... «ما يفعله حزب الشيطان (حزب الله) من جرائم لا إنسانية في أمتنا سوف تنعكس آثاره على لبنان، ويجب على اللبنانيين الاختيار، معه أو ضدّه. دماء العرب غالية». «تغريدةٌ» لوزير الدولة السعودي لشؤون الخليج ثامر السبهان، «أشعلت» في بيروت، وكـ «النار في الهشيم»، أسئلةً كبيرة عن مغزى هذه «البرقية» السعودية ومضمونها وتوقيتها، والأهمّ عن تبعاتها وخصوصاً في ضوء وضْع اللبنانيين بين خياريْن لا رمادية بينهما فإما مع «حزب الله» وإما ضدّه.ولم يكن مفاجئاً أن تقْلب «التغريدة» المفاجئة للسبهان المشهد في بيروت رأساً على عقب مع نقْل «العدَسة» من مكانٍ إلى آخر. ففي اللحظة التي كان «أَمْرُ العمليات» الإيراني يضغط وبقوّةٍ لاقتياد لبنان الرسمي الى تطبيع العلاقة مع النظام السوري والتحكّم بورقةِ النازحين «الثمينة»، جاء الهجوم السعودي المُعاكِس وكأنه أشبه بـ «إنذارٍ أخير» بأن الرياض، التي كانت شريكةً في تسويةِ «ربْط النزاع» في لبنان، لن تتهاون حيال محاولة «حزب الله» إحكام قبضته على القرار اللبناني.ولعلّ السؤال الأكثر إلحاحاً، المتطاير من الاشتباك المستجدّ السعودي - الإيراني في لبنان وعليه، يتناول مصير «المساكنة» بين «حزب الله» وخصومه في حكومةِ التسوية السياسية التي وُلدت من رحمِ تَفاهُمٍ إقليمي غير مباشر، أيّدتْه إيران ولم تعارضه السعودية وقضى بانتخاب حليف «حزب الله» العماد ميشال عون رئيساً للجمهورية، وعودة زعيم التيار الأبرز في معارضة الحزب سعد الحريري إلى رئاسة الحكومة، على قاعدة «تحييد» الملفات الخلافية (الإقليمية) وإيلاء القضايا الداخلية الأولوية.وما يعزّز السؤال، الذي تَردّد صداه بقوّة أمس في بيروت وانطوى على شكوكٍ حيال مستقبل التسوية السياسية ربْطاً بـ«الغضب» السعودي، أن السبهان، الذي خَلَع القفازات الديبلوماسية في هجومِه على «حزب الله» حين وصفه بـ «حزب الشيطان»، أصاب حلفاء المملكة، شركاء «حزب الله» في التسوية السياسية وعلى طاولة الحكومة، أي رئيس الحكومة سعد الحريري ورئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع وسواهما ممّن دعاهم الديبلوماسي السعودي لأن يكونوا إما مع «حزب الله» وإما ضدّه.واللافت أن «تغريدة» السبهان بدتْ وكأنها تعبيرٌ عن «خلاصةٍ» تقويمية لنتائج الزيارة الطويلة التي قام بها لبيروت أخيراً والتقى خلالها مروحةً واسعة من الشخصيات السياسية، وبرزتْ في سياقها ثلاث ُمفارقات هي:• عدم زيارة رئيس الجمهورية ميشال عون، الذي لم يُدْعَ الى قمة الرياض قبل أشهر، وهو ما يعكس استمرار القطيعة مع عون على خلفية موقفٍ له عقب زيارته السعودية أوحى فيه بـ «شرعية» سلاح «حزب الله». وكذلك عدم زيارة السبهان لشريك الحزب في «الثنائية الشيعية» رئيس البرلمان نبيه بري.• توقيت زيارته لبيروت مع معركة الجيش اللبناني لطرْد «داعش» من الجرود على الحدود الشرقية مع سورية، وتولّيه اتصالاتٍ صبّتْ، في رأي قريبين من «حزب الله»، في حضّ المسؤولين اللبنانيين على منْع حصول أي تنسيقٍ بين الجيش والحزب في المعركتيْن على طرفيْ الحدود اللبنانية - السورية.• التدافُع عن قُرب بين الأجندتيْن الايرانية والسعودية في بيروت وكواليسها، عبر تَزامُن وجود نائب وزير الخارجية الايراني حسين جابري أنصاري ووزير الدولة السعودي لشؤون الخليج ثامر السبهان «معاً» و«وجهاً لوجه» في العاصمة اللبنانية التي كانت مسرحاً لمنازلةٍ ديبلوماسية ضمنيّة بين الجانبين.ولم تستبعد دوائر مراقبة في بيروت أن تكون «تغريدة» السبهان عكستْ في حدّتها ما اكتشفه من اختلالٍ عميق في موازين القوى يجعل من «حزب الله» صاحب «الإمرة» في المسائل الأساسية، على غرار تَحكُّمه بمعركة الجرود التي انتهت الى صفقةٍ بين الحزب و«داعش» اضطرّ لبنان الرسمي إلى السير بها وتغطيتها، وخصوصاً في ظل المعلومات عن تَفاهُمٍ في هذا الشأن بين الرئيس عون والأمين العام لـ «حزب الله» السيد حسن نصرالله.وثمة أوساطٌ في بيروت رأتْ في لجوء الديبلوماسي السعودي المعني بالملف اللبناني (السبهان) إلى «مكبّرات الصوت» محاولةً استباقية لقطْع الطريق على ضغوطٍ ايرانية بدأتْ لحمل المسؤولين اللبنانيين على التواصل مع النظام في سورية، في إطار خطةٍ لإعادة العدد الأكبر من النازحين السوريين الى بلادهم (يبلغ عددهم في لبنان مليون ونصف مليون)، ولأهداف تتجاوز ملف النازحين بعيْنه.وفي رأي هذه الأوساط أن الضغوط الإيرانية هدفها استباق الخطة القاضية بإجراء انتخاباتٍ رئاسية في سورية بإشرافٍ دولي، في إطار المرحلة الانتقالية التي تفضي إليها التفاهمات بين اللاعبين الدوليين والإقليميين، وتالياً فإن طهران تريد إفقاد خصوم الأسد ورقةً بالغة الحساسية (النازحين) في الانتخابات العتيدة التي بوشرت الاستعدادات لها في المؤسسات الدولية المعنية.وبهذا المعنى، فإن المعركة المقبلة والأكثر حماوة في بيروت سيكون عنوانها «إعادة النازحين»، وسط معلومات عن أن «حزب الله» سيخوضها بـ «التكافل والتضامن» مع بري و«التيار الوطني الحر»، الذي يبدي رئيسه الوزير جبران باسيل حماسةً في هذا الاتجاه.وثمة مَن يراهن في بيروت على إمكان تفادي انفجار الحكومة عبر الصيانة الدائمة للعلاقة بين الرئيسين عون والحريري وجعْلها «مانعة صواعق» قادرة على امتصاص الصدمات والحدّ منها تفادياً لانتكاسة العهد على مشارف نهاية سنته الأولى.وفي تقدير دوائر مراقبة ان عون والحريري يدركان أهمية احتواء التوترات المتزايدة، وخصوصاً ان رئيس الجمهورية يعتزم ترؤس وفد لبنان الى الامم المتحدة والقيام بزيارة دولة لفرنسا في 25 الجاري، في الوقت الذي من المقرَّر أن يزور رئيس الحكومة روسيا في 11 الجاري لإجراء محادثات مع الرئيس فلاديمير بوتين.