ألقت الدكتورة نورية الرومي في مسرح الشيخة سعاد الصباح في رابطة الأدباء الكويتيين محاضرة حول «العزل عند فهد العسكر» والتي أدارتها الدكتورة اقبال العثيمين.وتطرقت الرومي في محاضرتها البحثية عن الشاعر الكويتي القديم فهد العسكر الذي شغل عصره والعصور المتلاحقة حتى وقتنا هذا بشعره، وما كان يتضمنه من مواضيع جلبت إليه الألم والملاحقات، إلى درجة إهدار دمه.وأخذت الرومي الحضور في فسحة أو رحلة عبر شعر العسكر بكل ما كان يتضمنه من جمال ولغة ورمز، لم يكن يفهمه الذين عاصروه، وبالتالي لصقوا إليه كل الصفات السيئة وطاردوه، وتأكيدا على ما يتمتع به العسكر من موهبة شعرية متوهجة قرأت الرومي بعضا من قصائد العسكر خصوصا الغزلية منها، كاشفا أن الشاعر في غزله كان يقصد أمورا أسمى وأرقى من الغزل والدليل على ذلك لم تكن المرأة التي يتغزل فيها محددة الهوية أو الشخصية وأن هذه المرأة التي كان يتغزل فيها ربما تكون الوطن.وأوضحت الرومي أن العسكر شاعر مثقف في وطن تمنى أن تكون إدارته القانونية منصفة للضعفاء والفقراء، وكل ذي حق يأخذ حقه، كاشفة أن العسكر لم يأتِ بالغزل من أجل الغزل، ولكنه وضعه في سياق رمزي للحديث عن الوطن، وأن شعره كان يأتي على شاكلة شعر امرئ القيس وعمر بن أبي ربيعة، بمعنى أنه كان يميل وضع القصة في سياق شعره.فيما تحدثت الرومي عن الرقباء والمتعصبين الذين يترصدون التجارب الفنية وعادة ما يختلون في الليل ويجدونه ستارا، كي يأتي النور منبها. وقرأت الرومي قصائد العسكر التي يوجهها إلى «معشر المتعصبين» الذين يلاحقونه من دون فهم لما يكتبه من شعر، وبالتالي تعرض الشاعر للضرب والسجن والتعذيب، والطرد من منزله، ليعيش حياة بائسة، في غرفة، ثم أهدر دمه، لهذا وضعه أصدقاؤه المقربون في مخبأ لا يصل إليه إلا خادمه الهندي، ومن ثم تكالبت عليه الأمراض وكفّ بصره، ولم يعد يرى، كل ذلك حدث له وهو خائف من الذهاب إلى العلاج.كما تحدثت الرومي عن ربط العسكر في قصائده للغزل بالنزعة الصوفية، وهي التي تميل إلى الارتقاء بالحب في فضاءات عالية، وبالتالي جاءت رموزه الصوفية في سياقات أسيء فهمها، وجرّت عليه الكثير من المعاناة. وتطرقت الرومي إلى القصيدة التي على أساسها أهدر دمه، وهي مثار جدل إلى يومنا هذا، ووصفه المتعصبون والمتشددون بأبشع الصور، والسبب لأنه جاء بكيان معاكس لما ألفه مجتمع عصره في التطور والحلم ونقلة الكويت في مجال المطالبة بحقوق المرأة، وقالت: «فهد العسكر جاء بتيار معاكس هزّ رجال الدين المتعصبين».وألمحت الرومي إلى أن العسكر لم يحدد في قصيدته هذه ماهية المرأة لأنه قضيته الأولى والمهمة هي قضية الوطن.وأشارت الرومي إلى المتنفس الذي اتخذه الشاعر بعدما ضاقت من حوله الحياة، وهذا المتنفس كان الشعر وأحيانا اللجوء إلى الخمر والتغزل بالمرأة التي لم يكن يحدد ماهيتها، بالإضافة إلى الشكوى، وبالتالي قرأت الرومي قصيدة للعسكر قسمها إلى أقسام عدة تحدث فيها عن الوطن والمرأة وغير ذلك.وكشفت الرومي أنها اهتمت بشعر فهد العسكر منذ دراستها الجامعية حتى اليوم لأنه أنصف المرأة، كما أنه تكلم عن حقوق الإنسان والوطن، ورعاية الطفل، والعدالة الاقتصادية والسلطة، والسجون والقومية العربية وفلسطين، والإنسان في كل بقاع العالم. وقالت: «العسكر رائد من رواد التنوير، ولكن مجتمعه لم يفهمه، فتعرض للتعذيب».وحول الموسيقى في قصائد العسكر أوضحت الرومي أنها متلونة كموج البحر وملتحمة مع بعضها البعض، من خلال الجو النفسي والأوزان الخفيفة، مثل استخدامه لبحر «الوافر»، بينما في حالة الثورة فإن الرتم يكون عاليا، وكان يميل إلى الأوزان المستخدم فيها «المتدارك»، و«الكامل»، وفي حالة الحزن تكون القوافي مسكنة والبحر مجزوء.وأشارت الرومي إلى التشابه أو التناص الذي لاحظته بين قصائد العسكر والشاعر الأردني القديم عرار، والشبه في بعض المواضيع، رغم أن زمنا كبيرا يفرق بينهما، وأنها طرحت رسالة نقدية عن التناص بين الشاعرين العسكر وعرار، وهي الدراسة التي لا تزال تعد مرجعا للدارسين، وكشفت أنها تعد دراسة مستفيضة عن الشاعر الكويتي فهد بورسلي، ستكون جاهزة للطباعة قريبا.وختمت الرومي بأنها رغم دراساتها المستفيضة عن العسكر إلا أن إحساسها يقول بأنها لم توفه حقه، نظرا لما قدمه من شعر متميز ودفاعه الرائد عن حقوق المرأة.