من الثامنة صباحاً، وحتى الواحدة ظهراً، يدوام قُدامى المستثمرين في قاعة التداول، بغض النظر عن ما إذا كانوا يعتزمون البيع أو الشراء، فهم اعتادوا الحضور يومياً وعلى مدار سنوات طويلة إلى مقر البورصة وعلى الرغم من وضعها «التعبان» خلال الفترة الماضية. فقد باتت مراقبة شريط التداول وأسعار الأسهم بالنسبة لهؤلاء «الشيّاب» بمثابة شغف لا ينتهي، كونهم عاصروا متغيرات البورصة على مدار أعوام تمتد منذ ما قبل أزمة المناخ.ولكن كيف يرى هؤلاء المخضرمون اليوم الفرص الاستثمارية والسوق الكويتي بشكل عام في ظل التطورات والتغيرات الجذرية التي شهدها خلال الفترات الماضية؟«الراي» التقت في قاعة التداول عدداً من صغار المتداولين القُدامى، وتحدثت معهم حول ما آلت إليه أوضاعهم، وما أصاب محافظهم الاستثمارية.يقول عبدالله القناعي «دخلت سوق الأسهم بداية الثمانينات كمتفرج عندما كانت الأسهم تتداول بسوق التجار، تعلمت المضاربة، وأنشأت محفظة بالتعاون مع مقربين، ربحناً ثم خسرنا، قبل تجزئة الأسهم، وتحديداً عندما كانت بعض السلع تتداول بـ 10 أو 15 ديناراً».ويضيف اللاعب السابق لمنتحب الكويت لكرة اليد، أن «تحقيق الربح تسبب في جذب صغار المتداولين الذين أطلق عليهم (ملح السوق) في أوقات كثيرة، قبل أن يتحولوا في مرحلة لاحقة لأسماك صغيرة أكلها (هوامير) السوق».وأشار إلى أن التداول أصبح لنا أشبه بـ «الحدّاق» وكانت التعاملات بين 2006 و2008 في أوج نشاطها، إلى أن جاءت الأزمة المالية التي غيّرت مسار السوق وضاعت معها مدخرات مئات المتداولين.وقال «حينذاك لم نكن نطالع الحضور من أشخاص وأصدقاء، بل كنا نطالع شريط التداول، فالجميع كان رابحاً والاستثمار كان آمناً، قبل أن تقع الفأس في الرأس، وتتحول الأرباح إلى خسائر أكلت الأخضر واليابس».ولفت إلى أن محفظته خسرت أكثر من ثلثي قيمتها، لافتاً إلى أن «هناك شركات خرجت من السوق بمساهمتنا، ومنها في (غلف انفست) و(جراند) وغيرها، مؤكداً الاستمرار في السوق من خلال تحويل ما تبقى من سيولة نحو أسهم تشغيلية تمثل الملاذ الآمن وعوائد منتظمة».من ناحيته، أفاد المتداول فيصل الرشيد، أنه دخل البورصة منذ مطلع التسعينات، وحقق مكاسب جيدة، إذ أصبحت البورصة مصدر رزق لمئات المستثمرين الأفراد، ولكن الأزمة غيرت مسار السلع وآلية تسعيرها، منوهاً بأن إلغاء إدراج عشرات الشركات من السوق أضاع فرصة استعادة أموال الكثيرين.وقال «الفرصة الاستثمارية الأكثر وضوحاً اليوم تتمثل في أسهم العوائد، الأسهم التي استعادت توازنها وعوضت مساهميها من خلال توزيعات منتظمة منذ ما بعد الأزمة حتى تحول مساهموها إلى مرحلة الربحية بعد إطفاء الخسائر التي تسببت فيها الأسهم المضاربية (الورقية)».وتابع أن البنوك وشركات الاستثمار ذات السمعة الطيبة، إضافة إلى الشركات الخدمية مثل الاتصالات وغيرها، تمثل وجهة صريحة لأموال صغار المتعاملين كما الحال للكبار أيضاً، مشيراً إلى أن الأسهم الصغيرة فقدت بريقها بعد أن استغلها المضاربون كأداة حولوا من خلالها أموال صغار المتداولين إلى وقود لهم.وأضاف «نراقب ما يتردد من إشاعات، لكن تأثيرها لم يعد كما في السابق عندما كان البعض يطلق إشاعة عن عقد ضخم قد توقعه شركة ما ثم تقفز أسهم تلك الشركات بنسب خيالية وتقفل لأيام بالحدود العليا (قبل إلغاء الوحدات السعرية الخمس)».وتابع «بعد إقرار نظام الاستحقاق اختفت موجات الارتفاع الكبيرة للأسهم، وبات من حق المتداول شراء السهم قبل التوزيعة بأيام ليحصل عليها، بخلاف ما كان في السابق عندما كان الامر مرتبطاً فقط بالجمعيات العمومية».بدوره، قال بوفهد «ضاعت مدخراتنا بعد هبوط السوق الذي فقد أكثر من 50 في المئة من قيمته، وهناك أمور يجب أن تتغير، كيف لأسهم اكتتبت فيها بسعر 100 فلس، إضافة إلى علاوة إصدار أن تتداول بنصف أو ربع القيمة الاسمية؟ يجب على الجهات المعنية أن تسنّ إجراءات تحفظ حقوق صغار المساهمين».وعن القطاعات الأكثر أماناً، أكد بوفهد أن أسهم البنوك أصبحت الأكثر جذباً لاموال صغار المتداولين، مضيفاً «أما وجودي يومياً في قاعة التداول فقد أصبح في دمي، خصوصاً في ظل التقاعد».أما سعد المطوطح الذي يدير محفظة خاصة، فقد أكد أن الفرص الاستثمارية في البورصة ما زالت متوافرة، لاسيما في الأسهم التشغيلية من مصارف واستهلاكية وخدمات.ولم يخف المطوطح أنه خسر جانباً كبيراً من أمواله المخصصة للتداول في ظل الأزمة، لافتاً إلى أن إعادة توزيع رأس المال المتبقي على أسهم قيادية، ساهم في استعادة المحفظة لتوازنها من جديد.ودعا المطوطح إلى ضرورة إطلاق إجراءات تحفظ استثمارات صغار المساهمين، من عمليات الاستحواذ الكبيرة أو الانسحاب من السوق.خسارة البوفيه!أكد أحد عمال البوفيه الذين يبيعون القهوة والشاي للمتداولين في البورصة، تأثره الكبير نتيجة خسائر المتعاملين بالسوق.وعن مبيعاته من المشروبات الساخنة أو الباردة بقاعات التداول، قال إن «إجمالي المبيعات تعادل نحو 5 في المئة من إجمالي البيع قبل الأزمة المالية، نخسر كما يخسر المتداول».وتابع أنه كان يبيع بـ400 أو 500 أو 600 دينار يومياً، أما الآن فهو يبيع بين 30 و50 ديناراً يومياً فقط.
مستثمر الصدفةأشار أحد صغار المتداولين إلى أن دخوله البورصة قبل الأزمة المالية، كان صدفة حينما كان برفقة أحد الأصدقاء، ثم استهوته اللعبة، فبادر إلى إنشاء حساب. وقال «كنت أطلب من الوسيط أن يشتري لي أي سهم دون تحديد، وكنت أحقق ربحاً سريعاً، قبل الأزمة لا يوجد خاسر، واليوم الجميع خاسر باستثناء من غيروا سياستهم الاستثمارية».