في محاولة قد تكون الأخيرة من نوعها قبل قيام مبعوث الأمم المتحدة ستيفان دي ميستورا بتسليم مجلس الأمن تقريره الأخير حول سورية، يوم الجمعة في الرابع عشر من ديسمبر الجاري، تسعى الولايات المتحدة الى اقناع تحالف روسيا وايران والرئيس السوري بشار الأسد - بالوساطة عن طريق عواصم صديقة - بضرورة التعاون في مسألة تشكيل لجنة تشرف على كتابة دستور سوري جديد. في هذا السياق، يزور مساعد وزير الخارجية لشؤون الشرق الأدنى جول رايبرن ومسؤول ملف سورية في الخارجية السفير جيمس جيفري، تركيا والأردن، في جولة تستمر حتى يوم الجمعة المقبل كذلك، يأملان خلالها في التوصل لاختراق «الساعة الحادية عشرة»، حسب التعبير الاميركي، وحمل بشار الأسد على وقف عرقلة تسمية «اللائحة الثالثة» المقرر ان يشارك اعضاؤها في اللجنة الدستورية. وتقضي خطة دي مستورا بتشكيل لجنة دستورية من 150 عضواً، ثلثهم من النظام، وثلثهم من المعارضة، والثلث الأخير تعينه الأمم المتحدة من ممثلي المجتمع المدني السوري والمنظمات غير الحكومية. وعلى الرغم من موافقة موسكو على اقتراح دي مستورا، يتمسك الأسد بما يعتبره حقّه في نقض اي من الأسماء في اللائحة الثالثة، وهو ما يعني ترجيح كفة النظام على المعارضة داخل اللجنة الدستورية، وهو ما رفضته الأمم المتحدة، وأيدتها في رفضها «المجموعة الصغرى»، المؤلفة من الولايات المتحدة وثلاثة من حلفائها الاوروبيين، بريطانيا وفرنسا والمانيا، وثلاثة من حلفائها العرب، السعودية ومصر والأردن. وكانت «المجموعة الصغرى» عقدت لقاء في واشنطن بمشاركة وكيل وزير الخارجية ديفيد هيل وممثل هيئة المعارضة السورية نصر الحريري، وتم الاتفاق على الخطوات الواجب اتخاذها. وتوجه بعد ذلك الوفد الاميركي، المؤلف من رايبرن وجيفري، إلى انقرة، لاطلاعها على آخر ما توصل اليه الحلفاء الداعمين للمعارضة السورية. وقبل مغادرة الوفد واشنطن، تحدث جيفري مع الصحافيين، فكرر موقف واشنطن القائل إن الحرب وصلت الى «نتيجة تعادل»، وان الوضع اليوم تغير عمّا قبل، بالتزامن مع تغيير في هوية اصحاب القرار في سورية وعددهم. وقال ان وزير الخارجية السابق جون كيري اضطر للتعامل مع 400 فصيل معارض في العام 2016. اما اليوم، فعدد اللاعبين تقلص كثيراً، وصار مثلاً يمكن ان يرى العالم التزاماً بوقف اطلاق النار، كما في ادلب، وهو ما كان متعذرا في ما قبل. ويبدو ان جيفري يعتقد ان اللاعبين الأساسيين على الأرض، وفي السماء السورية، هم - إلى روسيا وإيران والأسد - تركيا، التي تشرف على مناطق المعارضة في ادلب، وأميركا، التي تشرف على عمل فصائل كردية سورية مسلحة في حوض الفرات، شرقاً، واسرائيل، التي تساهم مقاتلاتها وعلاقاتها مع موسكو في ضبط نشاطات إيران والميليشيات الموالية لها في سورية. يقول جيفري انه يرى ان الظروف في سورية تغيرت بعض الشيء عمّا كانت عليه قبل ست سنوات، وان نظام الأسد صار يظهر بعض المرونة. «هل نحن امام تعادل؟ نعم... هل هو تعادل صلب كالذي كان عليه قبل اشهر؟ لا»، حسب جيفري، الذي يعتبر ان صمود تركيا امام ضغوط روسيا وايران في موضوع «اللائحة الثالثة» يشير الى ان الاتراك صاروا يعتقدون ان من يحسم على الأرض لن يقدر على الحسم سياسياً. ويكرر جيفري رؤية واشنطن، التي يسميها «ثلاثة ألف» (حرف آر بالانكليزية)، ومفادها بان الروس والايرانيين والأسد يسعون الى ثلاثة أمور: اعادة اللاجئين، واعادة الاعمار، واعتراف العالم بشرعية الأسد. لكن اي من هذه الأمور لن تحدث ما لم يتم التوصل الى تسوية سياسية تقضي بمشاركة حقيقية في الحكم، وهذه بابها دستور جديد، وانتخابات بتنظيم دولي، وحكومة وحدة وطنية. هكذا أمضى جيفري قرابة نصف الساعة وهو يقنع الصحافيين، المشككين بأن الأمور لم تتغير بشكل يدفع لتكرار المجهود الديبلوماسي، بأن اختراقا سياسيا ممكنا قبل الجمعة المقبل. اما في حال تعذر الاختراق، تبقى الأمور على ما هي عليه، في وقت يتداول بعض العاملين في وزارة الخارجية بانهم يتوقعون ان يحمّل دي مستورا نظام الأسد مسؤولية فشل التوصل الى تسوية سياسية، ربما كهدية وداع قبل تسليم المبعوث الأممي مسؤولياته لخلفه غير بيدرسون، مطلع العام المقبل.