قال الله تعالى: «ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ» (125).أصبح مفهوم وإدارة الحوار في هذا العصر من الكلمات المتداولة على مختلف الأصعدة بدءاً من صدام الحضارات وحوار الحضارات وحوار التيارات والمثقفين والمفكرين والديانات وحوار الإسلامي الإسلامي والحوار الأسري وغيرها من الحوارات، خصوصا في هذه الحقبة من الزمن لوجود اخفاقات بشرية بين الشعوب والأمم على كثرة ما تم التنظير له من خلال الإعلام واللقاءات المباشرة بين المنظرين والكتاب، مع علمنا أن صفتي الحوار والمتحاور هما الأداء المهمة والقوة الضاربة في اصلاح المجتمعات ونزع فتيل الصراعات والنزاعات كما يعد الوسيلة الأنجع في توصيل المفاهيم بصورة يقل فيها التشنج والتصدع والتفكك.فالمتتبع لحركة التطور المجتمعي في العديد من المجتمعات الإنسانية، يلاحظ أن تراجع مستوى السلم المجتمعي يؤسس حالة من الانحسار بسبب عوامل عديده أبرزُها عدم وجود الحريات والحوار المتكافئ والقبول بالرأي الآخر، لوجود توجهات عقدية مغلوطة لمفهوم الدين والفكر والقاسم المشترك بينهم هو الجهل. وقد يُدهش القارئ بحجم الأفكار والمعلومات الخاطئة التي نمارسها في علاقتنا الاجتماعية وحياتنا اليومية، ما يسبب تعكير التواصل والحوار المجتمعي لوجود الكثير من العقول الصغيرة المطربة في المفاهيم المغلوطة ويعتقدون أنها الحقيقة المطلقة. ولإزالة هذا اللبس نسلط الضوء على حوار المنطق وضمير المتكلم وإجابة السؤال بدون حاجب ومحجوب عنه، بغض البصر والبصيرة والهروب من مجابهة الحقيقة التي تقودنا إلى طريق التغيير، بقدر ما يجعلنا في حالة من الانتكاس والهروب من الواقع وحجب المعرفة التي تحتاج إلى تحديات تتطلب ملء الفراغ، الذي يحدث عند أي متحول في المجتمعات التي بالتأكيد تحتاج إلى اعادة وصياغة هندسة الكثير من المفاهيم والسلوكيات لمستقبل الأجيال المقبلة، ويتم ذلك بواسطة العقل المتحرر والفكر المتجدد ومجابهة كل التحديات بمسؤولية وبقيم انسانية. فالحوار المجتمعي يحتاج إلى ارادة ومعرفة ومنطق وضمير وأثر يترتب عليه منشأ الالتزام بقيم الحوار، وآثاره التي تحمل في طياتها قوانين وضعية اتفق وتعارف عليها العقلاء وقوانين إلهية، من أجل ذلك يمكننا تحديد رؤيتنا ومهمتنا ومسؤوليتنا اتجاه ادارة وتفعيل الحوار في حياتنا اليومية. والحق إنما نمارسه ونحصل عليه من خبرات في حياتنا اليومية حتماً ليس كله هو عين الواقع والحقيقة، إنما هو نسيج بين الخطأ والصواب وهو محاولات لاكتشاف السبل للوصول إلى بناء العقل البشري بمعطيات ومؤشرات تُرسخ الاعتقاد بأن ثقافة الحوار هي حصيلة إنسانية جامعة لأهمية الانسجام والتوافق والقبول بالعيش المشترك مع باقي البشرية ضمن دائرة الثقافة الوسطية، واتساع مساحة التلاقي وممارسة الحوار بقيم العدل والمساواة، واحترام حقوق الإنسان وأنه المكرم الاول دونه النظر بما يعتقد أو يؤمن به، فله الحق في التعبير عن مكنوناته لقوله تعالى: «فَمَن شَاء فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاء فَلْيَكْفُرْ»، فالتوازن في بناء العلاقات بالحوار والمنهج الإنساني هما المفتاح للولوج لساحة الحياة والتواصل مع الآخر من دون أن تكون هناك موانع معرفية وخوف على النفس والمال والدين.ولا يكتمل هذا التوازن إلا بخاصيه وجود مساحة للحوار والتواصل والوسطية والتسامح في أعلى تجلياته الإنسانية على الصعيد الفكري والعقدي و نبذ التطرف والكراهية المقيتة، واحترام حقوق الانسان والقبول بالتعايش السلمي وعدم ممارسة الغلبة لإخضاع الآخرين، تحت سلطة الطائفة والقبيلة والمنطقة والمعتقد، فالإنسان ولد حراً في اختيار توجهاته التي لا تُمس إنسانيته، فهل نكتشف أخيرا بأننا مصابون بمرض عرضي أو يعـد من الأمراض المزمنة، كتعصب لطائفة والقبيلة والمنطقة والعرق والضغينة والأنا وبعدي الطوفان وغيرها من الصفات... في منظورها العام؟ بالتأكيد ستكون الإجابة صادمة إن كنا صادقين مع أنفسنا، و نمارس هذا الدور بالفعل على خلفية الاختلافات العقدية والرفض للتنوع الفكري والطائفي والقبلي مما يؤثر على الانفتاح والتواصل والسلم الاجتماعي. بخطوات عملية أساسية في تمتين وبناء أواصر الأخـوة بين مكونات المجتمع الواحد وتحمُّل المسؤولية الاجتماعية والشرعية لنشر قيم الحوار والقبول بالعيش المشترك يتطلب جهودا شاقة ومستمرة لإيجاد مناخ مناسب للاتجاه الايجابي: الحوار الإيجابي أصبح مطلباً للعديد من المجتمعات وهو رابط حقيقي لقيم العقيدة والفكر الذي يتبناه الشارع المقدس، لوجود تعددية وتوجهات فكرية لاحتضان نشر مبدأ الحوار المجتمعي والمعرفة وثقافة التسامح والعدل والمساواة لبناء مجتمع موحد منفتح. ليس مطلوبا منا اتجاه أفكار ومشاعر الآخرين وتوجهاتهم العقدية، وممارساتهم الحياتية تسخيفهم والتقليل من شأنهم، وعزلهم عن المجتمع بعذرٍ أقبح من ذنب. يقع على عاتق الجميع المسؤولية المجتمعية وتزداد عند المثقفين والمتنورين وعلماء الدين، خصوصا مع اختلاف توجهاتهم الفكرية في التوجيه وعدم الخلط بين الحوار الحضاري الإنساني والصدام من أجل الحصول على مكتسبات بطرق غير مشروعة يرفضها العقل والدين. امتصاص حالة المجتمعات المقهورة والمصدومة بالواقع من فخ الصراعات الوهمية، والمواقف المتشنجة وعدم استنزاف جهود وطاقات واهتمامات الآخرين بردود أفعال عبثية، وهمية لا طائل منها عوضاً عن التشجيع على إنماء المعرفة والفكر والمساهمة في ادارة الحوار والسلم المجتمعي. النظر إلى الأمام وعدم الالتفات إلى الوراء إلا بقدر تلمس الخطأ والصواب، والاستفادة من كل الطاقات والإمكانيات المجتمعية والفردية، وعدم استثناء أي طائفة أو فرد له من القدرات وحماية المنجزات من الاعتداء والهيمنة على العقول. فالخلاف مطلقاً مرفوض وهو أحد مسببات التمزق والعـداء، برغم الإقرار بوجهات النظر وأحقية كل الأطراف في طرح ما يعتقدون به مع عدم إلغاء للآخرين، والعمل على تسوية الخلافات في دائرة الحوار بالأخلاق والنزاهة والاستقامة والمسؤولية وليس الصراع والعنف والتشهير والشرور التي تصل بالبعض إلى الكراهية بماهي من حالة التعصب والانحياز والازدراء والتوحش، وقد تصل إلى حالة القتل المتعمد بدون عقل وضمير ووجدان. فالحوار من القيم النبيلة وهو مسؤولية أخلاقية وانسانية ودينية تنهض بالجميع، وهو استعداد فطري ومقدرة فكرية تلزم الانسان نفسه، اولاً على أن يفي بالتزامه المجتمعي الوطني وبذل الجهود بالتعاون مع كل النخب و أطياف المجتمع اتجاه محاكات القضايا المجتمعية، والمشاركة بنشر وتيسير مقومات الخير والقبول بالعيش المشترك، والإخلاص في العمل والثبات على البناء المجتمعي الوطني من التصدع عند التعرض للمحن.ويبقى للحوار سؤال الإجابة.* كاتب من السعودية
محليات - ثقافة
الحوار سؤال الإجابة
01:47 م