جاءت فكرة كتابة مقال «فكر بغيرك» من قصيدة جميلة فلسفية رائعة سمعتها من الشاعر الفلسطيني محمود درويش، وكأن الشاعر يقول يا إنسان يا من تعيش على هذه الأرض أنت لست وحدك، فهناك أناس آخرون يعيشون معك فلا تكن أنانياً، هناك حيوانات ضعيفة تحتاج منك رعاية واهتماما.  وأنا أحاول الهروب من الواقع المؤسف وما يجري في العالم العربي من قتل وتهجير وقوارب الموت للذين يهربون من واقع الحياة لتبلعهم مياه البحر، وضجيج الإعلام بكثرة الحديث عن الوافدين، من هذا الواقع أهرب إلى المكتبة لكي أقرأ كتب محمود شاكر والرافعي والغزالي والمنفلوطي، وأسمع قصائد السياب والجواهري والمتنبي ودرويش، لعلي أَجِد فيها سلوى من الواقع. يقول الشاعر محمود درويش:وأنتَ تُعِدُّ فطورك، فكِّر بغيركَ لا تَنْسَ قوتَ الحمام وأنتَ تخوضُ حروبكَ، فكِّر بغيركَ لا تنس مَنْ يطلبون السلام وأنتَ تسدد فاتورةَ الماء، فكِّر بغيركَ مَنْ يرضَعُون الغمامٍ وأنتَ تعودُ إلى البيت، بيتكَ، فكِّر بغيركَ لا تنس شعب الخيامْ وأنت تنام وتُحصي الكواكبَ، فكِّر بغيركَ ثمّةَ مَنْ لم يجد حيّزاً للمنام هذه بعض أبيات القصيدة الرائعة، إنها تعد لوحة فنية أبدع الرسام برسمها، يطلب منا أن نترك الجشع والطمع وحب الذات الزائفة والعيش بوهم ونعيش حياة سوية، يجب أن نستيقظ ونعيش حياة طبيعية من دون تصنع أو تكلف. فكر بغيرك... ممن يهربون من البراميل المتفجرة وهم يشقون عباب البحر في قوارب متهالكة بحثاً عن شواطئ الحياة، والنتيجة موت العشرات، وبعدها يمر الخبر مرور الكرام في نشرات الأخبار كأن النفس الإنسانية أصبحت بلا قيمة، وغالبية الهاربين في قوارب الموت، دفعهم الى ذلك، الفقر والقتل على الهوية والحروب الطائفية الطاحنة التي تعيشها المنطقة العربية، وما الذي يحدث في العالم العربي بالضبط؟ هل نحن جزء من هذا العالم المتحضر، أم أننا أصبحنا عالة على المجتمعات المتحضرة المتقدمة لدرجة أن الذين يهاجرون إلى أوروبا لا يستطيعون الاندماج في مجتمعاتها التي توافر لهم كل شيء تقريباً؟ لماذا نبحث دائماً في كتب التاريخ القديمة صفراء اللون، عن ذريعة حتى نبرر المجازر بحق الأبرياء العزل، ونتفاخر بالدم والقتل وتوابيت الحياة؟ فكر بغيرك... من الوافدين لا يعرفون بلداً ووطناً غير الكويت، وبعضهم أتى إلى هذه الأرض الطيبة قبل الطفرة الاقتصادية وأصبح لديهم أولاد وأحفاد وأجيال تعيش على هذه الأرض الحبيبة، وبعضهم تزوج واختلط بالعوائل الكويتية، وأنت تنظر إليهم بعنصرية في وسائل الإعلام والتصريحات وعبر المواقف غير المدروسة، بل يجب التعامل مع قضية الوافدين بكل إنصاف وحيادية وموضوعية بعيداً عن ضجيج الإعلام، و«وهل جزاء الإحسان إلا الإحسان»، وعامل الناس بما تحب أن يعاملوك. في المقابل، تسعى دول العالم المتقدمة إلى ارضاء المقيمين وذلك بتوفير الراحة النفسية والاستقرار الامني والامن والامان لهم بتقديم الخدمات لهم حتى يتمكنوا من تقديم خدمات أفضل للبلد الذي يعملون فيه، بل كبريات الشركات العالمية غالبية الرؤساء التنفيذيين فيها، وافدين من دول شرق آسيا. فكر بغيرك... ولا تربي أبناؤك على الحقد والحسد، وإنما على التسامح وقبول الآخرين، إنها ثقافة مهمة للتعايش بين الناس داخل المجتمع الواحد والقواسم المشتركة أكثر بكثير من التقاطعات والاختلافات، والتسامح المنشود والمطلوب هو التغيير والتأثير بالقناعات للوصول إلى أرضية مشتركة. akandary@gmail.com