كشفت إحصائية رسمية لوزارة العدل عن تسجيل أكثر من 3000 أمر منع سفر خلال الأشهر الخمسة الأولى من العام الجاري، مقابل رفع نحو 1650 فقط.ومع حلول موسم الصيف والسفر تكثر شكاوى المواطنين والمقيمين من تعرضهم لمنع السفر، خصوصاً بسبب قضايا مالية بسيطة لا تتعدى في بعض الأحيان الدينار أو 500 فلس فقط، بعضها رسوم حكومية غير مقصود تجاهلها ولكن لم يُعلن بها «الممنوع من السفر»، والذي غالبا ما يجد نفسه وجها لوجه أمام صدمة المنع من السفر. شكاوى متعددة من مواطنين ومقيمين مُنعوا من السفر وتخلّفوا عن طائراتهم وتعرّضوا للاحراج في المطار بسبب التخلّف عن سداد مبالغ بسيطة، خاصة وأن قواعد منع السفر المتبعة في الكويت لا تفرّق بين مبلغ ضئيل ومبلغ بالآلاف، وهو ما أكده محامون لـ«الراي»، مطالبين بإعادة النظر في منع السفر من حيث المبالغ وآلية الاعلان للممنوع من السفر قبل تكبيل حريته.وطالب المحامون بضرورة استحداث تشريع جديد في قضايا المبالغ البسيطة والرسوم، من خلال رفع قيمة المبالغ التي يتم على أثرها منع السفر لتكون 300 دينار على الأقل، نظراً لما يسببه المنع من خسائر وأضرار نفسية واجتماعية، خاصه إذا كان الشخص مواطناً وله محل إقامة بالدولة، ولايُخشى فراره وقيمة الدين ضئيلة جداً ويستطيع المدين سداده بكل سهولة.في البداية، أوضح أمين سر جمعية المحامين، المحامي مهند الساير أن «منع السفر يعتبر اجراءاً احترازياً»، مبيناً أنه «إما أن يكون الممنوع مطلوباً على ذمة جناية أو جنحة أثناء التحقيق أو بعد صدور الحكم أو يكون مطلوباً لسداد مبلغ مادي للدولة أو الأفراد». وأشار الساير إلى أن هناك حالات يُستثنى فيها ويتم رفع منع السفر والمخوّل بذلك القاضي أو جهات التحقيق، لافتا إلى أن رفع الأمر الصادر بالمنع من السفر يتطلّب تقديم طلب لقاضي الموضوع أو دعوى تظلم من منع السفر. أما في حالة الوافد، فأوضح الساير أن القاضي يملك رفع منع السفر رغم أنه يكون خالف قاعدة أصلية، وهي «خشية الهرب سواء كان متهماً أو مطلوباً بذمته المالية».وعن تزايد شكاوى المواطنين من صدور أوامر منع سفر جراء مبالغ مالية بسيطة، والمطالبات برفع قيمة المبالغ التي يصدر على أساسها المنع من السفر، دعا الساير إلى أن «يكون هناك معيار ثابت لرفع منع السفر بتشريع قانوني حتى لاتتكرر لدينا حالات هرب بعض من سارقي المال العام وأموال الناس». وذكر أن «أبرز المعوقات التي تواجه المحامين في هذه القضية هو عدم وجود معيار ثابت بالقانون لمسألة رفع منع السفر، حيث تخضع لسلطة القاضي فقط أو جهات التحقيق «فتجد أحيانًا شخصا مطلوبا لسداد مبلغ بسيط لايرفع عنه المنع، وأحيانًا شخص مطلوب لمبالغ ضخمة ويرفع عنه منع السفر».وحول المطالبة بمعالجة المثالب في قضية منع السفر، مثل انتظار صدور أحكام قضائية نهائية قبل تطبيقه، قال الساير إنه «في بعض الحالات قد يتمكن المتهمون من الهرب قبل صدور الأحكام النهائية لعلمهم بأنهم مدانون مسبقًا لارتكابهم الفعل المجرم، وقد يشكّل هذا باباً لكل من يرغب بارتكاب جريمة ثم الهرب قبل الحكم عليه»، داعيا إلى أن يكون هناك معيار ثابت لايسمح لسرّاق المال العام وغيرهم من استغلال ثغرات القانون.من جانبه، قال المحامي محمد طالب أن «منع السفر يعتبر اجراء احترازيا الغاية منه هو الحيلولة دون هرب الممنوع، إذا قامت أسباب تدعو إلى الظن بفرار المدعى عليه أو المدين».ورأى طالب أن «تقييد حرية الأشخاص فيها مخالفة دستورية صارخة، خاصة إذا كان الشخص مواطنا وله محل إقامة بالدولة التي يعيش فيها ولايُخشى فراره، وقيمة الدين ضئيلة جدا ويستطيع المدين سدادها بكل سهولة ولكن عائقاً حدث بعدم إعلانه وأصبح الحكم الصادر ضده غيابياً واجباً وتفاجأ بالصدفة بمنع سفره»، مبينا أنه «رغم أن الاجراء هو احترازي لكنه تحوّل في الحقيقة إلى أداة عقابية على عكس مافسّر المشرع ذلك».وعن نوعية الأحكام والحالات التي يتم فيها إصدار أوامر منع السفر، أوضح طالب أن «منع السفر يكون في دعاوى الايجارات والتجاري والمدني والأحوال الشخصية والعمالي وكذلك الجنح والجنايات وغالبا مايكون في أغلب الدعاوى القضائية». واستعرض طالب الحالات التي يُستثنى فيها ويتم رفع منع السفر، مبينا أنه «بإمكان المدين أو المتهم رفع منع السفر ولكن عبر اجراءات قانونية معينة، منها أمام المحكمة ومنها ما يتم أمام مستشار رئيس الادارة للتنفيذ»، مشيرا إلى أنه «في الدعاوى الجنائية يكون إجراء منع السفر من قبل المستشار النائب العام أو أحد المحامين العامين أو وكلاء النيابة إذا كانت القضية منظورة بالنيابة، أما إذا كانت منظورة أمام المحكمة فإن رئيس الدائرة هو المختص برفع منع السفر في الجنح والجنايات، وكذلك يحق لرؤساء المحاكم رفع منع السفر ولا سلطان عليهم وهي سلطه تقديرية للنيابة والقضاء من دون معقب». وتابع: «أما في الدعاوى المدنية والعمالية والتجارية والأحوال وغيرها من الدعاوى المالية، فيكون رفع منع السفر برفع دعوى تظلم من منع السفر ينظرها قاضي المستعجل، ويجب تقديم الدليل مثل تقسيط هذا المبلغ أمام إدارة التنفيذ حتي يتسنى رفع منع السفر، وكذلك يعتمد ذلك علي المبلغ إذا كان ضئيلاً أو كبيراً، وفي بعض الأحيان إذا كان المبلغ كبيراً فإن المحكمة ترفض رفع المنع بظن فراره خارج البلاد وعدم سداده المبلغ»، لافتا إلى أنه «فيما عدا ذلك يحق للمستشار مدير الادارة العامة للتنفيذ رفع منع السفر لسفرة واحدة حسب القانون إذا كان ذلك للعلاج أو الحج، ويكون ذلك دون تقديم أي ضمان أو في بعض الأحيان لابد من تقديم ضمان بنكي بخصوص رفع هذا الاجراء». وعن إمكانية رفع منع السفر في حالة الوافد، أوضح طالب أنه «لا يوجد مانع في رفع منع سفر عن الوافد وهي كذلك سلطة تقديرية للمحكمة وحسب مايتم تقديمه من مستندات أمام هيئة المحكمة».وحول شكاوى المواطنين من صدور أوامر منع سفر جراء مبالغ مالية بسيطة، والمطالبة برفع قيمة المبالغ التي يصدر على أساسها المنع من السفر، قال طالب إن «هذا عيب في القانون فهو لم يحدد القيمة بإنزال منع السفر على المدين من المواطنين، وأصبح المنع ينزل حتى لو كان الحكم 500 فلس، وتتشدد الاجراءات إذا كان الدين للحكومة»، مبينا أنه «تقوم ‏بوضع كافة الإجراءات التنفيذية من حجز منقولات وحجز سيارات ومنع سفر وضبط وإحضار ‏وكذلك الحكومة معفية من سداد رسم تلك الإجراءات، فمن السهل وضع كافة الإجراءات على المدين دفعة واحدة». وأشار طالب إلى أن «ثمة صعوبة في رفع منع السفر عن المواطنين وذلك بسبب مواعيد جلسات المحكمة البعيدة، بالاضافة إلى نظرها أمام ثلاث درجات ‏الابتدائية والاستئناف والتمييز»، مبينا أن «ذلك يحتاج إلى وقت طويل لحين رفع السفر، ولكن في بعض الأحيان يتم رفع منع السفر بمجرد صدور حكم أول درجة ما لم تأت محكمة الاستئناف بالغاء الحكم وإعادة منع السفر مرة أخرى»، موضحا أن «ذلك في الدعاوى التجارية والمدنية والأحوال والعمالي فقط وليس الجزائي».وحول المطالبات بمعالجة مثالب قضية منع السفر، مثل انتظار صدور أحكام قضائية نهائية قبل التطبيق، أكد طالب أنه «‏لابد من تعديل التشريعات الخاصة بمنع السفر من قبل مجلس الأمة، حتى نستطيع القول أنه لا يُمنع أي شخص من السفر ما لم يكن الحكم الصادر ضده حضوري وليس غيابياً، بالاضافة إلى إمكانية أن تتخذ الحكومة في القضايا الخاصة بالرسوم التابعة للدولة اجراءات معينة، كأن تقوم بخصم هذه المبالغ الضئيلة من الحساب الخاص بالمدين عن طريق ‏البنك أو حجز الراتب للموظف أو التأمينات إذا كان متقاعداً، ‏وليس بوضع منع سفر ‏على المواطنين ‏وإحراجهم في المطار مقابل مبالغ قليلة جدا ولا تتعدى الدنانير»، لافتا إلى أن «كافة تلك الأحكام تتخذ عن طريق قاضي الأمور الوقتية وبدون إعلان ويتم تنفيذها مباشرة في غيبة علم المدين».بدوره، تطرّق المحامي حمد الفارس إلى أبرز المعوقات التي تواجه المحامين في مسألة «منع السفر»، مشيرا إلى «طول المدة واجراءات التقاضي لاستصدار الأحكام بإلغاء المنع وإعلانها»، مبينا أن «هناك بعض الصعوبات في رفع أمر منع السفر، منها رفع قضية مستقلة علي الدائن واختصام مدير إدارة التنفيذ بصفته بالنسبة للمنع الصادر عن دين مدني، أما في حالة منع السفر الجنائي فيتم رفع منع السفر بعد صدور حكم نهائي في القضية أو من النائب العام أو مدير إدارة التحقيقات أثناء سير القضية».وذكر الفارس، أنه «توجد حالات يستثني فيها ويتم رفع المنع، منها علي سبيل المثال حالات العلاج في الخارج للمدين أو أحد أصوله أو فروعه من الدرجة الأولى أو زوجته، ويشترط أن يرفق بالطلب شهادة طبية من جهة رسمية تفيد الحاجة للعلاج في الخارج وعدم إمكانية العلاج في الداخل»، لافتا إلى أن «المخوّل برفع منع السفر هو مدير إدارة التنفيذ بالنسبة للدين المدني، أما الجنائي فهو النائب العام أو مدير عام إدارة التحقيقات».وعن تزايد شكاوى المواطنين من صدور أوامر منع سفر جراء مبالغ مالية بسيطة، والمطالبة برفع قيمة المبالغ التي يصدر على أساسها المنع من السفر، رأى الفارس أن «سبل علاج هذا الأمر تشريع قانون جديد في القضايا البسيطة بأنه لا يتم فيها منع السفر ومن الأفضل رفع قيمة المبالغ التي يتم على أثرها منع السفر لتكون 300 دينار على الأقل». وأضاف الفارس أنه «من الضروري معالجة قضية منع السفر لحين إصدار الأحكام القضائية بالإدانة في القضايا الجنائية والحكم النهائي بقيمة الدين في القضايا المدنية، لأن بعض القضايا الجنائية تنتهي بالبراءة بعد عدة سنوات»، متسائلا «من المسؤول عن تعويض المواطن عن منعه من السفر طيلة تلك المدة رغم أن الدستور يكفل حرية التنقل خاصة وأن هناك بعض القضايا المدنية ينتهي فيها الحكم ببراءة ذمة المدين من الدين»، مشدداً على ضرورة إعلام الممنوعين من السفر فور صدور الحكم بدلاً من تركهم للمفاجأة، لما يسبب لهم من إحراج وأضرار نفسية فضلاً عن تخلفهم عن السفر وما يترتب عليه.