن القرار المبني على التوصية قد صدر بعد مرور سنة وستة أشهر من زيارة الوفد! لذلك هناك حاجة ملحة لتمكين الجهاز من أداء مهامه، من خلال عزله عن الضغوط السياسية التي يتعرض لها رئيس مجلس إدارته وزير التعليم العالي، وعبر تعزيز استقلاليته الأكاديمية ومرونته الإدارية. فأما العزل فيمكن تحقيقه - ولو نسبيا - من خلال تحرير مجلس إدارته من ارتباطات الوزير الإدارية والسياسية، من خلال تعديل نص المادة (5) من قانون إنشاء الجهاز، بحيث يُمكن مجلس الإدارة من الاجتماع وإن غاب عنه وزير التعليم العالي، إما بجعل مدير الجهاز نائبا للرئيس وإما بجعله الرئيس عوضاً عن الوزير. وأما الهدف الثاني فيتحقق بتفويض مدير الجهاز للتوقيع على القرارات المتعلقة بإنشاء وتحديث معايير وقوائم مؤسسات التعليم العالي المحلية الحاصلة على الاعتماد الأكاديمي المؤسسي، ومؤسسات التعليم العالي الخارجية التي يسمح الالتحاق بها. من الأمور التي تحفز التفاؤل، أن تجد في نظام الوثائق البرلمانية - على شبكة الانترنت - مقترحاً نيابياً مقدماً من النائب خالد الشطي بجعل مدير الجهاز رئيسه وبتعزيز الاستقلالية المالية للجهاز من خلال تفويض مجلس إدارته في إقرار ميزانية الجهاز وحسابه الختامي. ومن الأمور التي تدعو للإحباط، أن تلاحظ وجود تأشيرة على المقترح، بإحالته إلى اللجنة التعليمية بتاريخ 21 مارس 2018، أي قبل سنة. لذلك لا أستبعد أنه رفض أو لم يحظِ بالأولوية المستحقة. وأما المسار الثاني، وهو الخاص بالتعاطي مع الشهادات الكرتونية المتراكمة، فهو شديد التعقيد والحساسية ومتعدد الأطراف والمسؤولية. وبنظرة سريعة على الأحكام القضائية بشأن الشهادات الوهمية، نجد أن بعضها يتعارض مع المعايير الأكاديمية، ومن منظور آخر نجد أن بعضها لصالح أصحاب الشهادات الوهمية والبعض الآخر ضدهم. لذلك هناك قصور تشريعي يجب معالجته من خلال اقتراحات بقوانين من البرلمان ومشاريع قوانين من الحكومة. وقد يكون من أوائل التشريعات المطلوبة، قانون حظر الشهادات العلمية غير المعادلة الذي اقترحه النائب خالد العتيبي في 26 /‏‏8 /‏‏2018.مرحلياً، علينا متابعة مصير الاقتراحين المقدمين من الخالدين... «اللهم أرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه».

abdnakhi@yahoo.com