مازالت للدهشة في نفسي نصيب من المستوى المتدني للطرح الفكري والسياسي في الكويت، والذي يبدو أنه أحد ملامح التدهور العام الذي نشهده في مجمل الواقع الثقافي والسياسي والاجتماعي في البلاد!أحد مصادر دهشتي يتعلق بالكثير ممن نعتبرهم «نخبة» ثقافية في الكويت، والكم الهائل من المفاهيم المغلوطة التي تأتي على لسانهم أو في مقالاتهم أو تغريداتهم تجاه بعض القضايا الحساسة في البلاد، والتي أرى فيها تقصيراً - على أقل تقدير - في القيام بالدور الحقيقي المنوط بهم كنخبة ثقافية يفترض أن تساهم في تصحيح المفاهيم وفك تشابكها، بدلاً من التماهي مع الفهم العام الخاطئ لتلك المفاهيم، والتي - أعني تلك المفاهيم الخاطئة - شيدت أركانها الحركات الدينية السياسية بالتعاون مع البيئة الاجتماعية المتشددة والحاضنة لهكذا أفكار خاطئة. أحد تلك المفاهيم المعقدة، والتي لا يتم تناولها بالشكل السليم في مجتمعنا، هو مفهوم الليبرالية، وعلاقته بالكثير من المواضيع السياسية والثقافية المطروحة على الساحة، ومحاولة البعض فرض تعريف محدد لمفهوم الليبرالية لا علاقة له بالسياق الطبيعي الذي نشأ فيه، والأخطر في كل هذا هو في فرض تصورات معينة على هذا المفهوم إن تحدث الشخص وفقاً لها فقد كفر بالليبرالية وخرج من حدودها وكُشف عن وجهه الحقيقي المتمسح بالليبرالية زوراً وبهتاناً! بداية، يجب أن نفهم أن المفاهيم الثقافية، خصوصاً مفاهيم السياسة وعلم الاجتماع الحديث، هي مفاهيم نشأت في فضاء ثقافي ومعرفي مختلف تماماً عما نعيش فيه في مجتمعاتنا، ولا يعد استخدامنا لها في مجتمعاتنا إلا من باب الاستخدام «الاصطلاحي» إن صح المعنى. فالليبرالية المبنية على إعلاء قيمة الفرد وحرياته وأساسياتها في تكوين مجتمع صحي، يستمد قوته من قوة أفراده وحرياتهم، هي ليست بالضرورة ما نتحدث عنه عندما نتحدث عن بعض الأحزاب والحركات وجمعيات النفع العام في مجتمعاتنا. فعندما تتناول وسائل الاعلام الانتخابات الإيرانية مثلاً، وتصف بعض المتنافسين فيها من التيارات الإصلاحية بالليبرالية، فاللفظ هنا يستخدم اصطلاحاً، إذ لا يمكن تصور أن مرشحين يتنافسون تحت نفس منظومة الحكم الديني ذاتها ولا يختلفون إلا في تفاصيل النظرية فقط، لا يمكن تصور أن هؤلاء بالفعل يمثلون الليبرالية كما نعرفها في المجتمعات الغربية من قريب أو بعيد! إحدى المشاكل الأخرى التي نعاني منها في مجتمعاتنا في ما يتعلق بمفهوم الليبرالية أيضاً، هي علاقتها بالإطار الحقوقي الخاص بالجماعات، خصوصاً عندما يثار عندنا حوار متعلق بحقوق شريحة معينة - دينية أو مذهبية في الغالب - في بلداننا وكيف يختلط الحابل بالنابل عندها، بحيث يتهم من يخوض في هذه القضايا الحقوقية بالبعد عن الليبرالية أو استخدامها كغطاء للدفاع عن نوازعه الدينية الدفينة، والتي قد يخجل من التصريح بها، فلا يجد بديلاً أو «ديكوراً» جميلاً يستخدمه في دفاعه عن جماعته غير الشعارات الليبرالية! هذا الفخ، الذي أعتقد أن مرجعه في الأساس عنصران، سياسي رتبت له بنجاح الحركات الدينية، ونفسي متعلق برغبة الكثير من الليبرال في طرد صفة الطائفية عن أنفسهم. هو فخ خطير، وأظنه سيمنعنا من التعامل الصريح مع الكثير من مشاكلنا بالصراحة والأريحية المطلوبة!نصيحتي لأصدقائي الليبرال في النهاية... لا يخوفونكم جماعات التشدد الديني... ولا تخشوا من نقاش القضايا الطائفية بكل أريحية، وسمّوا الأشياء بأسمائها ولا تنزلقوا لوصف كل من تعامل مع الشأن الطائفي بمسؤولية وبروح وطنية... بالطائفي!باختصار... نحتاج قليلاً من الليبرالية الحقيقية يا أصدقاء! alkhadhari@gmail.comTwitter: @dralkhadhari
مقالات
نفسياسي
قليلاً من الليبرالية ... يا ليبرال!
01:35 م