بصفتها مؤسساً ورئيساً لجمعية العمل الاجتماعي الكويتية، كانت الشيخة بيبي ناصر الصباح وما زالت في طليعة النضال من أجل الدفاع عن حقوق العمالة الوافدة المستضعفة في الكويت.  وجنباً إلى جنب مع فريقها، تقضي الشيخة بيبي جزءا كبيرا من وقتها يوميا في السعي إلى تحقيق العدالة للضحايا المستضعفين الأكثر مظلومية، وذلك من خلال زيارات إلى مخافر الشرطة لتوفير الدعم للمستضعفين الذين يتقدمون بشكاوى؛ وإلى المستشفيات للاطمئنان على العمال الذين تعرضوا إلى اعتداءات وتوثيق المعلومات للقضايا الخاصة بهم؛ وإلى قاعات المحاكم للتنسيق مع المحامين، وفي أماكن أخرى بين مكتبها في «جمعية العمل الاجتماعي» والسفارات وملاجئ الايواء للتنسيق مع المنظمات والجماعات المهتمة بشؤون العمالة الوافدة في الكويت.وعلى هامش حملة «سقف واحد» الوطنية التي نظمتها وأطلقتها «جمعية العمل الاجتماعي» بالتعاون مع منظمة «الخط الإنساني» قبل بضعة أيام، أجرى موقع منظمة «مايغرانت رايتس» اللندنية المعنية بحقوق العمالة المهاجرة عالميا، حوارا حصريا مع الشيخة بيبي ونشره أخيرا. وتنشر «الراي» ترجمة لمقتطفات من ذلك الحوار الذي تمحور حول مدى وطبيعة وتأثير الجهود التي تبذلها الجمعية، «ولاسيما الهدف الذي تنشده بأن يغادر الوافد الكويت وهو يحمل معه أروع قصة عيش وعمل، على عكس الواقع الحالي الذي يغادر فيه الوافد وهو محمل بقصة رعب». وفي ما يلي التفاصيل:

• كيف توازنين بين عملك كناشطة في مجال تحقيق العدالة الاجتماعية وبين العمل السياسي؟في البدايات، عندما بدأت العمل لم أكن أعرف كيفية تحقيق التوازن بين العمل السياسي وعملي كناشطة. فقد كنت أتحرك في اتجاه واحد فقط، ألا وهو التوعية بحقوق العمالة المستضعفة. ثم لاحقا أدركت أن ذلك الأمر يزعج كثيرين. ثم تعلمت على مر السنين كيفية استخدام السياسة. والواقع أن الأمر برمته يتعلق باللغة، خصوصا هنا في عالمنا العربي. فبوسعك الحصول على ما تريد إذا كنت تعرف كيفية استخدام المفردات والمصطلحات الصحيحة. وعليك معرفة كيف تتعامل مع الموضوع الذي أنت بصدده. وكون المرء قاسيا ومباشرا دائما لا يفيد دائما. وهكذا فإنني تحولت تدريجيا من رؤية كل شيء باللونين الأبيض والأسود إلى رؤية منطقة الدرجات الرمادية، هي المنطقة التي يمكنك فيها إنجاز العمل المنشود.والشيء الذي ساعدني (في مسيرتي) هو الابتعاد عن أضواء الإعلام. فبهذه الطريقة يمكن للمرء أن يعمل من دون أن يتعثر في حبائل السياسة.•لماذا وكيف بدأت الانخراط في هذا العمل؟تخرّجت جامعيا في العام 2003 ثم عملت في المتحف. وأتذكر أنني كنت أشكو من ارتفاع درجة حرارة الجو، ومن أنني كنت أشعر بشدة حرارة عجلة قيادة سيارتي الفاخرة، إلى أن رأيت ذات يوم عمالا في مواقع عمل في الخارج (تحت الشمس). وعلى الرغم من أنني أذكر هذه الواقعة تحديدا، فإن الأمر أكثر من ذلك طبعا. فلا يمكن للمرء العيش هنا في هذا الجزء من العالم (أي في الكويت) ويتجاهل اللامساواة. وربما لكوني امرأة في هذا المجتمع، فإنني كنت أكثر تعاطفا.• كثيرون يرون اللامساواة، لكن ليس كل شخص يفعل شيئا إزاءها؟نعم، كثيرون يتجاهلونها. يغضبني أن الناس غافلون عن كل هذه القضايا. وقد اعتدت في الماضي أن أتساءل: كيف يستطيعون أن يكونوا فاقدي التعاطف إلى هذه الدرجة؟ لكنني أدركت لاحقا أنه عندما يكون المرء مرتاحا فإن هناك أشياء لا يراها. ونحن علينا أن ننبههم، لكن علينا أن نكون واعين بالكيفية الصحيحة للقيام بذلك. ونحن رأينا الفرق، فإذا تحدثت دائما عن الأمور السيئة ونشرت القصص والروايات المروعة فقط، فإن الناس سينفرون. لذا، يجب القيام بالأمر ولكن بتوازن. • هل تقصدين كي لا يتم انهاء الحوار حتى قبل أن يبدأ؟نعم صحيح. فمثلا، رأينا أخيرا الكثير من ممارسات الظلم التي تحدث في بعض صالونات التجميل العاملة في الكويت، فقررت تسليط الضوء من خلال قنوات التواصل الاجتماعي الخاصة بي على جميع صالونات التجميل الأخرى الإيجابية والجيدة والأخلاقية.كل ما أفعله هو أنني أتحدث فقط إلى موظفات الصالونات التي ذهبت إليها. وإذا شعرت بأنهن يتلقين معاملة جيدة ويعملن 8 ساعات فقط في اليوم، ويحصلن على أجور ساعات العمل الإضافية ويحصلن على يوم عطلة أسبوعيا، فإنني أقوم بنشر ومشاركة قصة ذلك الصالون عبر قنوات التواصل الاجتماعي الخاصة بي، أي أنني لا أتحدث إلى مالكي أي صالون مطلقا. وقد بدأ كثير من متابِعاتي يُظهرن الاهتمام، وبدأن يطرحن مثل هذه الأسئلة عندما يذهبن إلى صالون تجميل أيضا. كما أن صديقاتي بدأن يطلبن مني أن أتحقق من وضعية بعض الصالونات قبل أن يذهبن اليها.• أي أنك أصبحت مستشارة نوعا ما؟نعم، بالضبط. والمقصد من هذا هو أن الناس لا يحبون سماع الأشياء السيئة وعن وجود مشاكل، لكن بطريقتي هذه يعرف الناس أيضا أي (الصالونات) جيدة.• شخصيا، ماذا تعلمت من نشاطك في هذا المجال؟تعلمت أن أحصر اتصالاتي وعلاقاتي قدر المستطاع وأن أحاول ألا أتعلق عاطفيا. لكن مع ذلك، هناك بعض الحالات تلمس وتحرك نياط قلبي. فذات مرة مثلا، كانت هناك خادمة أفريقية متهمة بممارسة السحر لأنها دأبت على التحدث عن رجل معين وقول إنها تسمع كلامه في رأسها طوال الوقت. وفي النهاية وضعت تلك الخادمة في السجن. واستغرق الأمر بعض الوقت حتى انفتحت وتكلمت معي بصراحة. واكتشفت أنه ربما كان ذلك الرجل هو زعيم روحي في مجتمعها الذي كانت تعيش فيه في وطنها. واكتشفت أنها بالتأكيد لم تكن تستحق أن تحبسها الشرطة.• بمناسبة الحديث عن الشرطة، ما مدى تجاوبها وتعاطفها؟نحن على تواصل مع معظم المخافر ونلاحقهم (بالاتصالات) باستمرار. ومثلا، كانت هناك حالة خادمة هندية ظلت محبوسة (في داخل منزل كفيلها) لمدة أربع سنوات ولكنها لم تشتك لأنها كانت تتلقى أجرها (الشهري) بانتظام. لكن عندما لم تتلق أجرها لمدة ثلاثة أشهر، فإنها تمكنت من الهروب وقامت بتقديم شكوى (إلى الشرطة). ولاحقا، أعادها رجال الشرطة إلى كفيلها لأنه «وعد» بدفع أجورها وإعادتها. الواقع أن ذلك كان أمرا سخيفًا وكان علينا التصدي له.• ما نوع المعوقات المحبطة التي واجهتها منذ أن بدأت وحتى الآن؟ وممن؟أتذكر أنه عندما كانت «جمعية العمل الاجتماعي» تناضل من أجل زيادة على الأدنى للأجور، كان هناك بعض النساء يحدثنني أن لديهن أربعة أو خمسة من الخدم، وأن الحد الأدنى الذي أقترحه للأجور كبير جدا. وأولئك النساء هن أعضاء من مجموعة قريناتي، ويحملن حقائب يد تبلغ قيمة الواحدة منها آلاف من الدولارات، ومع ذلك يشتكين من نضالي من أجل زيادة الحد الأدنى لأجور الخدم. وقد دأبت على أن أقول لهم إنه من المفارقة المحرجة حقاً أنكن تستنكرن هذا بينما تحملن مثل تلك الحقائب.• وهل تغيرن؟نعم. كثير منهن تغيرن، لكن في البداية لم يكن للأمر معنى بالنسبة لهن. وأعتقد أن (ممارسات) وكلاء التوظيف أيضًا جعلتهن يتغيرن. فلقد اندهشن عندما أدركن أنهن يدفعن مبالغ كبيرة من أجل الحصول على خادمة منزلية، بينما لا تحصل الخادمة ذاتها على أي شيء. كان جزءا من ذلك التغيير سببه الغضب ضد أولئك الوكلاء، وبالتالي فإنهن تحولن في نهاية المطاف إلى التعاطف مع الخدم. فبالنسبة لبعض وكلاء التوظيف المسألة تتعلق بجني المال فقط، وبالتالي فإن العمال ليسوا سوى سلع.وهناك تغييرات تحدث، لكن ببطء. فمثلا، كان من المؤسف للغاية (في السابق) اتهام خادمة أو خادم بالسرقة، وكانت الشرطة تتعامل مع شكوى الكفيل على عِلّاتها وتحبس الخادم أو الخادمة من دون دليل. أما الآن، فإن كثيرين من رجال الشرطة باتوا يدركون أن معظم هذه الاتهامات تكون مختلقة اختلاقا، ولذلك فإنهم يطلبون من الكفيل تقديم إيصالات السلع التي يزعم أنها سرقت. لكن بعض الكفلاء أذكياء، حيث أصبحوا الآن يقولون إن المسروقات أموال نقدية سائلة.• هل تعتقدين أنك نجحت في تحريك نقاش مجتمعي حول فئة العمالة المستضعفة في الكويت؟ لا نعتقد أن هذه القضية ستكون موضوعا ساخنا على الإطلاق في أي وقت. وهذا الأمر ليس مقتصرا على الكويت أو المنطقة، بل إن وضعه هو ذاته على الصعيد العالمي. والواقع أنه أمر غريب عندما نتناقش مع أجانب ونسمع منهم أفكارا وانطباعات مشابهة. ومع ذلك فهناك بعض التغيير حصل. فهناك من توقفوا عن قول خادمة واستعاضوا عنها بـ«مساعدة منزلية». أو ربما أنهم فقط يقولون أمامنا ما يرضينا.• لو كان الأمر بيدك، فما الشيء الذي ستغيرينه على الفور؟أريد أن يحظى الناس (المستضعفون) بالكرامة وأن أرى الجميع متساوين، وأريد أن يحصلوا على يوم عطلة حتى يستمتعوا بالحياة، وأن يحصلوا على أجورهم الموعودة والمنصفة.• وما التغيير الذي تودين رؤيته على المدى الطويل؟أنا أحب بلدي كثيرا، والأمر لا يتعلق بي أنا ولا بجمعية العمل الاجتماعي، بل بالكويت. والسبب الذي يجعلني أفعل ما أفعله هو أنني أحب بلدي كثيراً وأنا كمواطنة مرتاحة جداً هنا، لكن يزعجني أن هناك آخرين (وافدين) ليسوا كذلك. ما ينبغي أن يكون هو أن يأتوا ويعملوا ثم يعودوا إلى أوطانهم ومعهم قصص نجاح رائعة. اعتدنا في الماضي أن نسمع الكثير عن قصص النجاح تلك، حيث كان هناك أناس عاديون يأتون ويعملون في الكويت ويبنون أحلامهم. لكن تلك القصص لم يعد لها وجود، بل إن هناك أناسا باتوا يغادرون محملين بقصص رعب. وأنا أريد لذلك الوضع ان يتغير. أريدهم أن يغادروا وهم يقولون إنهم استمتعوا بأروع تجربة من خلال العيش والعمل هنا.