للوهلة الأولى، تستثير كلمة «سُموم» في الذهن انطباعات توحي بفكرة الإيذاء والموت، لكن حقيقة الأمر هي أن المعالجين بالطبيعة واختصاصيي الكيمياء البيولوجية دأبوا منذ آلاف السنين على توظيف القوة الكامنة في كثير من السموم الطبيعية (الحيوانية والنباتية) من خلال استخلاص أدوية ومستحضرات منها لمعالجة كثير من الأمراض، إلى درجة يمكن معها القول إن معظم السموم «فيها شفاء للناس».وعلى سبيل المثال، اكتشف باحثون أميركيون في الستينات أن لحاء شجرة الطقسوس الباسيفيكي (Taxus brevifolia) يحوي مادة طبيعية سامة قابلة للمعالجة الجزيئية المختبرية لاستخلاص علاجات فعالة تكبح جماح نمو بعض أنواع الأمراض السرطانية، بل نجحوا لاحقا في تطوير تلك المادة لأغراض دوائية اخرى من بينها كبح جماح تكاثر الفيروس المسبب لمرض الإيدز المميت.وتعتبر معظم النباتات السامة بمثابة «مناجم» في هذا الصدد، لكن تلك  المناجم لا يستخرج كنوزها إلا المتخصصين ولا ينبغي أبدا أن يجربها المريض من تلقاء نفسه أو من خلال شخص ينتحل صفة عشاب، وإلا فستكون النتائج كارثية حتما. في ضوء هذا، نستعرض في حلقة اليوم مختارات من النباتات والأعشاب السامة التي تحوي مكونات علاجية ودوائية شافية ومنقذة للحياة....الشوكران... «قاتل سقراط»! ‏الشوكران (Conium‏) هو نبات عشبي عالي السمومية وينتمي إلى النباتات مغطاة البذور ذات الحولين، ومواطنه الأصلية موزعة بين كل من أوروبا ومنطقة حوض البحر الأبيض المتوسط وجنوب أفريقيا. وفي العصر الحديث، تُستخلص من الشوكران مواد ومركبات تفيد كمسكنات للآلام الحادة، إلى جانب أنه يفيد في كبح انتشار بعض أنواع السرطان. وإلى جانب ذلك، يتم استخراج مكونات من الشوكران لصنع مراهم موضعية لتخفيف الآلام الروماتيزيمة وغير الروماتيزمية، وتركيب محاليل لمعالجة بعض الأورام وغيرها.ويقال إن الفيلسوف اليوناني سقراط مات بأن تم إرغامه على شرب سم مستخلص من نبتة الشوكران بعد أن صدر ضده حكم بالإعدام عقابا له على تهمة إفساد الشباب والإساءة إلى التقاليد والأعراف الدينية والسياسية آنذاك.

بيلّادونا... «سِت الحُسن»نبتة البيلّادونا،(Atropa belladonna)، أو «أتروبا بيللادونا» التي تعني بالإيطالية «السيدة الجميلة»، هي تلك النبتة التي تشتهر في بعض مناطق العالم العربي بالاسم الشعبي الدارج «ست الحُسن». والموطن الأصلي لهذه الفصيلة من النباتات هو جنوب أوروبا وغربي آسيا وشمال أفريقيا. كما أنها تنمو في بعض صحارى مصر وأميركا الجنوبية وآسيا.ولهذه النبتة كنية شائعة في الغرب هي «ظل الليل المميت» وهي الكنية التي تشير إلى كون تأثير سم تلك النباتات يكون بطيئا ولا يظهر إلا بعد فترة من التعاطي، لكنه يكون مميتا بمجرد أن يبدأ في الظهور. وعلى الرغم من كونها سامة، فإن نبتة البيلّادونا استخدمت قديما في مناطق جنوب أوروبا لأغراض طبية من خلال استخلاص قطرات لتوسيع وتكبير بؤبؤ العين، كما استخدمت كمسكنات للآلام.ومما يثبت فعالية سم نبتة البيلّادونا في توسيع حدقة العين، يكفي القول إن مادة «أتروبين» التي تُستخلص منها تدخل في تركيب معظم المحاليل التي تستخدم عند إجراء عملية جراحية فى العين كما تستخدم تلك المستخلصات في معالجة التسمم بنبات فاصولياء أفريقيا والتسمم بمادة الكلوروفورم. كما أن جرعة صغيرة من الأتروبين تبطئ ضربات القلب المتسارعة، ويتم استخدام لصقات الأتروبين الطبية لهذا الغرض على الصدر، وتحديدا فوق القلب.

الديجيتال... «قفاز الثعلب»الديجيتال هو اسم جنس من النباتات ذات الفصيلة السامة التي تنتمي إلى رتبة الشفويات. ويشمل جنس الديجيتال نحو 20 نوعاً، وتحمل تلك الأنواع ألقابا دارجة متنوعة من بينها: «قفاز الثعلب». وكلمة «دِيجيتال» (Digitalis) مشتقة من كلمة (digitus) اللاتينية التي تعني «عقلة الإصبع»، وذلك نسبة إلى شكل أزهار هذه النباتات.يستخدم مصطلح الديجيتال أيضاً للإشارة إلى مجموعة الأدوية المعروفة بالـ«غليكوزيدات» القلبية، وخاصة الديجوكسين، التي تُستخلص من مختلف أنواع هذا الجنس من النباتات. كما تستعمل مستخلصات نباتات الديجيتال في الطب بجرعات مدروسة كمقويات لعضلة القلب ومنظمة لضرباته، كما أنها تساعد على إدرار البول.على صعيد الخطورة، يحدث التسمم بالديجيتال عادة من الوصفات العشبية الجاهزة التي تحوي مادة «ديجيتوكسين» ومادة «ديجوكسين» اللتين تستخلصان من تلك النباتات السامة، وذلك إما بسبب تناول جرعات زائدة أو عن طريق الخطأ أو كوسيلة للانتحار.

البيش... «خوذة الشيطان»الاسم العلمي لجنس نبتة البيش السامة هو Aconitum (آكونيتم)، وهو جنس نباتي زهري واسع التنوع ويضم أكثر من 250 نوعا من النباتات. ويعرف البيش بألقاب أخرى من بينها «خوذة الشيطان» و«سم الذئاب» و«سم الفهد»، وهي الألقاب التي توحي في ظاهرها بالشر، لكنه مع ذلك تُستخلص منه مكونات علاجية تمنع تجلط الدم وتفيد في معالجة لدغات الأفاعى.كما تستخلص من نبتة البيش مستحضرات دوائية أخرى تستخدم موضعيا كصبغات وكمراهم، بل أحيانا تؤخذ بعض أشكاله حقناً تحت الجلد لمعالجة بعض حالات الآلام العصبية وآلام الظهر والروماتيزم.