عاجلاً أم آجلاً، ستصل التحقيقات التي يقوم بها المحقّق الخاص روبرت مولر إلى إدانة قادة الحملة الانتخابية لدونالد ترامب بتهمة التورّط في اتصالات مع موسكو لدعمه في الوصول إلى الرئاسة، وهذا ما سيدفع الرئيس الأميركي إلى الاستقالة بدلاً من انتظار قرار عزله في داخل الكونغرس. تماماً كما حدث مع الرئيس ريتشارد نيكسون خلال حملته الانتخابية في 1972 في شأن فضيحة «ووترغيت»، حينما استمرّت التحقيقات لأكثر من عامين اضطرّ بعدها نيكسون للاستقالة من منصبه في صيف 1974. ويبدو أنّ مولر يتبع أسلوب المراحل في إعلان نتائج التحقيقات، بحيث تتولّد القناعات السياسية أولاً بالمحصّلة النهائية لها قبل إخراجها كاملةً للعلن، وبحيث يُصبح السؤال بعد توفّر الإدانة لقادة في حملة ترامب: متى وماذا كان الرئيس يعلم عن الاتصالات الروسية مع حملته الانتخابية؟ وهو أمرٌ مشابه لما حدث أيضاً مع نيكسون قبل استقالته.لائحة الاتّهام التي أعلنتها وزارة العدل ضدّ 13 مواطناً روسياً لم تكن محطّة نهائية لرحلة التحقيقات، بل كانت قوّة دفع مهمّة لمواصلة التحقيق الذي بدأ يصل إلى دائرة العائلة الخاصّة بترامب، كما أُذيع عن تحقيق يتمّ مع جاريد كوشنر، زوج ابنة ترامب، حول مسائل استثمارية لمصلحة شركاته مع دول أخرى، بعد فوز ترامب بالرئاسة، وهو ما يُحاسب عليه القانون بسبب استغلال الموقع السياسي لمصالح خاصّة. ويبدو أيضاً، أنّ مولر يدين بعض الأشخاص في قضايا قانونية خاصّة لا علاقة لها بالتدخّل الروسي في الانتخابات، من أجل المساومة معهم على إعطاء معلومات تتعلّق بمهمّته الأساسية وهي الاتصالات السرّية مع موسكو. وهذا ما حدث مثلاً مع المدير السابق لحملة ترامب، بول مانافورت وشريكه ريتشارد غيتس، اللذين جرى اتّهامهما بتبييض الأموال وعدم كشف حسابات مودعة في الخارج، إضافةً إلى ما جرى مع مايكل فلين الذي أُجبر على الاستقالة من منصب مستشار ترامب للأمن القومي بتهمة الكذب على مكتب التحقيقات الفيديرالي، ومع جورج بابادوبولوس الذي كان مسؤولاً عن السياسة الخارجية في حملة ترامب الانتخابية. ولم يسلم أيضاً الابن البكر لترامب من التحقيقات حول اجتماعات جرت قبل انتخابات نوفمبر 2016، في برج ترامب، مع محامية روسية تعهّدت بتوفير معلومات تساعد على نجاح ترامب، ثمً ما كشفه ستيف بانون بعد إقالته عن هذه الاجتماعات. إنّ ما يحافظ على استمرار ترامب في «البيت الأبيض» حتّى الآن هو اعتماده على قوى فاعلة جداً. فهو يعتمد أولاً على قاعدته الشعبية التي هي مزيج من الأنجيليين المحافظين (ومنهم نائبه مايك بنس) والجماعات العنصرية الحاقدة على الأفارقة واللاتينيين والمسلمين. ويعتمد أيضاً على دعم المؤسّسة العسكرية (البنتاغون) حيث أشرك في إدارته رموزاً مهمّة منها وزاد في ميزانيتها مبالغ ضخمة حتّى وصلت إلى نحو 700 مليار دولار. أيضاً، يعتمد على دعم قوّتين ضاغطتين في الحياة السياسية وفي الكونغرس، وهما «لوبي الأسلحة» و«اللوبي الإسرائيلي»، إضافةً إلى عددٍ كبيرٍ من الشركات والمصانع الكبرى التي تستفيد من برامج وسياسات ترامب الداخلية والخارجية. فالتحوّل الذي حدث بعد سقوط المعسكر الشيوعي، أنّ المجتمع الأميركي بدأ يشهد فرزاً بين من كانوا يستفيدون من «الحرب الباردة» ومن «الحروب الساخنة» المتفرّعة عنها في بقاع العالم، وبين مجموعات أخرى في أميركا وجدت مصلحةً في إشاعة مناخ «العولمة» ومحاولة تثبيت الريادة الأميركية للعالم عبر التحكّم بالتجارة العالمية وأسواق المال وصناعة التكنولوجيا وفق نظرية العالم هو «قرية صغيرة واحدة»!هذا المعسكر «المالي/التجاري/التقني»، الذي يمكن تسميته اختصاراً بمعسكر «السلام»، وجد في الحزب الديموقراطي مظلّةً لمفاهيمه وأجندته بعدما كان معسكر «صناعة الحروب» قد انخرط مع الحزب الجمهوري، في حقبة رونالد ريغان وما تلاها من عهد جورج بوش الأب، وهي حقبة شهدت طيلة 12 عاماً تصعيداً شاملاً في الصراع مع الاتحاد السوفياتي وحروباً ساخنة امتدّت من أفغانستان إلى إيران والعراق ومنطقة الخليج، إلى الغزو الإسرائيلي للبنان، ثمّ إلى حرب الخليج الثانية وتداعياتها الإقليمية، وهي حروب أثمرت كلّها نموّاً هائلاً في صناعة وتصدير الأسلحة وأدّت إلى التحكّم بالثروة النفطية وتوظيف ارتجاج أسعارها صعوداً وهبوطاً وتجارة.ثمّ نجح «معسكر السلام» بإيصال بيل كلينتون للرئاسة في 1992، فكانت حقبة التسعينات هي حقبة «العولمة» وانتعاش الاقتصاد الأميركي والتجارة العالمية، بينما انخفضت في هذه الفترة ميزانية البنتاغون وعوائد شركات الأسلحة والنفط والصناعات الحربية.وكما كانت فترة حكم الديموقراطيين أيام جيمي كارتر (1976 - 1980) متميّزة بسعيها لتحقيق تسويات سياسية لأزمات دولية، ولمصالح ورؤى أميركية طبعاً، كذلك كانت حقبة كلينتون (1992 - 2000)، وسمة فترة حكم أوباما (2008 - 2016)، بينما طغت الحروب على سمات حكم الحزب الجمهوري في الثمانينات وفي فترتيْ حكم بوش الأب ثمّ بوش الابن. لذلك، كان فوز ترامب مهمّاً في إطار الصراع بين «المعسكرين»، حيث يستفيد «معسكر الحروب» الذي يدعم الحزب الجمهوري من السياسات التي عليها ترامب والحزب معاً. إنّها الآن فترة سياسية مهمّة جدّاً في حاضر أميركا ومستقبلها، والتغيير الحقيقي لن يحدث فيها بعزل ترامب أو استقالته، فنائبه ليس أفضل حالاً منه، بل استحقاق التغيير ستكون مؤشّراته في الانتخابات «النصفية» في نوفمبر المقبل، وفي دور الجيل الجديد الذي لعب دوراً مهمّاً في انتخابات 2008، فأوصل أميركياً أفريقياً ابن مهاجر مسلم إلى البيت الأبيض، لكن التغيير في المجتمع لم يتحقّق بعد!. * مدير «مركز الحوار العربي» في واشنطنSobhi@alhewar.com
مقالات
ترامب متّهم... ولن تثبت براءته!
09:44 ص