سوائل أجسامنا هي بمثابة «أنهار» فعلية تسري في سائر أرجاء البدن لتمنحه نبض الحياة والحيوية والصحة والعافية، بل وينطبق عليها كل ما ينطبق على الأنهار الجغرافية التي تسري في أرجاء الأرض.فعلى غرار الأنهار الجغرافية، يمكننا القول إن أنهار سوائل أجسامنا لها منابع ومصبّات، وفيها تيارات تجري بسرعات متفاوتة، وفيها تسبح كائنات حية. بل ومثلما أن الأنهار الجغرافية قد تُصاب بالتلوث لأي أسباب بيئية، فإن أنهار سوائل أجسامنا معرضة أيضا للتلوث بالميكروبات أو السموم أو غير ذلك من مسببات الأمراض.لكن ما يسري في أنهار أجسامنا ليست مياها خالصة، بل هي مياه متنوعة وبها أخلاط، إذ يحمل كل نوع منها عوالق بيولوجية ومكونات تمنحه خصائصه الحيوية الضرورية لقيامه بوظائفه الكثيرة والمتنوعة في سياق منظومة البدن ككل، وهي الوظائف التي يجمع بينها قاسم مشترك واحد ألا وهو: المحافظة على استمرارية إبحار سفينة حياة البدن.من منطلق تلك الأهمية الفائقة لسوائل أجسامنا، نسلط ضوءا تعريفيا في هذه السلسلة المؤلفة من 3 حلقات متتالية أسبوعيا على سوائل الجسم الرئيسية، وتحديدا: الدم، وماء الذكر (المنيّ) وماء الأنثى اللذان يمكننا أن نطلق عليهما معا إسما جامعا هو «ماء التناسل»)، والسائل الأمينوسي، وحليب ثدي الأم، والسائل الدماغي الشوكي، والعصارات الهضمية، واللعاب، والعرق، والبول.وهذه الحلقة الأولى تسلط الضوء على الدم الذي يعتبر شريان الحياة، وماء الذكر (المنيّ) وماء الأنثى اللذين يعتبران نقطة المبتدأ في رحلة حياة أي إنسان:

أولا: الدم

بشكل أساسي، يتألف دمك من خلايا دم حمراء وخلايا دم بيضاء وبلازما وصفائح دموية. والدم لا غنى لحياتك عنه، وذلك لأسباب عدة من أهمها وظائفه التي يقوم بها في نقل المغذيات والأكسجين والفيتامينات والنفايات والهورمونات وغيرها إلى جميع أنسجة وخلايا جسمك.و في حين تبلغ درجة حرارة الدم الطبيعية 37 درجة مئوية، فإنه يشكل ما نسبته 8 في المئة من إجمالي كتلة الجسم. فإذا كانت كتلة شخص ما 60 كيلوغرام مثلاً، فإن نحو 4.8 كيلوغرام منها يكون دما (أي 5 لترات تقريبا).مكونات الدميتألف دمك من مكونات اساسية عدة، نذكر من بينها ما يلي:• البلازما: هي مادة سائلة شفافة يميل لونها في حد ذاتها إلى الاصفرار، ولها دور مهم في نقل الماء والأملاح والعناصر المغذية كالسكريات والفيتامينات وغيرها. وتشكل البلازما ما نسبته 50 إلى 54 في المئة من دمك.• خلايا الدم الحمراء: هي خلايا قُرصية الشكل، ووظيفتها هي نقل الغازات، ومقعرة الوجهين كي تزيد من مساحة تبادل الغازات. وتمتاز هذه الخلايا بغشاء خلوي مرن يسمح لها بالمرور من خلال أضيق الشعيرات الدموية.وبشكل أساسي، تنشا خلايا الدم الحمراء من النخاع الأحمر في العظام الكبيرة، وتتجدد كل 120 يوما وفي نهاية عمرها الافتراضي تذهب لتتكسر في الكبد والطحال وتذهب إلى العصارة الصفراوية لتشارك في محتوياتها. ولون هذه الخلايا أحمر بسبب وجود صبغة الهيموغلوبين فيه، وهي المادة التي تتألف من بروتين وحديد. و تقريبا، يبلغ إجمالي عدد خلايا الدم الحمراء لدى الرجل البالغ من 4 إلى 5 ملايين وفي المرأة من 4 إلى 4.5 مليون خلية في المليمتر المكعب.وتقتصر مهمة هذه الخلايا على حمل غاز الأكسجين من الرئتين واستبدال غاز ثاني أكسيد الكربون به. وعملية بناء كريات الدم الحمراء تتحكم فيها الكُليتان عن طريق هورمون يدعى «إريتروبويتين»، وهو الهورمون الذي يعتمد إفرازه على الضغط الجزئي للأكسجين في الدم.• خلايا الدم البيضاء: هي الخلايا التي توفر الحماية لجسمك من الأمراض، وعددها أقل من خلايا الدم الحمراء إذ إنه بين كل 700 كُرية دم حمراء نجد كُرية دم بيضاء واحدة. وهذه الخلايا متفاوتة الأحجام والأشكال، كما أنها أكبر حجما من نظيراتها خلايا الدم الحمراء. يتراوح عددها بين 5000 و10000 خلية في المليمتر المكعب. وتعتبر هذه الكريات الدفاعية واحدة من أهم وسائل الدفاع عن الأنتيجينات (مولدات الضد أو المستضدات) في جسمك، ويزداد عددها عند الاصابة بالأمراض.وتوجد 5 أنواع من خلايا الدم البيضاء، ألا وهي: الحمضية، والقاعدية، والمتعادلة، والليمفية، والوحيدة. ويعتمد تقسيمها هذا على عاملين ألا وهما: مظهر السايتوبلازم وشكل نواة الخلية.• الصفائح الدموية: هي أجسام سايتوبلازمية توجد في الدم وتتكسر عند تعرّضها للهواء، وذلك كي يتجلط الدم ولا يستمر النزيف متسببا في ضرر قد يصل إلى الموت.ليس للصفائح الدموية شكل محدد، وهي تنزلق انزلاقا طبيعا في مجرى الدم طالما أن سرعة الدم ثابتة. ولدى الشخص الطبيعى، توجد الصفائح الدموية بنسبة ربع مليون لكل مليمتر مكعب، ودورها الأساسي هو تحويل المادة البروتينية السائلة الموجودة في الدم – ألا وهي الـ«فيبيرونجين» - إلى مادة صلبة تسمى الـ«فيبيرين» التي هي عبارة عن خيوط متصلبة تتجمع حول السطح الجلدى لتمنع استمرار تدفق الدم إلى خارج الجسم عبر الجروح الجلدية.وعادة ما يسأل البعض: لماذا لا يتجلط الدم في داخل الاوعية الدموية؟ والجواب ببساطة هو: لأن مادة الـ«هيبارين» التي يفرزها الكبد تمنع مفعول الصفائح الدموية التجليطي. ويقوم الكبد والطحال بتكسير الصفائح الدموية بعد مرور 10 ايام على مولدها لتتولد مكانها صفائح جديدة في دورة تتكرر باستمرار.وظائف الدمعلى مدار الساعة ومن دون توقف، يقوم الدم بمئات الوظائف المتنوعة والحيوية في جسمك. ومن بين أهم تلك الوظائف ما يلي:• توزيع الأكسجين: فدمك يحمل الأكسجين من رئتيك إلى سائر أنسجة وخلايا أعضاء جسمك كي تستخدمة كوقود في عمليات توليد الطاقة من المغذيات. توصيل المغذيات: يحمل دمك المغذيات الأولية التي تمتصها أمعاؤك الدقيقة إلى شتى الأنسجة والخلايا المختلفة كي تستخدمها في إنتاج الطاقة اللازمة لأنشطتها ولأداء وظائفها الحيوية.• تجميع ونقل النفايات: في طريق عودته من أعضاء الجسم إلى الرئتين، يجلب الدم معه النفايات غير المرغوبة التي من بينها اليوريا وغاز ثاني أكسيد الكربون المتولد عن نشاط الأنسجة، وهو الغاز الذي يخرج من جسمك عبر الرئتين مع هواء الزفير. كما يقوم الدم بحمل ونقل النفايات والفضلات الضارة المتبقية من عملية التمثيل الغذائي في الجسم، ويوصل تلك النفايات إلى الأجهزة الإخراجية ليتم التخلص منها وطرحها إلى خارج جسمك، ومن بين تلك الأجهزة الكُليتان اللتان تتخلصان من النفايات مع البول والجلد الذي يتخلص منها عن العرق.• الدفاع والحماية والمناعة: يحوى الدم خلايا الدم البيضاء التي تتولى تلقائيا مهام التصدي لأي ميكروبات تهاجم الجسم، كما أنه ينتج الأجسام المضادة التي تقوم بدور أساسي في حماية الجسم وتزويده بمناعة ضد هجمات الأمراض.• حفظ التوازن المائي للجسم: يساعد الدم في المحافظة على توازن نسبة الماء في جسمك، إذ إنه يحمل الماء الزائد عن حاجة الجسم وينقله إلى أجهزتك الإخراجية بما يضمن تحقيق مستوى معين من التوازن بين ما تحصل عليه من ماء عن طريق المشروبات والأطعمة من ناحية، وبين ما تفقده اجمالا من ماء عن طريق بولك وعرقك وغير ذلك من ناحية ثانية.• تنظيم درجة حرارة الجسم: يقوم الدم بامتصاص الحرارة الزائدة من الأعضاء الداخلية ومن العضلات في اثناء انتقاله منها إلى الأعضاء الخارجية. أما في مناطق ما تحت الجلد مباشرة، يتمكن جسمك من أن يتخلص من الحرارة الزائدة عن طريق خواص الإشعاع والحمل والتبخر.• نقل الهورمونات والإنزيمات: يعمل دمك أيضا كناقل للهورمونات والإنزيمات المختلفة التي تفرزها غددك وأعضاء جسمك ليوصلها إلى سائر الخلايا والأنسجة الأخرى.

ثانيا: «ماء» الذكر

ماء الذكر هو مصطلح يشير إلى المَنِيّ أو السائل المَنَوِيّ، وهو سائل عضوي تفرزه غدد جنسية خاصة لدى الذكور دون الإناث، وهو يحمل الحيوانات المنوية (الحيامن) في قوامه السائل جنبا إلى جنب مع إنزيمات وبروتينات ومركب فركتوز، وهي العناصر التي يتمثل دورها في إبقاء الحيامن حية ونشطة، كما توفر وسطا بيولوجيا يمكنها «السباحة» فيه خلال رحلة انتقالها من الذكر إلى الأنثى وسفرها إلى وجهتها النهائية ألا وهي البويضات الأنثوية.وظيفته البيولوجيةيمكننا القول إن الوظيفة البيولوجية الوحيدة للسائل المنوي هي التخصيب.وفي الأحوال الطبيعية، تحوي دفقة السائل المنوي عشرات الملايين من الحيامن التي تتسابق في ما بينها من أجل الوصول أولا إلى البويضة الأنثوية لتخصيبها إيذانا ببدء رحلة تخليق جنين جديد. والحيوان المنوي (الحَيْمَن) الأسرع والأقوى هو الذي يتمكن من تخصيب البويضة، أما الحيامن الأخرى فتموت تدرجيا على طريق السباق. وعادة، يحتاج الحَيْمَن الفائز إلى ما بين 20 إلى 30 دقيقة كي يصل إلى هدفه.لونه ومواصفاتهاللون الطبيعي للسائل المنوي البشري يكون عادةً أبيض أو رمادياً شفافاً لكن قد يكون ضاربا إلى الصفرة أحيانًا. وفي حال بدا السائل وردياً (زهري) أو ضارباً قليلا إلى الإحمرار، فإن ذلك يعني احتمال وجود آثار دم فيه، وتعرف تلك الحالة باسم «تدمّي المني»، وهي تدل عادة على وجود مشكلة فسيولوجية تحتاج إلى تشخيص ومعالجة من جانب طبيب، وخصوصا إذا تكرر الأمر.

ثالثا: «ماء» الأنثى

مثلما أن للذكر «ماء» تخصيبياً، فإن للأنثى البشرية أيضا «ماء» خاصاً بها ويُشار إليه أحيانا بمصطلح «دفْق الإناث»، وهو يتمثل في تدفق كمية من السوائل من قنوات مجاورة لمجرى البول بالتزامن مع أو قبيل الوصول إلى النقطة التي تسمى «رعشة» أو «ذروة» الجماع. لكن طبيعة ومنبع هذا السائل ما زال موضع جدل واختلاف بين الخبراء في المجال الطبي.وبينما ما زال هناك من ينكرون أصلا أن للأنثى «ماء تناسليا» خاصا مرتبطا بعملية الجماع، فإن النبي محمد (صلى الله عليه وسلم) قال قبل أكثر من 14 قرنا من الزمان أن للمرأة ماءها التناسلي مثلما أن للرجل ماءه. وجاء ذلك التأكيد في سياق رد النبي محمد على سؤال للصحابية أم سليم التي تساءلت عما إذا كان يتوجب على المرأة أن تغتسل غسل الجنابة إذا رأت في منامها ما يرى الرجل (أي احتلمت)، فأجابها النبي الكريم بأن المرأة كالرجل في «إنزال الماء» خلال الاحتلام، فأبدت الصحابية استغرابها إزاء ذلك متسائلة: «أيكون هذا؟»، فقال النبي: «نعم، ماء الرجل غليظ أبيض، وماء المرأة رقيق أصفر، فأيهما سبق أو علا أشبهه الولد».ولأن هذا الحديث ينسجم تماما مع قول الله (سبحانه وتعالى) في الآية القرآنية «وجعلنا من الماء كل شيء حي»، فإنه يؤخذ إسلاميا كدليل على أن للمرأة ماء تناسليا، وأن طريقة التقائه مع ماء الرجل تؤثر على نوع وشكل الجنين وصفاته الوراثية.أما الطبيب والفيلسوف الإغريقي أبُقراط الملقب بـ«أبي الطب» فقال في بعض كتاباته قبل نحو 2500 سنة: «لا يحدث التخصيب والحمل إلا إذا اختلط ماء الرجل بشكل مباشر مع ماء المرأة». وفي المقابل، كان مواطنه ونظيره غالينوس يرى أن دور ماء المرأة يقتصر على منحها المتعة فقط، وليس له أي دور في عملية التخصيب، كما كان يعتقد أن ماء الرجل ينشأ أساسا في غدة البروستات.

المواصفات القياسية لـ «ماء الذكورة»

وفقا لبيانات معتمدة رسميا وصادرة عن منظمة الصحة العالمية، فإن المواصفات القياسية الطبيعية لعينة السائل المنوي الذكري (ماء الذكورة) هي كالتالي:• كمية العيّنة المعيارية: 2 مليلتر أو أكثر• درجة الحموضة: من 7.2 إلى 8.0• التركيز: 20 مليون حيوان منوي (حَيْمَن) في المليلتر الواحد (أو أكثر)• التعداد الإجمالي في العيّنة: 40 مليون حَيْمَن (أو أكثر)• نسبة الحركيّة: 50 في المئة أو أكثر للحركيّة الأمامية، و25 في المئة للحركيّة السريعة.مع مراعاة أن تؤخذ كل هذه القياسات في غضون الـ 60 دقيقة الأولى بعد استخراج العينة من جسم الذكر.

حقائق... في دمك!

مع حلول الأسبوع الـ 20 من الحمل، تكون المرأة الحامل قد اكتسبت زيادة في كمية دمها تبلغ ما بين 25 و40 في المئة تقريبا مقارنة بما كان عليه الحال قبل الحمل.جسم الطفل المولود حديثا يحوي ملء كوب متوسط واحد من الدم.قرنية عينك لا يصل إليها أي دم، لذا فإنها تستمد أكسجينها مباشرةً من الهواء.القيح (الدمل) هو في حقيقته عبارة عن أشلاء كريات دم بيضاء ماتت في أثناء تصديها ومحاربتها لهجمات ميكروبية.لوحظ من خلال دراسات أن بعض فئات الدم ترتبط بطريقةٍ مباشرة مع زيادة احتمالات الإصابة بالزهايمر وبمشاكل الذاكرة.بشكل عام، إجمالي كمية الدم لدى الذكر أعلى بنسبة 5 في المئة تقريبا منها لدى الأنثى التي في مثل عمره.فقدان لترين من الدم في غضون أقل من يوم واحد يكون أمرا مهددا لحياة الشخص.لوحظ أن البعوض يميل إلى تفضيل امتصاص الدم من الأشخاص ذوي الفصيلة O أكثر من أي فصيلة أخرى.في حالات الطوارئ، يمكن استخدام السائل الشفاف الذي يوجد في داخل ثمار جوز الهند كبديل لبلازما الدم البشري.تقوم خلية الدم بدورة كاملة في جسم الإنسان (أي من القلب ورجوعا اليه) في غضون 30 ثانية أو أقل.من بين المعادن التي توجد في مجرى دمك، يوجد حوالي 0.2 مليغرام من الذهب في صورة جزيئات متناثرة.إجمالي وزن دمك يساوي حوالي 8 في المئة من إجمالي وزن جسمك.في المتوسط العام لفترة حياة الإنسان، يضخ القلب الطبيعي كمية من الدم يصل إجماليها إلى ما يمكن أن يملأ 1.5 مليون برميل من براميل النفط.جميع أفراد قبيلة «برورو»، التي تعيش في البرازيل، فصيلة دمائهم O.