الكثير من مفاهيمنا القديمة كانت تنمو في نفوسنا ونحن صغار، سواء تأثرنا بها من الأسرة أو من المدرسة أو من خلال التفاعل بما يحيط بنا في الحي. ولقد كانت غالبية استجابتنا للمؤثرات وجدانية، نقبل بما يقال لنا من الكبار من دون التفكير أو النقاش انطلاقاً من أن الكبار أدرى وعلينا الطاعة. فرغم بساطة الحياة وصعوبة ظروفها، عاشت الناس متآلفة متعاونة لم تتوقف عن العمل بسبب كدر أو صدمة نفسية أو شعور بقسوة المعيشة. فلم نكنْ نشعر بالضيق وقسوة الحياة، أو الحقد والكراهية من طرف لآخر رغم اختلاف المعتقد والطوائف...هذه الصورة البسيطة للحياة في الماضي اختلفت اليوم كثيراً نتيجة للتحولات الهائلة في حياة الناس، فلم يعد للماضي أي أثر، وأكثر هذه التحولات عكست مظاهر سلبية، خصوصاً في المجالات الاجتماعية والسياسية، حيث ضعف التماسك والتضامن، ونمو راية الطائفية، وشيوع الكراهية بجانب حراك سياسي بغيض يأخذ الدين وسيلة لبلوغ غايات جماعات ترى مصالحها أولى من المصالح العليا.الكثير من السلوكيات المختلة في المجتمع، رغم أن أسبابها متعددة، إلا أن أكثرها تعكس الارتباك في مفهوم العقيدة والمبدأ. فالعقيدة تفهم مصطلحياً بأنها مأخوذة من العقد، وهو نقيض الحل، وله دلالة الشدة والتمسك بالثوابت، والحكم الذي لا يقبل الشك. والعقيدة مفهوم شامل جامع لكل الأفكار التي تتولد في الذهن، وليست بالضرورة دينية مما يجعل معتقدها يقع في شرك المعتقدات الخاطئة أو الباطلة، وليس دائماً الصحيحة.لهذا فإن العقيدة في هذا السياق الذي نستخدمه، تعني تصلب المبدأ الذي بدوره يؤدي إلى التعصب والكراهية والعنف بين الناس. وهو واقع نعايشه اليوم في حياتنا حيث المعتقدات الطائفية والمذهبية والسياسية وغيرها.ولقد وجد من الدراسات الاجتماعية والنفسية ان مركزية العقيدة يعود إلى مركزية «الأنا»، أو سيطرة الأنا المنغلقة، فيكون نتاج ذلك التصلب في الرأي، وازدراء الأديان، والخلافات، واختراع أقنعة تحجب الانفتاح على الآخر، واحترام معتقداته وأفكاره. وللاستدلال على خطورة مركزية «الأنا» في مجالات التعاون والتفاهم والتسامح ونبذ العنف، نجد من السهل في هذه الحالة أن يتحول «الانتماء» مثلاً إلى انتماء مذهبي أو طائفي متطرف، أو يتحول مبدأ التسامح مع الناس والطوائف إلى كراهية وقتال.لهذا نجد أن العنف والخراب نتاج العقيدة المتزمتة والخاطئة التي تؤثر فيها الأنا المنغلقة المتصلبة في النفس. ولقد وجد أن خطورة الأنا الذاتية تحدث عندما يتحول ما يسمى بـ «الأنا» الجمعي أو التجمع الطائفي الذي تحمله الفرق والجماعات المتمذهبة، فتحارب كل طائفة الطائفة الأخرى معتقدة بأنها على صواب وغيرها على خطأ. وفي حالات كثيرة يتحول «الأنا» إلى حرب وعنف نشاهده في الجماعات التي تستخدم السلاح والقتل بسبب معتقداتها التي تأسست على تعاليم خاطئة، ومناهج خفية للدين السياسي.yaqub44@hotmail.com