«باختصار يا صاحب السمو، اذا لم يتغير النظام السياسي في اتجاه سيادة مؤسسات أكبر من الأفراد، فالأفراد سيأكلون المؤسسات... والنظام».
هكذا ختمت افتتاحيتي السابقة ليوم الجمعة الماضي التي قلت فيها بالحرف: «اليوم جنسيات وبورصة ومصاريف وديوانيات وزيادات، وغدا ستجد الازمة عناوين اخرى وادوات اخرى واهدافا اخرى. مشكلة تلد مشكلة وانهيار يعقبه انهيار والسبب بكل بساطة ان جهاز المناعة يضعف امام المرض وان الفيروسات مهما كانت ضعيفة تنتشر بقوة وتستوطن»... و«غدا» كان اسم الازمة السيد الفالي وكانت هويتها غير اسمها فهي بدأت بقيد امني وانتهت بقيود طائفية وسياسية واجتماعية تزيد من تكبيلنا جميعا ونحن على ابواب تحديات كبيرة.
ازمة؟ صحيح. عشناها امس ونعيشها اليوم وسنعيشها غدا، ولصاحب السمو صلاحيات ولديه الرؤية والبصيرة. صار واضحا ان في البلد نهجين مختلفين اختلاف الشعارات والتمنيات عن الممارسة والتطبيق... وهذا الاختلاف يجد التعبير عنه من خلال الافراد.
افراد يأكلون المؤسسات، وافراد يأكلون البرامج، وافراد يأكلون المشاريع، وافراد يأكلون الخطط والاستراتيجيات، وافراد يأكلون التنمية، وافراد يأكلون الافراد وقد يأكلون انفسهم... والسلسلة لن تنتهي لان جهاز المناعة تراجع والنظام السياسي ضعف.
حل المجلس من صلاحيات صاحب السمو لكن المشكلة لم تنته ولن تنتهي وستتكرر غدا وبعد غد بعناوين جديدة ومضامين مختلفة. بداية التغيير في النظام السياسي هي الخطوة المطلوبة، واستعادة الاجهزة لمناعتها هي المدخل، وتقدم المؤسسات بأسلحة متطورة قوامها القوانين والمشاريع والبرامج وخطط التنمية هو البوصلة التي تحمي من الضياع، وخضوع الافراد للمؤسسات لا اخضاع المؤسسات للافراد هو الطريق الصحيح لتبريد التشنجات وتخفيف الازمات.
كلام نظري لا نعتقد ان اثنين يختلفان عليه. اما الآلية العملية لاعادة المناعة للنظام والمؤسسات فتبدأ باعتصام اسرة الحكم بكلمة واحدة في ما يتعلق بالامور المصيرية والتزامها نهجا واحدا في مقاربة الازمات الكبيرة وتضاؤل شهوة السلطة لدى افرادها، أو لنكن واقعيين نقول تقنين هذه الشهوة ووضعها على المسار المشروع للارتقاء بالمسؤوليات والمهمات.
الدستور هو الدليل الذي اراد منه المشرع ان يضبط تنظيم الحياة السياسية على ايقاعه، لكن الدليل او «الكشاف» لا يعفي من استخدام العقل ومقاربة الامور بموضوعيتها وحقيقتها. فالحكم لاسرة الصباح والحكم يجب ان يكون القدوة والمثال وقدره ان يتحمل مسؤوليات مضاعفة ويلتزم درجات انضباط مضاعفة، وها هي الكويت كلها تدفع ثمن خروج افراد من الاسرة على ثوابتها التاريخية، من خلال بلورة مشاريع خاصة تحشد لها ما امكن من موالين في الحكومة والمجلس ومجاميع اجتماعية وشعبية تخوض بها، ومن خلالها، معارك إزاحة فلان وإطاحة فلان وإبعاد فلان واستبعاد فلان وإضعاف فلان... وهذا النوع من المعارك يجرف معه في كل مرة جزءا من بناء النظام فيضعف المؤسسات ويخلخل الحياة السياسية ويفقد الكثيرين الثقة بالمستقبل.
هذا الكلام بالطبع لا يعفي الآخرين من المسؤولية سواء تطابقت اجنداتهم مع اجندات ابناء الاسرة او مع مصالحهم القبلية والطائفية والانتخابية. لكن صراع مشاريع ابناء الاسرة يسهل لهم مهمتهم ويجذب اكثر اصواتهم العالية ويوصلهم الى مرحلة الهجوم السياسي الانتحاري الذي لا هدف له إلا التسبب بأكبر قدر من الانقاض يعتقد بعدها «الموجهون» أن في استطاعتهم إعادة البناء وفق تصاميمهم الخاصة.
مسؤولون في الأسرة يعترفون في مجالس خاصة وعامة أن أقارب لهم يعملون مع خصوم لهم، ومسار الحملات والازمات يظهر العلاقة الواضحة بين رمزها الظاهر ورمزها المحرض. ومن الطبيعي ان ينفي الظاهر والمحرض وجود علاقة ويسألان عن الدليل، ومن الطبيعي ان يبرر الظاهر حملته بأنه يهدف الى الإصلاح في إطار حقه الدستوري... إنما من غير الطبيعي ان يستمر الاستخفاف اكثر بعقول الكويتيين، اللهم إلا إذا كان يراد لنا ان نصدق ان كل الأزمة القائمة اليوم سببها دخول شخص عليه قيد امني ثم ترحيله، او ان سمو رئيس الوزراء الاصلاحي الشيخ ناصر المحمد يجب ان يدفع ثمن تزايد الدروس الخصوصية للطلاب او ازدحام المراجعين في العيادات او زحمة السير في الطرقات، كما ورد في صحيفة الاستجواب.
نريد حلا، ونحن نرى ان الحل يجب ان يبدأ بالقدوة، اي بالاسرة، وهذه صلاحيات مطلقة لصاحب السمو لا يجوز التدخل بها وهو اعلم الناس واخبرهم بالشؤون والشجون... يكفي ان نعطي مثالا عن وزير من الاسرة بنى المستجوبون اساس استجوابهم على كلمة منه مفادها ان اوامر عليا صدرت اليه بإدخال الفالي الى البلاد. وزير من الاسرة «يفتن» على رئيسه من دون ان يصدر توضيحا واحدا ينفي فيه ما نقله عنه المستجوبون. نسوق ذلك مع علمنا التام ان قضية الفالي ليست السبب في الازمة الحالية انما كمثال على معايير اختيار الوزراء.
ونريد حلا،لا يرتكز على المسكنات الظرفية ولا على الحلول الانفعالية لأن النتيجة في الحالين واحدة وان اختلف التوقيت. تجاوز الازمة من دون اسس وركائز وضمانات يعني انتشار الالم في الجسد ووصوله الى مرحلة لا تنفع معها الا الجراحة، واجراء جراحة في غرفة عمليات غير دستورية قد يوصلنا الى حالة من الاعياء نترحم فيها على «الفوضى المنظمة» القائمة اليوم... فالخلاف بين السلطات، وفي اسوأ معانيه، افضل من الخلاف بين السلطة والناس.
ونريد حلا هادئا، لكنه حل يفتح الباب امام مرحلة تأسيسية جديدة تسمح بمقاربة كل الامور من دون رفع اسوار ونصب حواجز. كيف نتلافى الازمات مستقبلا؟ كيف نحقق مبدأ فصل السلطات؟ كيف نوجه الطاقات نحو التنمية؟ كيف نجعل من الكويت مركزا ماليا واقتصاديا للمنطقة؟ كيف نغلب مصالح الكويتيين على الازمات السياسية؟ والاهم من ذلك كله كيف نطور نظامنا السياسي في اتجاه استقرار اكبر وحريات اكبر وانجازات اكبر؟
نريد حلا... والحل يبدأ من صاحب العقد والحل.
جاسم بودي
هكذا ختمت افتتاحيتي السابقة ليوم الجمعة الماضي التي قلت فيها بالحرف: «اليوم جنسيات وبورصة ومصاريف وديوانيات وزيادات، وغدا ستجد الازمة عناوين اخرى وادوات اخرى واهدافا اخرى. مشكلة تلد مشكلة وانهيار يعقبه انهيار والسبب بكل بساطة ان جهاز المناعة يضعف امام المرض وان الفيروسات مهما كانت ضعيفة تنتشر بقوة وتستوطن»... و«غدا» كان اسم الازمة السيد الفالي وكانت هويتها غير اسمها فهي بدأت بقيد امني وانتهت بقيود طائفية وسياسية واجتماعية تزيد من تكبيلنا جميعا ونحن على ابواب تحديات كبيرة.
ازمة؟ صحيح. عشناها امس ونعيشها اليوم وسنعيشها غدا، ولصاحب السمو صلاحيات ولديه الرؤية والبصيرة. صار واضحا ان في البلد نهجين مختلفين اختلاف الشعارات والتمنيات عن الممارسة والتطبيق... وهذا الاختلاف يجد التعبير عنه من خلال الافراد.
افراد يأكلون المؤسسات، وافراد يأكلون البرامج، وافراد يأكلون المشاريع، وافراد يأكلون الخطط والاستراتيجيات، وافراد يأكلون التنمية، وافراد يأكلون الافراد وقد يأكلون انفسهم... والسلسلة لن تنتهي لان جهاز المناعة تراجع والنظام السياسي ضعف.
حل المجلس من صلاحيات صاحب السمو لكن المشكلة لم تنته ولن تنتهي وستتكرر غدا وبعد غد بعناوين جديدة ومضامين مختلفة. بداية التغيير في النظام السياسي هي الخطوة المطلوبة، واستعادة الاجهزة لمناعتها هي المدخل، وتقدم المؤسسات بأسلحة متطورة قوامها القوانين والمشاريع والبرامج وخطط التنمية هو البوصلة التي تحمي من الضياع، وخضوع الافراد للمؤسسات لا اخضاع المؤسسات للافراد هو الطريق الصحيح لتبريد التشنجات وتخفيف الازمات.
كلام نظري لا نعتقد ان اثنين يختلفان عليه. اما الآلية العملية لاعادة المناعة للنظام والمؤسسات فتبدأ باعتصام اسرة الحكم بكلمة واحدة في ما يتعلق بالامور المصيرية والتزامها نهجا واحدا في مقاربة الازمات الكبيرة وتضاؤل شهوة السلطة لدى افرادها، أو لنكن واقعيين نقول تقنين هذه الشهوة ووضعها على المسار المشروع للارتقاء بالمسؤوليات والمهمات.
الدستور هو الدليل الذي اراد منه المشرع ان يضبط تنظيم الحياة السياسية على ايقاعه، لكن الدليل او «الكشاف» لا يعفي من استخدام العقل ومقاربة الامور بموضوعيتها وحقيقتها. فالحكم لاسرة الصباح والحكم يجب ان يكون القدوة والمثال وقدره ان يتحمل مسؤوليات مضاعفة ويلتزم درجات انضباط مضاعفة، وها هي الكويت كلها تدفع ثمن خروج افراد من الاسرة على ثوابتها التاريخية، من خلال بلورة مشاريع خاصة تحشد لها ما امكن من موالين في الحكومة والمجلس ومجاميع اجتماعية وشعبية تخوض بها، ومن خلالها، معارك إزاحة فلان وإطاحة فلان وإبعاد فلان واستبعاد فلان وإضعاف فلان... وهذا النوع من المعارك يجرف معه في كل مرة جزءا من بناء النظام فيضعف المؤسسات ويخلخل الحياة السياسية ويفقد الكثيرين الثقة بالمستقبل.
هذا الكلام بالطبع لا يعفي الآخرين من المسؤولية سواء تطابقت اجنداتهم مع اجندات ابناء الاسرة او مع مصالحهم القبلية والطائفية والانتخابية. لكن صراع مشاريع ابناء الاسرة يسهل لهم مهمتهم ويجذب اكثر اصواتهم العالية ويوصلهم الى مرحلة الهجوم السياسي الانتحاري الذي لا هدف له إلا التسبب بأكبر قدر من الانقاض يعتقد بعدها «الموجهون» أن في استطاعتهم إعادة البناء وفق تصاميمهم الخاصة.
مسؤولون في الأسرة يعترفون في مجالس خاصة وعامة أن أقارب لهم يعملون مع خصوم لهم، ومسار الحملات والازمات يظهر العلاقة الواضحة بين رمزها الظاهر ورمزها المحرض. ومن الطبيعي ان ينفي الظاهر والمحرض وجود علاقة ويسألان عن الدليل، ومن الطبيعي ان يبرر الظاهر حملته بأنه يهدف الى الإصلاح في إطار حقه الدستوري... إنما من غير الطبيعي ان يستمر الاستخفاف اكثر بعقول الكويتيين، اللهم إلا إذا كان يراد لنا ان نصدق ان كل الأزمة القائمة اليوم سببها دخول شخص عليه قيد امني ثم ترحيله، او ان سمو رئيس الوزراء الاصلاحي الشيخ ناصر المحمد يجب ان يدفع ثمن تزايد الدروس الخصوصية للطلاب او ازدحام المراجعين في العيادات او زحمة السير في الطرقات، كما ورد في صحيفة الاستجواب.
نريد حلا، ونحن نرى ان الحل يجب ان يبدأ بالقدوة، اي بالاسرة، وهذه صلاحيات مطلقة لصاحب السمو لا يجوز التدخل بها وهو اعلم الناس واخبرهم بالشؤون والشجون... يكفي ان نعطي مثالا عن وزير من الاسرة بنى المستجوبون اساس استجوابهم على كلمة منه مفادها ان اوامر عليا صدرت اليه بإدخال الفالي الى البلاد. وزير من الاسرة «يفتن» على رئيسه من دون ان يصدر توضيحا واحدا ينفي فيه ما نقله عنه المستجوبون. نسوق ذلك مع علمنا التام ان قضية الفالي ليست السبب في الازمة الحالية انما كمثال على معايير اختيار الوزراء.
ونريد حلا،لا يرتكز على المسكنات الظرفية ولا على الحلول الانفعالية لأن النتيجة في الحالين واحدة وان اختلف التوقيت. تجاوز الازمة من دون اسس وركائز وضمانات يعني انتشار الالم في الجسد ووصوله الى مرحلة لا تنفع معها الا الجراحة، واجراء جراحة في غرفة عمليات غير دستورية قد يوصلنا الى حالة من الاعياء نترحم فيها على «الفوضى المنظمة» القائمة اليوم... فالخلاف بين السلطات، وفي اسوأ معانيه، افضل من الخلاف بين السلطة والناس.
ونريد حلا هادئا، لكنه حل يفتح الباب امام مرحلة تأسيسية جديدة تسمح بمقاربة كل الامور من دون رفع اسوار ونصب حواجز. كيف نتلافى الازمات مستقبلا؟ كيف نحقق مبدأ فصل السلطات؟ كيف نوجه الطاقات نحو التنمية؟ كيف نجعل من الكويت مركزا ماليا واقتصاديا للمنطقة؟ كيف نغلب مصالح الكويتيين على الازمات السياسية؟ والاهم من ذلك كله كيف نطور نظامنا السياسي في اتجاه استقرار اكبر وحريات اكبر وانجازات اكبر؟
نريد حلا... والحل يبدأ من صاحب العقد والحل.
جاسم بودي