في ضوء مخرجات التنمية المستدامة ومتطلباتها والثورة المعلوماتية المتسارعة، يناقش البعض أهمية إيجاد حلول للعديد من الموضوعات التنموية الإنسانية الاجتماعية السلوكية الاقتصادية القانونية، التي تحتاج إلى بحث علمي يناقشها بموضوعية دون المساس بالثوابت الفكرية العقدية، من أجل معرفة حقيقتها وموقفها من الواقع. لذا أجدُ من الضروري الإضاءة عليه والتصدي له بواقعيه من قبل المتخصصين والمهتمين بالشأن العام، وهو في غاية الأهمية، كما نحتاج إلى بيان توصيفي واقعي لبعض الظواهر التي تحتاج إلى معالجة، بإخراجها إلى دائرة النور وتسييرها بواقعية دون انحياز ذاتي أو عرقي أو طائفي أو قبلي أو مناطقي خصوصاً ونحن نتحدث عن موضوعات تمس واقعنا الحياتي والاجتماعي والاسري والوطني.ونعلم في يقيننا أن السلم والتسامح المجتمعي والاعتدال والتوازن والحوار والوسطية تبني حضارة ورفعة للمجتمعات، ولا تحتاج إلى جدلية إنما تحتاج إلى التعاون في حل المشاكل ذات الأبعاد الإنسانية السلوكية الاجتماعية، الثقافية التعليمية والصحية والاقتصادية وتعزيز احترام حقوق الإنسان والتشجيع على الحريات الأساسية للجميع، من دون تمييز بسبب العرق أو الجنس أو اللغة أو الدين، فضلاً عن تحسين رفاه الناس، وتعزز الازدهار والفرص الاقتصادية وحماية البيئة وتوفر أفضل السبل لتحسين معايش الناس في كل مكان وزمان. لكن وبكل أسف تقف الكلمات حائره جملة وتفصيلا بين المفاهيم والقضايا التي يندى لها الجبين على أهميتها التي لم تحظَ بدعم حقيقي من جانب الأسرة والمجتمع والمدرسة ولا من مؤسسات المجتمع المدني بالمستوى المطلوب ولا من المفكرين والعلماء والإعلام. هذا ما جعل المسألة تصل إلى مانحن عليه اليوم من تنمر وعنف أسري ومجتمعي، مع عدم نكران الجانب الإيجابي لمن هم متصدون في تقليل من حدة التشرذم والشتات والتنمر والعنف الأسري والمجتمعي. هنا يقفز سؤال:هل الإضاءة على مسألة التنمر والعنف الأسري والمجتمعي والاعتراف به أ مر ذو أهمية أو السكوت وتجاهله افضل؟ قد نختلف اختلافاً جوهرياً مع هذا الطرح، وقد نتفق مع المسوغات والموافقة عليها أو على أجزاءِ منها.يحدث التنمر والعنف المجتمعي مسبباً نزاعاً وصراعاً واختلافاً وخلافاً بين مكونات المجتمع والأسر، عند ما تتعارض المصالح والرؤى والأفكار والتوجهات وينشأ شعور عند البعض بالإحباط ويتنمر البعض ويتفرج الآخر متخذاً توجها معاديا للجميع... بعيداً عن ميزان العقل والحق ومستفيدا من مكانته الاجتماعية أو منصبه المهني أو فكره. وفي المقابل علينا الاعتراف وعدم تجاهل قضايانا المجتمعية، فنحن في حقيقة الأمر بشر وليس ملائكة، والبلاء والابتلاء موجود في كل الشعوب وفي كل زمان ومكان.نعم علينا الاعتراف بقصورنا وتقصيرنا وجهلنا وتجهيلنا وتوجهاتنا ومشاكلنا وعدم دفن رؤوسنا في الرمال. وتجاهل الموضوعات التي ستتفاقم يوماً بعد يوم، و في حالة الانفجار تكون النتيجة غير محمودة العواقب، لعدم مجارات النخب الوطنية ومؤسسات المجتمع المدني للمتحولات المجتمعية ومشاركتها في البناء والحياة العامة وبقائها في حالة من العزلة والقنوط والعزوف وعدم مشاركة هموم الناس، تبرز إلى السطح مجموعة من الأمراض الجسدية والنفسية والاقتصادية والأمنية وبروز مظاهر من العنف والعدوان والتنمر الأسري والمجتمعي، ويتطرف البعض باسم الدين والتدين والتمذهب وتفشي الجريمة والفساد الإداري والمالي عند ضعفاء النفوس.تقودنا هذه القراءة للبحث وتحقيق مستوى متصاعد في تحمل المسؤولية الوطنية والمجتمعية وترسيخ وتعزيز مبدأ التفاعل والمشاركة والنهوض بمصفوفة قيم ذات أهمية لإزالة التوترات والإضطرابات المجتمعية منها: 1 - ايضاح أبعاد الموقف الشرعي والقانوني لظاهرة التنمر المجتمعي. قال تعالى: «ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ» (125)وقال تعالى «ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة ولا يزالون مختلفين» (118)وقال تعالى «ولو شاء ربك لآمن من في الأرض كلهم جميعا» (يونس 99)2 - تصدي المجتمع ومؤسسات المجتمع المدني والإعلام والجهات الرسمية لعقد ندوات وملتقيات وبرامج لتعزيز قيم الحوار ونبذ التنمر والكراهية التي هي عنوان لبيئة خصبة للخصام. 3 - مد جسور التواصل والتبادل المعرفي والزيارات بين مكونات المجتمع لتأسيس وتأصيل وتعزيز قاعدة المشتركات أكبر في حضن الوطن والعمل بها معاً. 4 - تفعيل قانون تجريم الكراهية سواء كانت لفظية أو نشرها في الإعلام أو ممارستها جسدياً بالتنمر والابتزاز. 5- بمواجهة حملات الازدراء والتميز والتنمر يستل فتيل النزاع في جميع مفاصل الحياة الأسرية، الأكاديمية، المهنية، الإعلامية، المجتمعية. 6 - عمل برامج وأنشطة تحاكي الواقع وتناسب جميع المراحل العمرية للجنسين حيث تسهم في تقليل الاحتراب والتنمر ونبذ أفكار التطرف. 7 - التعامل مع حالات التنمر والتوحش والعنف بشكل فردي دون المساس بالطائفة والقبيلة والمنطقة وباقي أفراد الأسرة والمجتمع ودليلنا على ذلك قول الباري عز وجل: «لا تزر وازرة وزر أخرى» الزمر 7.إن أنصار أحادي الفكر هم من يتخذون الصراع الديني منهجاً للتحارب بين أبناء البشرية، ومنهم من يؤسس إلى العزلة، والتحزب والتشرذم والتوحش المجتمعي.يقول فولتير في كتابه «رسالة التسامح»: «كن شديد التسامح مع من خالفك الرأي فإن لم يكن رأيه صائبا فلاتكن أنت على خطأ».وفي ذات الصدد القول المأثور عن الشافعي: رأيي صواب يحتمل الخطأ ورأيك خطأ يحتمل الصواب. ان عدم تشبثك برأيك يجنبك الشرور الناتجة عن التنمر والتعصب الأعمى والإكراه، ويجنب المجتمع والوطن كثيرا من الفتن والتصادم، فيعيش الناس متسامحين قادة للحياة على اختلاف مشاربهم بأمن وأمان.* كاتب من السعودية