يتّجه لبنان نحو إقرارِ وشيكِ لقانون انتخابٍ جديد قبل نهاية ولاية البرلمان الحالي في 20 الشهر الجاري، في تطوّرٍ نوعي وبالِغ الأهمية يضع حداً لصراعٍ سياسي - طائفي شرس على تعديل التوازنات داخل السلطة والأحجام فيها وتشكيلِ «أرجحياتٍ» من شأنها التحكّم بإدارة البلاد وبالتوجهات الإقليمية للبنان على مدى سنواتٍ طويلة، وهو الصراع الذي يتماهى، أقلّه منذ اغتيال رئيس الحكومة السابق رفيق الحريري وخروج الجيش السوري في العام 2005، مع التحولات اللاهبة في المنطقة وحرب النفوذ الدائرة بين «أقطابها» الاقليميين.وكرّس الاجتماع الثلاثي الذي انعقد في القصر الجمهوري قبيل الإفطار الرمضاني غروب أول من أمس، وضمَّ رؤساء الجمهورية ميشال عون والبرلمان نبيه بري والحكومة سعد الحريري الاتفاق على إطار قانون الانتخاب القائم على النسبية الكاملة مع تقسيم لبنان 15 دائرة، وإحالة «التفاصيل الجوهرية» الى لجنة وزارية مصغّرة للتفاهم حيالها، إيذاناً بإطلاق الآلية الدستورية لإقرار القانون والتمديد للبرلمان الحالي الى الموعد الذي يُتّفق عليه لإجراء الانتخابات النيابية.«الدخان الأبيض» الذي تَصاعد من القصر الجمهوري غروب الخميس كان هبّ من حارة حريك في الضاحية الجنوبية المتاخمة (معقل حزب الله) ليل الاربعاء - الخميس حين تُوّج لقاءٌ خلف الستائر المقفلة بين الأمين العام للحزب السيد حسن نصرالله ووزير الخارجية رئيس «التيار الوطني الحر» جبران باسيل بإطلاق صفارة الانطلاق الى الاتفاق الذي راوح طويلاً في الحفرة نتيجة الصراع المستحكم بين حليفيْ «حزب الله»، شريكه في الثنائية الشيعية الرئيس نيبه بري، وشريكه المسيحي الرئيس عون وتياره، وبلوغه حدّ الصدام.ماذا جرى في لقاء نصرالله - باسيل؟قبل ساعاتٍ من الموعد المقرَّر لباسيل مع نصرالله في مكانٍ ما، كانت المواجهة على أشدّها بين عون وبري وهي اتخذتْ أبعاداً دستورية بعدَ السياسية والشخصية، فوقف وزير الخارجية ليقول على الملأ «... استعنا بأصدقاء، أحدهم كشف التمديد (للبرلمان) وهو الرئيس الحريري، وصديق آخر استعنا به لكشف الألغام وهو الدكتور سمير جعجع (القوات اللبنانية)، ولدينا صديق ثالث نريده ان يساعدنا لكشف الكذب لأنه صادق، ونريده أن يضمن بصدقه ان لا يحصل تلاعب بأي شيء يمكن ان يحصل، وخصوصاً ان انجاز قانون الانتخاب يحتاج إلى ضمانات وضوابط وإصلاحات».باسيل كان يقصد بـ «الصديق لكشف الكذب» نصرالله الذي استقبل وزير الخارجية بعدما كان خصّه بالمديح في إطلالته الاخيرة لـ «شجاعته» في التبرؤ من «إعلان الرياض»... وخُصّص اللقاء بينهما لمناقشة قانون الانتخاب و«ما هو أبعد من ذلك»، قبل أن يخرج باسيل (صهر الرئيس عون) مُطْمَئِناً الى الاتكاء على ديمومة التحالف مع «حزب الله» والى ضماناتٍ سَمِعها من نصرالله.وعلمت «الراي» ان نصرالله قرّر التدخل شخصياً بعدما بلغ التوتر في العلاقة بين عون وبري حداً لا يستهان به، وتَجنُّباً لمواجهةٍ أقسى يمكن ان ينجرّ «حزب الله» إليها، وهو الذي يحرص على إبقاء الداخل اللبناني على استقراره وفي منأى عن أزماتٍ تَخرج عن السيطرة نظراً لإدراكه حجم الأخطار في المنطقة والتحديات المقبلة، وتالياً فإن «الوضع في لبنان لا يحتمل الافراط في الزكزكات والمشاكل، وأي تَصادُمٍ لن يكون في مصلحة أحد».وسِرُّ خروجِ باسيل مُطْمَئِناً من لقاء نصرالله، هو سماعه من «الصديق الصادق» أنه لن يتخلى عنه و«أعطى لباسيل الضمانات عيْنها التي كانت أُعطيت للعماد عون»، وتالياً فإن الامين العام لـ «حزب الله» قال ما فُهم منه انه كما تبنّى العماد عون (الذي وصل الى رئاسة الجمهورية) سيتبنى الوزير باسيل في ملاقاةٍ للواقع المسيحي الذي نجح وزير الخارجية في تَصدُّره.ورغم أن وعْد نصرالله لباسيل يشبه وعده لعون، الذي لم يَرُق للرئيس بري، حليفه في الثنائية الشيعية، ويُظْهِر وكأن «حزب الله» يدير ظهره لرئيس البرلمان في المعارك الداخلية المفصلية (الانتخابات الرئاسية سابقاً وقانون الانتخاب الآن)، فإن القريبين من الحزب يحرصون على أولوية التحالف مع بري لاعتباراتٍ لا تحصى، وفي مقدّمها تلك التي تتصل بـ «البيت الشيعي» ومصالحه الاستراتيجية في الداخل وعلى مستوى المنطقة.وفي تقديرِ أوساطٍ مراقبة في بيروت ان «وعد» نصرالله لباسيل يستند إلى مقاربةٍ عميقة تتجاوز الانفعالات السياسية وتتّصل بالحاجة المتبادلة بين الطرفين لديمومة التحالف بينهما، فـ «حزب الله» المُطْمَئِن الى خيارات عون وفريقه حيال المسائل الاقليمية، يحتاج إلى الرافعة المسيحية التي يشكّلها «التيار الوطني الحر» في إطار التوازنات الداخلية، وباسيل يحرص على استمرار تحالفه مع «حزب الله» والحصول على ضماناتٍ مشابهة لتلك التي اتكأ عليها العماد عون في المعركة التي أوصلته الى رئاسة الجمهورية.ولم تستبعد تلك الدوائر أن تكون ضمانات «حزب الله» لباسيل على صلة برغبة الحزب في تعزيز وضعية حليفه في الشارع المسيحي في ضوء الصراع المبكّر «المكتوم» على رئاسة الجمهورية، والسباق المحتمل بين ثلاثة لاعبين هم باسيل وجعجع والنائب سليمان فرنجية، فـ «حزب الله» الذي حرم فرنجية الرئاسة مرتين (في الـ 2004 و2016) وقال عنه نصرالله «نور العين» لم يُبْلِغه وعداً حاسماً، أما جعجع خصم «حزب الله» فسيكون على موعد مع معركة غير متكافئة في وجه تحالف «التيار الوطني الحر» و«حزب الله» في تجربةٍ مكرَّرة للانتخابات الرئاسية السابقة.