فترة صمت قاسية، كان دقيقا للغاية عندما قال «إن أعظم مخاوفنا تنشأ من مواجهة النور الكامن في أعماقنا...» نيلسون مانديلا.نقف من خلال هذه السطور على عبارات تدمي القلوب، وتقف العقول حائرة في صياغة ودراسة الواقع الإنساني بمختلف الوسائل المتعلقة بالسلوكيات والبرامج واللغويات للوصول إلى إظهار خطاب مقبول عند جميع المستويات البشرية. فقد أصبحت الصورة المنقولة لفظاً وكتابة وواقعاً عبر وسائل التواصل الاجتماعي مثيرة للجدل لكثرة القساوة والخوف والقلق والحالات النفسية المحبطة للفعل الإبداعي والمعرفي والشعور بالوهن الذي أصاب المجتمعات العربية والإسلامية، يداً ملطخة بالدم والعنف والقهر والخراب تدفع البشرية ثمنا له، نزاعات وصراعات لا تهدأ... وتعزية لا تشفي ألماً... وكلمات تفتقد معانيها... وحدثا يوميا متكررا يحتفي به البعض زارعاً للفتنة، ونطق بها البعض من أعلى المنابر وكأن لا قيمة للحياة والإنسان غير الموت والخراب والدمار والخوف. زوبعة كبيرة متخمة بعادتنا الجاهلية قُلتها في أكثر من محفل هناك من يصنع ضجيجا ويزرع شتاتنا من الوسط الإعلامي والفكري والتعليمي وأقسى من ذلك بعض خطباء الشاشات المتشددين أو ما يطلق عليهم بعلماء دين وجهل بعض المتعلمين مع علمي أن هناك ممن لا يتقبل ذلك ويدعو لتهدئة النفس وتطمين الآخر من كثرة السلبيات والتحديات القاسية معلنا مبدأ السلم والسلام والوسطية وينبذ القسوة والكراهية والتوحش والعنف ونشر الفتنة ويدعو إلى الاندماج والألفة وتشكيل مبدأ للحوار وعنده قيمة للحياة والإنسانية. أؤمن أن الولوج في معانات المجتمعات له من الحساسية الكبرى ويصعب وصفها وأٌؤمن باننا يجب أن نمارس دعوة الآخرين للحوار بالصورة التي قال عنها الباري عز وجل: «ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ» النحل 125.نعم بالأخلاق والقيم السلوكية الإنسانية لا بالعنف والصرامة والتباغض والتناحر والتنافر بل بالحوار وبالكلمة لا بالقوة بالواقع والدليل والبرهان بالحقائق والمعطيات باليقين لا بالوهم بالنزاهة والموضوعية والمسؤولية. يضل الحوار عنصراً اساسياً في تشكيل مبدأ الوعي المعرفي من خلال فهمنا السليم لأنفسنا وللآخرين واتجاهاتهم وقيمهم وممارساتهم الحضارية والثقافية والاجتماعية والتاريخية والفنية والعلمية والسلوكية في المواقف المختلفة ذات الصلة بحاضرهم ومستقبلهم في الاندماج المجتمعي و الوطني، وقبول الآخر هو مصدر لفهم المتحاور بدرجة (ما) مع علمي أن ثمة وجهات نظر قد تخالفني هذا التوجه لوجود سلبيات وتقييمات قاسية نتاج لتجارب شخصية فردية أو مجتمعية ماضية.إلا أنني أولي اهتماماً خاصاً لمسألة فهم مضمون القبول بالآخر بتجرد وحيادية وموضوعية وتبادل الرأي واستثارة التفكير وطرح الأفكار والتوجهات عند المتحاور الذي يحتاج إلى فهم الرسالة الأساسية من دعوته للحوار مع (أين كان) ذلك الطرف الآخر ولغاية من التحاور واستبصار بمفاهيم الحوار بطريقة موضوعية بما يشجعهم على استقبال المعلومات ذات المفاهيم والأهداف التي يمكن أن تكون مقدمة أو رؤى لحل المشكلة التي يعانون منها لذلك من الضروري جدا معرفة العديد من الوسائل والأهداف لتشكيل حوار ووعي معرفي من خلال السعي في توصيل الأفكار ذات البناء الحقوقي الانساني الوجودي السلوكي والقبول بممارسة المعتقدات من دون المساس كلياً بالكرامة الإنسانية والثوابت الدينية والعادات المجتمعية. وفتح جميع قنوات التواصل بين مكونات المجتمع والتأكيد على مسارات التقارب وتقبل البون في ايجاد مساحة التلاقي بين أطياف المجتمع. ومواجهة الصعوبات وتفنيد الأفكار والممارسات غير الواقعية ودحضها بالحوار والدليل والواقع.هذا الإحساس يضمن للجميع الأمن النفسي والمجتمعي والرضى عن الذات والشعور بالسعادة والطمأنينة وهي غاية كل مخلوق على وجه هذه البسيطة. تذكر: فليضع كل منا نفسه مكان الآخر، بذلك ندرك ما دفعه إلى السلوك الذي قام به والمقولة الأخرى التي أشرت لها في معظم كتاباتي السابقة لتحقيق أفضل النتائج لتشكيل حوار ووعي معرفي عليك أن تتذكر انك تتعامل مع مخلوق له من الكرامة والأفكار والرؤى والعلوم والقيم والعادات والمعتقدات التي تشبه القوانين المشروعة عنده. فإن العقلانية تدعوننا إلى استخدام جميع الطرق والأساليب المشروعة عرفاً وقانوناً لتغير طريقة الاتصال والتواصل والتعامل مع الإنسان في قضايانا المجتمعية. • ليس كل التصرفات الخاصة بهذه الفئة أو تلك الفئة هي مقبولة عند الجميع. • إن البيئة الحاضنة والخاصة بأي تجمع سكاني لا تقارن بتجمع آخر، فالقياس هناك غير واقعي ولا تصل إلى مرحلة اليقين، والحكم الحقيقي هو الواقع المتفق عليه عند العقلاء. • انطلاقا من المبادئ التي أوضحناها فإن العقلاء يبحثون دائماً عن التوازن لتشكيل علاقات وأدوار ومسؤوليات تدعونا للوفاق ولم الشمل بين أطياف المجتمع بالحوار الإيجابي ووضع حلول حضارية تنموية اجتماعية اقتصادية ترفض التوحش والنزعة العرقية وممارسة العنف والصراع والصدام فذلك مخالف لما جاء به القرآن الكريم قال الله تعالى مخاطباً رسوله الأكرم (صلى الله عليه وآله): «وَلاَ تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلاَ السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ» فصلت 34.هذا في إطار النفس الاصلاحي الداعي للحوار، تندرج هذه المساهمة وهي محاولة لمقاربات لسانية وإنسانية واجتماعية، لتسليط الضوء على مبدأ الحوار ودوره في المصلحة الوطنية التي تحمينا من عواصف ونار تحت الرماد وأن يتصدى المخلصون لمبادئهم وأوطانهم والمحافظة عليها وسد منافذ الشر، التي تصيب الفرد والمجتمع والعمل على تفعيل مساحة الخير والحب والجمال والعدل وبناء القواسم المشتركة التي يتفق عليها المجتمع ويسنُها المشرع ويعملون على تفعيلها. * كاتب من السعودية
محليات - ثقافة
الحوار مبدأ لتشكيل الوعي المعرفي
11:35 ص