ذكر صاحب كتاب «ما تلحن فيه العامة في التنزيل» الذي تم تحقيقه على أنه لجامع العلوم الباقولي الأصبهاني، وشكك بعض المحققين في ذلك، ذكر قوله تعالى: ?... وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ * وَلاَ يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ? (آل عمران: 177 و 178)، إذا قرأتها بالتاء وجب فتح السين لا غير، لأن التاء قراءة حمزة، وهو لا يرى كسر السين. فكسر السين مع التاء خارج عن السبعة، وإنما هي قراءة أبي بحرية الحمصي. ومثله من بعده: ?وَلاَ يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ? (آل عمران: 180)، التاء مع فتح السين لا غير. وأما الياء فيجوز معه كسر السين وفتحها.- ووردت الآية الثانية أيضا دون الأولى (آل عمران: 178)، في كتاب «كشف المشكلات وإيضاح المعضلات» لجامع العلوم الباقولي الأصبهاني، حيث ذكر: قوله تعالى: ?وَلاَ يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ أَنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ?. قرأ جميع الناس إلا حمزة ?يَحْسَبَنَّ? بالياء. ويكون ?الَّذِينَ كَفَرُواْ? في موضع الرفع بـ ?يَحْسَبَنَّ? أي لا يحسبن الكافرون، ويكون قوله ?أَنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لِّأَنفُسِهِمْ? (أن) مع اسمه وخبره/ في موضع المفعولين لـ ?يَحْسَبَنَّ? والتقدير «لا يحسبن الذين كفروا إملاءَنا خيراً لأنفسهم، و(ما) مصدرية. وأما حمزة فإنه جعل ?الَّذِينَ كَفَرُواْ? المفعول الأولَ، أي: لا تحسبن الكافرين. فيكون قوله ?أَنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لِّأَنفُسِهِمْ? بدلا من (الكافرين) نائباً عن المفعولين. وقال أبو علي: يجب على قراءة حمزة انتصاب ?خَيْرٌ لِّأَنفُسِهِمْ?، لأنه يجعل ?أَنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ? بدلا من ?الَّذِينَ كَفَرُواْ?. وإذا جعله بدلا منه كان كأنه قال: لا تحسبن إملاءنا خيراً لأنفسهم. والكلام مع أبي عليّ يطول، ذكرته في «البيان» و»مسائل عثمان».- لم ترد الآية الأولى (آل عمران: 177)في كتاب « إعراب القرآن المنسوب إلى الزجاج « والذي قمنا بتحقيقه على أنه كتاب «جواهر القرآن» لجامع العلوم الباقولي الأصبهاني، وشكك بعض المحققين في ذلك، وزعم بعض المحققين أنه لمكي بن أبي طالب القيسي القيرواني، صاحب كتاب «مشكل إعراب القرآن»، ولكن الآية الثانية (آل عمران:178) وردت ثلاث مرات.- المرة الأولى: حيث قال المصنـّف: «وأما قوله تعالى: ?وَلاَ يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ أَنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ? فمن قرأ بالياء، فـ ?الَّذِينَ? هم الفاعلون. و(أن) مع اسمه وخبره بدل من ?الَّذِينَ كَفَرُواْ?. قالوا: وهذا يوجب قوله ?خَيْرٌ لِّأَنفُسِهِمْ ? وليس كذلك، لأن ذلك إنما يكون إذا جعلت (أن) باسمه هو البدل دون خبره».- المرة الثانية: قال المصنـّف: ومن ذلك قوله تعالى: ?وَلاَ يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ أَنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لِّأَنفُسِهِمْ?. فيمن قرأ بالتاء يكون (أن) مع اسمه وخبره بدلا من ?الَّذِينَ كَفَرُواْ?.- المرة الثالثة: قال المصنف عن قوله تعالى: ?وَلاَ يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ أَنَّمَا نُمْلِي? بالياء وفتح السين. تفرَّد به حمزة وليست كسرة السين مع الياء في السبعة بتة.- ووردت الآية الثانية (آل عمران: 187) دون الأولى- أيضا- في كتاب «مشكل إعراب القرآن» لمكي بن أبي طالب القيسي القيرواني؛ حيث قال: ?وَلاَ يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ أَنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ? أن تقوم مقام مفعولي حسب و?الَّذِينَ? فاعلون وما في ?أَنَّمَا? بمعنى الذي والهاء محذوفة من ?نُمْلِي?، هذا على قراءة من قرأ بالياء و?خَيْرٌ? خبر (أن) وإن شئت جعلت (ما) و?نُمْلِي? مصدراً فلا تضمر (هاء) تقديره: ولا يحسبن الذين كفروا أن الإملاء خير لهم؛ فأما من قرأ بالياء و كسر (إن) من (إنما) فإنما يجوز على أن يعلق (حسب) ويقدر القسم كما تفعل بلام الابتداء في قولك: لا يحسبن زيد لأخوه أفضل من عمرو كأنك قلت: واللهِ لأخوه أفضل من عمرو. فأما من قرأ بالتاء وهو حمزة فإنه جعل ?الَّذِينَ? مفعولا أول (لتحسبن) والفاعل هو المخاطب وهو النبي عليه السلام و جعل ?أَنَّمَا? وما بعدها بدلا من ?الَّذِينَ? فيسد مسد المفعولين كما مضى في قراءة من قرأ بالياء و(ما) بمعنى (الذي) في هذه القراءة و(الهاء) محذوفة من ?نُمْلِي? ولا يحسن أن تجعل (أن) مفعولا ثانيا (لحسب)، لأن الثاني في هذا الباب هو الأول في المعنى إلا أن تضمر محذوفاً تقديره: ولا تحسبن شأن الذين كفروا أنما نملي لهم فتجعل (ما) و?نُمْلِي? مصدراً على هذا؛ فإن لم تقدر محذوفاً فجوازه على أن تكون (أن) بدلا من ?الَّذِينَ? ويسد مسد المفعولين و (ما) بمعنى الذي وفي جواز (ما) والفعل مصدر و(أن) بدل من (الذين) نظر. وقد كان في وجه القراءة لمن قرأ بالتاء أن يكسر (إنما) فتكون الجملة في موضع المفعول الثاني ولم يقرأ به أحد علمته. وقد قيل أن من قرأ بالتاء فجوازه على التكرير تقديره: لا تحسبن الذين كفروا ولا تحسبن إنما نملي لهم فـ (إنما) سدت مسد المفعولين (لتحسب) الثاني هي وما عملت فيه مفعول ثان (لتحسب) الأول كما أنك لو قلت: الذين كفروا لا تحسبن إنما نملي لهم خير لأنفسهم لجاز فيدخل تحسب الأول على المبتدأ».النتيجة: أن قراءة قوله تعالى (تحسبن) في آل عمران: 178، بالتاء وما يترتب على هذه القراءة إعرابا، فإن التناول كان متطابقا عند جامع العلوم الباقولي الأصبهاني في كتابه «كشف المشكلات وإيضاح المعضلات»، وعند صاحب كتاب «إعراب القرآن المنسوب إلى الزجاج»، وعند مكي بن أبي طالب القيسي القيرواني في كتابه «مشكل إعراب القرآن»، ومختلفا عما جاء في كتاب «ما تلحن فيه العامة في التنزيل». الذي حُـقق على أنه لجامع العلوم الباقولي الأصبهاني. والله أعلم.* كاتب وباحث لغوي كويتيfahd61rashed@hotmail.com