رغم سعي الجميع خلفها وحرصهم على وصول بغيته فيها إلا أن مفهوم السعادة متفاوت بين البشر، يختلف باختلاف نظرتهم لماهيتها، إنها ذلك الشعور الذي يبث الراحة والسكينة، والطمأنينة في النفس والانشراح في الصدر ما يعطينا الإحساس بسعة الحياة وجمالها؛ فقد نراها في الحب أو المال أو الصحة أو السفر أو في طلب العلم، لكن يظل للبشر طرقهم المختلفة للاستمتاع باللحظة وكل إنسان لديه منظور مختلف عن السعادة.تلك الإشكالية حول ماهية السعادة وكيفية تحصيلها شغلت عددا كبيرا ممن حاولوا وضع تعريف لها ؛ فأفلاطون رآها تتمثل في فضائل النفس من حكمة وشجاعة وعفة وعدالة، أما أرسطو فاعتبر السعادة هبة من الله، وصنفها في خمسة أبعاد هي: صحة البدن وسلامة الحواس، وسلامة العقل وصحة الاعتقاد، والحصول على الثروة وحسن استثمارها، والنجاح في العمل وتحقيق الأهداف والطموحات، والسمعة الطيبة بين الناس، ونتيجة لهذه التداخلات والرؤى المختلفة والتعريفات المتنوعة للسعادة يبقى المرء حائرًا في ظل بحثه الدؤوب عن كيفية الحصول على السعادة.إن السعادة هي وصول الفرد إلى حالة من التوازن بين ما يتطلبه الجسد وتأمله الروح، وبينه وبين متطلبات المجتمع الذي يعيش به، ومن العوامل التي تساعد الفرد للوصول إلى السعادة: الرضا العام عن الحياة، وإشباع الرغبات، والتمكُّن من تحقيق الأهداف المرجو تحقيقها، والوصول إلى الطموحات التي يسعى إليها، بالإضافة إلى القدرة على توظيف القدرات والاستعدادات للوصول إلى مرحلة الرضا عن النفس وعن الآخرين، ولن يتأتى له ذلك إلا بوضع الأهداف الواقعية القابلة للتحقيق، وشغل الأوقات بالأعمال المفيدة والنشاطات المنتجة، والقدرة على التغاضي عن المثيرات السلبية ومسببات التعاسة، والثقة بالنفس وتقدير الذات، والاهتمام بالجانب الترفيهي الذي يُدخِل البهجة والسرور على النفس، وإقامة العلاقات الاجتماعية الناجحة.ولا نستطيع أن نحصر السعادة في مسببات بعينها، وإلا لأفقدناها حيويتها، فالواقع وتجارب الحياة تثبت أن السعادة المطلقة تكمن داخل الإنسان، متمثلة في تمسكه بالحياة، إنها طاقة الحياة التي تدفعه للدفاع عن وجوده بكل قواه، والبحث عن وسائل للخلود، وربما امتلك الإنسان مسببات سعادته بين يديه، لكنه لقصور رؤيته لا يستشعرها، لذا فهو دائم البحث عنها خارج نطاقها، فإذا ضاعت من بين يديه تحسر وانتحر بالندم.يقول تولستوي: اننا نبحث عن السعادة غالباً وهي قريبة منّا، كما نبحث في كثير من الأحيان عن النظارة وهي فوق عيوننا.ويقول الغزالي: إنكم سعداء ولكن لا تدرون، سعداء إن عرفتم قدر النعم التي تستمتعون بها، سعداء إن عرفتم نفوسكم وانتفعتم بالمخزون من قواها، سعداء إن طلبتم السعادة من أنفسكم لا مما حولكم. ماذا لو أيقنا أن سعادتنا من صنع أفكارنا، وأنها تنبع من داخلنا؟ ماذا لو بحثنا بين أيدينا عن مسببات سعادتنا الحقيقية الكامنة في أرواحنا؟ بالتأكيد سننعم بالحياة.hanaank64@yahoo.com