كلما حصل عمل إرهابي في القطيف السعودية ازدادت القناعة بأن إيران لا تعرف غير لغة واحدة في تسويق مشروعها الامبراطوري، هي لغة الرصاص والتفجيرات واللعب على الغرائز المذهبية وأوراق الأقليات. لكنها هنا ربما كانت أخطأت في العنوان لأن المملكة غير العراق وسورية ولبنان وغزة من جهة، ولأن أهل المنطقة الشرقية في السعودية هم... سعوديون.القصة باختصار أن إيران تريد أن توجد لنفسها موطئ قدم في المملكة، فهي النقيض لها في التعاطي مع الملفات الإقليمية سواء في العراق أو سورية أو لبنان واليمن والبحرين وفلسطين، ولذلك أطلقت القيادة الإيرانية قبل سنوات «أمر عمليات» بإشغال المملكة في جوارها وعقر دارها، ولعبت الأحزاب الحاكمة المؤيدة لها دوراً في الحشد والتعبئة وتأجيج العداء، فميليشيات في العراق تهدد بأن المملكة قبلتهم المقبلة، و«حزب الله» في لبنان لا يخلو خطاب لزعيمه حسن نصر الله من التهجم على المملكة وحكامها، وبشار الأسد يهاجم السعوديين سراً وعلناً بعدما اعتبرهم العام 2006 «أنصاف رجال» ويتوعدهم بالانتقام بعد قضائه على الثورة السورية.ومن أجل مشروعها، عمدت إيران وحلفاؤها إلى تضخيم أي حادثة في المنطقة الشرقية السعودية ولو كانت مداهمة واعتقال مطلوب جنائي، وبدأت عبر أدواتها في تجنيد من ترى أنه يمكن أن ينساق إلى خطاب المظلومية أو استثمار مشاعره كأقلية «لا تحظى بامتيازات الغالبية»، كما بدأت قنوات فتنة لا حصر ولا عد لها في إبراز أي فتوى هنا أو هناك أو رأي سقيم أو سطحي لهذا الشيخ السني أو ذاك لتعبئة شيعة المنطقة بأنهم «مواطنون درجة ثانية»، وأن الغالبية تكفرهم وتتحين الفرص للانقضاض عليهم. كما أنها في كل موسم حج تقريباً تفتعل إشكالات مقصودة عبر محاولة فرض طقوس سياسية معينة في حاضرة دينية يفترض أن تكون منزهة عنها، ثم تستغل حوادث التدافع السنوية التي تحصل للقول إنها مقصودة ضد الإيرانيين وتعمد الى التصعيد والتوتير.وتطور المشروع الإيراني الى أبعد من ذلك، إذ حصلت عمليات تفجير لعدد من الحسينيات الشيعية من قبل مجموعات تارة تعتبر نفسها من «القاعدة» وطوراً من «داعش»، بهدف خلق مناخ مذهبي يدفع الشيعة إلى المطالبة بالتسلح أو الأمن الذاتي حماية لمساجدهم وأماكن عبادتهم، ويعتقد خبراء أمنيون سعوديون اطلعوا على التحقيقات مع المتهمين بالتفجيرات أن جهة واحدة تقف وراء العملين، أي تحضير التفجير وتحضير ردود الفعل كذلك، وبرزت من أقوال أحد المغرر بهم واعتقل قبل أن يفجر نفسه أسماء قيادات «جهادية» في العراق وسورية أعطته الأوامر وثبت لاحقاً ارتباطها استخباراتياً بإيران. وعندما نفذت السلطات السعودية أحكاماً بالسجن والاعدام لعدد من السعوديين سنة وشيعة بتهمة المشاركة في الإخلال بالنظام العام والتشجيع على أعمال عنف، وظفت إيران قضية الشيخ نمر النمر الى أقصى حد في التصعيد السياسي وتجييش المشاعر وحرقت ميليشياتها السفارة السعودية في طهران.لكن القطيف أظهرت أنها عصية في امتحان الولاء، فأهالي من نفذت الأحكام بحقهم رفضوا أي تدخل سياسي خارجي في قضيتهم، ورفع شقيق نمر النمر صوته مطالباً باحترام القانون وعدم التظاهر وعدم فتح الباب للرياح الخارجية والتدخلات الإقليمية. كما رفضت الغالبية المطلقة من أبناء المنطقة الشرقية دعوات الأمن الذاتي رداً على «هجمات التكفيريين»، فالدولة السعودية هي من يحمي الجميع على اختلاف مناطقهم ومشاربهم، وحصلت لقاءات عدة بين رجال الدين ووجهاء المناطق وبين السلطات السعودية تم الاتفاق خلالها على التعاون لتحقيق المطالب مع التأكيد على استمرار الالتزام بالقانون ورفض العنف.وبما أن أي توافق داخلي يزعج كثيرين، فإن البعض استغل الترتيبات التي تقوم بها السلطات السعودية لتوسيع الشوارع في أحياء العوامية القديمة وحي المسورة واعتدى على رجال الشرطة والأمن الوطني بحجة أن الإجراءات الإنشائية هدفها أمني لا تنموي... المهم خلق وضع غير مستقر مليء بالاعتداءات والمداهمات والاعتقالات يمكن البناء عليه لحشد المزيد من التوتر كي يربح الخارج من خسائر الداخل.لن تتوقف محاولات إيران لقطف القطيف من الشجرة السعودية عبر خلق أوضاع متوترة وتجييش الغرائز، ولن تتوقف نجاحات أهل القطيف في اختبارات الولاء وهم رأوا بأم العين ماذا حصل لكل منطقة عربية تدخلت فيها إيران، ولن تتوقف السلطات السعودية بسلاحي الحكمة والحزم عن صد كل ما من شأنه تمزيق الوحدة الوطنية... التخريب ديدن من استمرأ إشعال الحرائق في مناطق الآخرين لكن الرياح قد تغير اتجاهاتها.