أحيا الشاعران محمد المغربي وعبد الله الفيلكاوي أمسية شعرية، تناغمت فيها المشاعر وفق ما تضمنته القصائد من رؤى إنسانية، متواصلة مع الواقع والخيال معا.والأمسية أقيمت على مسرح الشاعرة الدكتورة سعاد الصباح في رابطة الأدباء الكويتيين، في إطار فعاليات مهرجان «صيفي ثقافي» في دورته الـ13، تلك التي ينظمها المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب... وأدارها الشاعر سالم الرميضي.وألقى الشاعران قصائدهما التي تراوحت- في مضامينها- بين الوجداني والخيالي والحسي الذي تتفاعل صوره مع الحياة بتقاربها وتضادها، كما اختلف الأسلوب والطرح لكلا الشاعرين، ولكنه اتفق في مساراته التي تتبع الإنسان في حالاته النفسية والعاطفية، وبالتالي فإن الأمسية جاءت في سياقها الذي ينشد الجمال في أبهى صوره.والمغربي... أنشد قصائده من خلال ما تتمتع به لغته من غوصٍ عميقٍ في أتون الحالة الشعرية، ومن ثم التنقل بين صورة وأخرى في رشاقة ويسر، ما أسهم في إيجاد مساحة كافية كي يعبر من خلالها عن سياقاته الشعرية المزدانة بالتوهج والحضور... وتنقل الشاعر بين قصيدة أخرى من أجل استلهام الحياة في أشكالها المختلفة، ومن ثم الوصول إلى حالة شعرية متفاعلة مع معطيات الحياة.والمغربي شاعر وروائي حصل ديوانه «هو المطر» على جائزة الدولة للعام 2008. كما حصل على جائزة بلند الحيدري للشعراء العرب في مهرجان أصيلة الثقافي- المغرب 2011. ومن إصدارته «على العتبات الأخيرة» ديوان شعر، و«أخبئ وجهكِ فيّ وأغفو»، ديوان شعر، صدر عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر، في بيروت، و«خارج من سيرة الموت»، قصيدة طويلة، عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر، بيروت، و«هو المطر»، قصيدة طويلة،عن دار الفارابي، بيروت،و«ساق العرش»، رواية، صدرت عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر، بيروت.وقرأ المغربي في الأمسية نصوصا من ديوانه الأخير «أخذته الصيحة»، وهي عبارة عن قصائد قصيرة اتسمت بالتنوع والقدرة عن كشف المسكوت عنه ليقول: الطفلةُ المريضةُ تبتسم كلّما حرّك هواء التكييف العنكبوتَ المتدليةَ من السقف بخيطها الحريريّ بدتْ لها- عكس ما يُشاع عنها من قصص مرعبة- خرقاءَ بلهاءَ، نقطةً سوداءَ تتعلق بخيط واهٍ ويؤرجحها هواء بارد *** سأرسم لوحةً بيضاء ممهورةً بتوقيعي وسأسميها قلبي وأبيعها على رصيف ما في باريس وقد يشتريها فنانٌ مغمورٌ ويرسم فوقها أو تشتريها فتاة جميلة وتعلّقها في غرفة الطعام وستدّعي أمام صديقاتها أنها لوحة صادقة وبديعة أو قد لا أجد من يشتريها وأعود خائباً الى البيت لأرسم فيها سهاماً مدماة هكذا تدفقت اللغة الشعرية بتكيف متقن خلال ما قدمه المغربي من قصائد قصيرة ذات جمل محددة إلا أنها ذات معان بعيدة، ضاربة في عمق الحياة ليقول:اليوم سرقتُ مالاً كان في جيب أبي، دفعتُه كله صدقةً للأطفال في البلاد المجاورة البلاد التي تشتعلُ بالحرب الحرب التي تجلب لأبي المال المال الذي كان في ذلك الجيب. ***وأنا في الأربعين لا أقف لأيِّ مُعلِّمٍ ولا أوفّيهِ التبجيلَ ولكنني ما إن تقع عيني على مسطرةٍ معدنيةٍ أتحسَّسُ النُّدوبَ كبقايا الوشمِ على ظاهر يدي وأجفل. ومن اللافت أن قصائد المغربي بمفرداتها- رغم هدوء مفرداتها- إلا أنها تهدر في وجه الظلم، وتدافع في الأساس عن السلام، وتسعى إلى أن تقر الأمان كشكل يجب أن نراه في كل بقعة على الأرض ليقول:صديقُ طفولتي الوحيدُ ابن العائلةِ الثريةِ كان يقاسِمُني طعامَهُ وأحلامَهُ وبعدما كُبرنا صارَ يقاسمني طعامي وأحلامي. ويقول المغربي في لفتة إنسانية خاصة:الشهداءُ الجميلون الذين تُقامُ لهم أعراسٌ بدل الجنائز، الذين تصدح الأغاني ببطولاتهم، الذين تُزَيّن صورهم- مكَلَّلين بالورودِ- شوارعَ المدينةِ لا ترى فيهم الأمهاتُ غير خساراتٍ شديدةِ الفداحة بينما في نص آخر يقول: واحتوتني اللَّحْظَةُ، انقَضَّتْ سُنُوُّ الفَقْرِ فَكاًّ تَغْرِسُ الأنْيابَ في لَحْمي وَ عَظْمي. كُنْتُ مَشْلولاً أحَسُّ تَمَزُّقي وَ تَناثُري قِطَعاً أَمامَ البابِ. إنّ البابَ توصَدُ. وَ انتَهى صَوْتٌ مِنَ الآتينَ في أُذُني: خَطيئَتُكَ المَجيءُ. وأنشد المغربي مقطعا من قصيدة «السطورُ الأخيرةُ من سِفْرِ الألم»، والذي يقول فيه: «بخاطِري حَمامةٌ مَكْسورَةٌ/ وَقَدْ مَضى سِرْبُ الحَمامِ مُسْرِعاً وَ غادَرَ الجَميعُ أعْشاشَ الطُّفولَةِ التي بَكَتْ عَلَيْك، أجْهَضَتْكَ زائِغَ العَيْنَيْنِ، تَلْطُمُ الفَراغَ وَالرّياحُ في بَعيدِهِمْ تَعْوي». فيما تبدت اللغة الشعرية عند الفليكاوي... متصارعة مع الواقع ومناوشة له في سياق شعري مفعم بالحيوية والحركة، كما اتسمت مفرداته بالتنوع الذي قرر فيه الشاعر أن يكون مسيطرا على رؤيته، من أجل إظهارها جلية في أشكال إنسانية ناطقة بالجاذبية.الفيلكاوي الذي شارك في الكثير من الأمسيات الشعرية داخل وخارج الكويت، لديه مخزون شعري متوهج بالحيوية والحركة، في اتجاهات عدة، ومن ثم فإن لغته الشعرية، تأتي دائما في أنساق خيالية تبدو فيها المشاهد مزدانة بالتأمل والدعوة إلى التفكير، خصوصا قصائده التي يطمح من خلالها إلى طرح الأسئلة في صيغ شعرية جديدة.ليقول في قصيدة له:واترك لقافية الألفاظ سر شجًيمن الغموض ومعنى غير مشروحكأنه الروح في الإنسان ما فتئتمفتاح سرٍ للغز غير مفتوحواسترسل الشاعر في وصفه الصوفي للحياة: «حتام أبحرُ في بحر السؤال ولا/ أرى جوابا ولا أطواق توضيحي»، ومن ثم توالت المفردات الشعرية المنحوتة من الواقع والخيال معا، ليقول:كل الدروبِ مشتْ بي نحو هاويةإن شئتَ فاقفز وإلا عُد لتصحيحِقفزتُ بل طرتُ سكرانًا ومُنتشيًاكأنني ريشةُ طارت مع الريحِوفي سياق شعري آخر متواصل مع رؤيته قال الفيلكاوي:حِينًا تُجَرَّحُ باللأواءِ أجنحتيمتى انقضضتُ لتعديلٍ وتجريحِوأينَ راحتهُ من خاضَ معتركًاأبطالها بينَ مسيوفٍ ومرموحِواستلهم الفيلكاوي في قصيدة «زفرة لاهبِ»، ملامح حسية مستقاة من عناصر إنسانية متنوعة، كما تضمنت القصيدة بوحا ونصحا وتأملا ليقول:أحنُّ إلى الخصم الشريف لأنهيريني فِعالي في قراع الكتائبِحننتُ له لما بليتُ بضدهإذ الحرب صارت في اصطياد الثعالبِوتناول الفيلكاوي في قصائده الكثير من المضامين تلك التي استطاع أن يتواصل فيها مع الواقع، وذلك عبر ممرات خيالية، تتدفق فيها المشاعر باكبر قدر من التكثيف ليقول:تُغالبُ تَحنانَ الفؤادِ المطامحُوهيهات أن تُخفي الشجيَّ الملامحُ.