الدراسة قدمت شرحاً مفصلاً للاستراتيجية السعودية القائمة على منهاج إرشادي وتربوي وديني، والتي تؤدي في نهاية المطاف إلى توبة الأشخاص الذين كانوا يحملون فكراً منحرفاً، بعدما تبين لهم من خلال الحوار وأسلوب الإقناع خطأ الأفكار التي كانوا يعتقدون بها.
بوشيك، الذي استند في بحثه على معطيات ميدانية من واقع التجربة السعودية في مكافحة الإرهاب في إطار «حرب الأفكار»، سلط الضوء على جهد وزارة الداخلية السعودية التي يتولاها الأمير نايف بن عبدالعزيز، إضافة إلى إشراف الأمير محمد بن نايف، مساعد وزير الداخلية للشؤون الأمنية، على إدارة حملة مكافحة الإرهاب التي أصبحت نموذجاً تستلهم منه الدول الأسلوب الناجع في استراتيجياتها ضد الإرهاب.
ويشير بوشيك إلى أنه عقب موجة من الهجمات الإرهابية المميتة التي بدأت في العام 2003، أطلقت المملكة العربية السعودية حملة واسعة لمكافحة الإرهاب. ومثّل استخدام الإجراءات غير التقليدية «الليّنة» الهادفة إلى محاربة التبريرات الفكرية والأيديولوجية للتطرف جانباً أساسياً في الجهود السعودية. والهدف الرئيس لهذه الاستراتيجية منازلة ومحاربة أيديولوجيا تؤكد الحكومة السعودية أنها تستند إلى تفسيرات فاسدة ومنحرفة للإسلام. وتتكون الاستراتيجية السعودية من ثلاثة برامج مترابطة تهدف إلى الوقاية وإعادة التأهيل وتوفير النقاهة بعد الإفراج عن المعتقلين.
تجدر الإشارة إلى أن كريستوفر بوشيك يعمل زميلاً في «برنامج كارنيغي للشرق الأوسط». وقبيل انضمامه إلى «مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي» عمل بوشيك باحثاً في جامعة برنستون ومحاضراً في علوم السياسة في مدرسة وودرو ولسون. وعمل بوشيك في السابق محللاً إعلامياً في السفارة السعودية في واشنطن، كما عمل لأعوام في معهد الخدمات الملكية الموحدة لدراسات الأمن والدفاع في لندن، إذ لا يزال زميلاً في المعهد المذكور. وفي الفترة بين عامي 2003 و 2005 عمل محرراً أمنياً في «مجموعة جينز للمعلومات». كتب العديد من الدراسات عن الشرق الأوسط وآسيا الوسطى والإرهاب لمجموعة من المطبوعات بما فيها صحيفة «واشنطن بوست»، و«سي تي سي سنتينل»، و«جينز إنتلجنس ريفيو»، وشمجلة الدراسات الليبية»، و«ستراتيجيك إنسايتس»، و«تيروريزم مونيتور».
«الراي» تنشر هذه الدراسة المهمة على حلقتين لما تتضمنه من تجرية رائدة للمملكة العربية السعودية في مكافحة الإرهاب.
برنامج الإرشاد لب استراتيجية الرياض لإعادة التأهيل وتثقيف المتطرفين والمتعاطفين معهم من خلال نقاشات دينية مكثفة ونصائح نفسية
«حرب الأفكار»... أسلوب حديث لبناء العقل السليم
عقب موجة من الهجمات الإرهابية المميتة التي بدأت في العام 2003، أطلقت المملكة العربية السعودية حملة واسعة لمكافحة الإرهاب. ومثّل استخدام الإجراءات غير التقليدية «الليّنة» الهادفة إلى محاربة التبريرات الفكرية والأيديولوجية للتطرف جانباً أساسياً في الجهود السعودية. الهدف الرئيس لهذه الاستراتيجية منازلة ومحاربة أيديولوجيا تؤكد الحكومة السعودية أنها تستند إلى تفسيرات فاسدة ومنحرفة للإسلام. ونجم جزء كبير من زخم هذه المقاربة الليّنة عن الإقرار بأنه لا يمكن محاربة التطرف العنيف من خلال الإجراءات الأمنية التقليدية وحدها.
تتكون الاستراتيجية السعودية من ثلاثة برامج مترابطة تهدف إلى الوقاية وإعادة التأهيل وتوفير النقاهة بعد الإفراج عن المعتقلين. ومع أنه لم يمض على تطبيقها سوى أربعة أعوام، فقد أسفرت الاستراتيجية السعودية لا سيما برنامجي إعادة التأهيل ومكافحة التطرف عن نتائج إيجابية ومثيرة جداً، إذ لا تزال معدلات العودة إلى الإجرام وإعادة الاعتقال خفيضة إلى حد كبير إلى اليوم ولا تتجاوز نسبة 1- 2 في المئة تقريباً. كما تزداد شعبية برامج مشابهة تهدف إلى فك ارتباط المتشددين وأنصارهم بالتطرف، حيث يتبنى عدد من البلدان برامج مكافحة إرهاب مشابهة. فقد وضعت كل من الجزائر ومصر والأردن واليمن وسنغافورة وإندونيسيا وماليزيا برامج إعادة تأهيل وتفاعل، وقام الجيش الأميركي بالأمر نفسه في العراق من خلال برنامج «TASKFORCE 134». وبناء على ذلك، تزداد أهمية فهم الاستراتيجية السعودية، وعمليات مكافحة التطرف عموماً، في الحرب ضد التطرف الراديكالي الإسلامي العنيف.
تسعى الاستراتيجية السعودية «الليّنة» وغير المباشرة لمحاربة الإرهاب إلى معالجة العناصر الكامنة التي سهّلت ظهور التطرف، على أمل الحيلولة دون ظهور المزيد من الحركات الإسلامية المتطرفة والعنيفة. وكان الهدف الرئيس لجهود المملكة هو تعزيز شرعية النظام القائم والقضاء على المعارضة العنيفة للدولة.
وتبحث هذه الدراسة في بنية الحملة السعودية «الّلينة» لمحاربة الإرهاب ومدى تقدمها في تبديد الدعم الفكري للتطرف الإسلامي. ومع أنه لم تمض سوى بضعة أعوام على تطبيق البرنامج، فقد كان فعالاً تماماً، ولا سيما في مجال إعادة التأهيل ومكافحة النزوع إلى التطرف، إذ لم يتم إلى الآن إعادة اعتقال غالبية الأفراد الذين أُفرج عنهم بموجب برنامج الإرشاد بسبب جرائم أمنية. ومع ذلك، تقييم برامج الوقاية أكثر صعوبة، إذ ستكون ثمة حاجة إلى مزيد من الوقت لقياس مدى فعاليتها بدقة. وإضافة إلى برامج محاربة الإرهاب الليّنة التي تم بحثها في هذه الدراسة، فقد أطلقت المملكة مبادرات لمحاربة التطرف من خلال شبكة الإنترنت، وشكّلت محكمة خاصة لمحاكمة المشتبه في تورطهم في الأعمال الإرهابية. كما سبق للملكة أن نفّذت برامج لإعادة تدريب المدرسين والأئمة وإقصاء المشبوهين منهم.
وتزداد برامج إعادة التأهيل ومحاربة التطرف عدداً وشعبية في أنحاء العالم كافة. وتعد الجزائر ومصر والأردن واليمن وسنغافورة وماليزيا من بين البلدان التي نفذت برامج مشابهة لفك ارتباط الإسلاميين المتشددين والمتعاطفين معهم بالإرهاب. كما تتبنى بعض الحكومات الغربية أيضاً برامج إعادة التأهيل، بما في ذلك الجيش الأميركي من خلال برنامج «Taskforce 134» في العراق. وقد تأثرت البرامج الأخرى، بشكل مباشر أوغير مباشر، بالتجربة السعودية التي تتوافر على أفضل برنامج إعادة تأهيل من حيث التمويل والاستمرارية. ويعتبر فهم البرنامج السعودي مهماً لجهة التبصّر الذي يوفره في مجال مكافحة التطرف عموماً، إضافة إلى البرامج العديدة الأخرى التي تنفذها بلدان أخرى.
إطار البرنامج
تُطل حكومة المملكة العربية السعودية على الصراع ضد التطرف العنيف بوصفه جزءاً من «حرب أفكار» تتمحور على مسائل الشرعية والسلطة وما هو مباح في الإسلام. ولتحقيق النصر تكافح الحكومة لدمغ المتطرفين بالافتقار إلى الشرعية لأنهم شوّهوا الإسلام الصحيح. كما تؤطر الحكومة المسألة في سياق يتمحور على مفهومي السلطة وفهم العقيدة الدينية، وتجادل في أن المتطرفين يفتقرون إلى المفهومين معاً. وتشدد الحكومة على أن الأيديولوجيا الشريرة هي التي ضللت المتطرفين الذين تعتبر الكثيرين منهم أشخاصاً من ذوي النوايا الحسنة كانوا يبغون القيام بأعمال الخير. ومن خلال هذا التركيز على السلطة وعلى فهم العقيدة الدينية تطمح الدولة إلى مساعدة المؤمنين المضللين على العودة إلى الفهم الصحيح للإسلام. وتتماهى هذه الاستراتيجية جيداً مع المفهوم السعودي للدعوة الدينية بوصفه واجباً حكومياً.
تشكّل الرسالة التي تقول إنه من غير المسموح استخدام العنف في داخل المملكة لإحداث تغيير محور الاستراتيجية السعودية. وتجادل الحكومة في أن العلماء الحقيقيين والسلطات المطلعة فقط هم القادرون على المشاركة في أنشطة محددة كإجازة ممارسة الجهاد المباح.
«حرب الأفكار» في السعودية تنبثق كذلك من الإقرار بأنه لا يمكن إلحاق الهزيمة بالتطرف الراديكالي الإسلامي العنيف بالوسائل الأمنية التقليدية وحدها. وقد أسفر ذلك الإقرار عن تطبيق السياسات الليّنة لمكافحة الإرهاب التي ستبحثها هذه الدراسة. فمن ضروريات تحقيق النصر، إلحاق الهزيمة بالبنية الأيديولوجية التي تدعم العنف السياسي وتغذيه. وعلى هذا فإن الاستراتيجية السعودية تكافح لمنع بروز معتقدات التكفير، ودحض تلك الأفكار، وتشجيع إعادة تأهيل المذنبين، وترويج السياسات التي تحول دون حدوث انتكاسات. وتواجه الاستراتيجية هذه التحديات بسياسات سعودية مجربة، كالاستيعاب والرعاية والقسر.
سياسة المملكة في مكافحة الإرهاب
- استراتيجية الوقاية وإعادة التأهيل والنقاهة: تتلخص السياسة السعودية لمكافحة التطرف والراديكالية في خطة أُطلق عليها «استراتيجية الوقاية وإعادة التأهيل والنقاهة». وتوجز الاستراتيجية الأهداف والتحديات التي تواجهها السلطات السعودية، كما تحدد وسائل مكافحة انتشار وجاذبية الأيديولوجيات المتطرفة.
وتتكّون الاستراتيجية من ثلاثة برامج منفصلة لكنها مترابطة، تهدف إلى ردع الأفراد عن التورط في التطرف، وتشجيع إعادة تأهيل المتطرفين والأفراد الذين يتورطون معهم، وتوفير برامج النقاهة لهم لتسهيل إعادة دمجهم في المجتمع بعد الإفراج عنهم.
- بنية الاستراتيجية وتنظيمها: قبل تحليل العناصر الثلاثة المكونة للاستراتيجية، من المفيد التوقف أمام التنظيم الأساسي للسياسات في داخل الحكومة. فوزارة الداخلية هي الهيئة الحكومية الأساسية المنوطة برعاية الأمن العام في المملكة العربية السعودية، وهي تتولى الإشراف على معظم البرامج التي سيتم بحثها في هذه الدراسة. كما تتولى الوزارة مسؤولية عدد كبير من المهمات ذات الصلة بالأمن والسلامة، بما فيها الأمن الداخلي ومكافحة الإرهاب والدفاع المدني، والتحقيقات الجنائية ومكافحة التجسس، وإدارة السجون والجوازات وأمن الحدود، وحماية البنية التحتية. ويشرف على الوزارة الأمير نايف بن عبدالعزيز الذي تسلم هذا المنصب من شقيقه الملك الراحل فهد بن عبدالعزيز في العام 1975.
ويشرف الأمير محمد بن نايف، مساعد وزير الداخلية للشؤون الأمنية، على إدارة حملة مكافحة الإرهاب. ويُعد الأمير محمد، وهو الرجل الثالث في الوزارة منذ العام 1999، مسؤولاً عن أجهزة الأمن الداخلي، بما فيها الوحدات الخاصة لمكافحة الإرهاب. وقد حظي بتقدير متزايد من جانب نظرائه في العالم منذ العام 2003 بسبب تفانيه في محاربة الإرهاب الداخلي والتطرف. وإضافة إلى قيامه بجهود تقليدية في تطبيق القانون وفرض الأمن، يشرف مكتب الأمير محمد على برامج الوقاية وإعادة التأهيل والدمج.
كما يشرف مكتب الأمير محمد على تنظيم العديد من العناصر المكونة لاستراتيجية الوقاية وإعادة التأهيل والنقاهة، إذ تطبق اللجنة الاستشارية، على سبيل المثال، برنامج الإرشاد في السجون ومحاورة المتطرفين. ويقوم مكتب آخر بتقييم الحاجات الاجتماعية والأوضاع الخاصة بالمشاركين في برنامج إعادة التأهيل وعائلاتهم للمساعدة في توفير تلك الحاجات عندما يكون الشخص مسجوناً. ومن بين أهداف المكتب تحديد المعونة المطلوبة وتوفيرها قبل أن تبرز الحاجة إليها. ويعتبر الأمير محمد تلك المعونة مهمة للمساعدة في ردع أفراد العائلة عن الميل إلى التطرف بسبب الصعوبات التي يعانونها نتيجة توقيف قريبهم. وعلاوة على ذلك، ينسق مكتب الأمير محمد نشاطات قسم خاص بمكافحة الميل إلى التطرف مكوّن من علماء اجتماع وأطباء، وعلماء نفس وأطباء نفسانيين، وخبراء إحصاء بارزين، ممن تعلموا في الغرب ويعكفون على تحليل الإرهاب عموماً. وينظر إلى عدد ونوعية الأشخاص الذين تم حشدهم للعمل على الاستراتيجية، بوصفه مؤشراً على التزام الدولة بتنفيذ التغيير في المجتمع. إضافة إلى ذلك، يتولى مكتب الأمير محمد إدارة وحدة أمن أيديولوجي ترسخ المعلومات الدينية الدقيقة والاستراتيجيات الخاصة بإضعاف التطرف. ويعمل المكتب بشكل وثيق مع كلية الملك فهد للعلوم الأمنية وأكاديمية الأمير نايف العربية للدراسات الأمنية في إعداد بعض مناهجهما الدراسية وتدريب ضباط الأمن العام.
وتُعتبر الاستراتيجية في جوهرها حملة لا مركزية لمحاربة الإرهاب والتطرف والبنى التحتية الأيديولوجية التي تدعم التطرف العنيف وتغذيه. وقد شارك عدد من الوزارات والهيئات الحكومية في هذه الاستراتيجية، بما في ذلك وزارات الشؤون الإسلامية، والأوقاف، والدعوة، والإرشاد، والتربية والتعليم، والتعليم العالي، والثقافة والإعلام، والعمل والشؤون الاجتماعية.
وفيما لا تعتبر هذه القائمة شاملة، فإنها توضح مدى عمق واتساع نطاق هذه الاستراتيجية، إذ لم تكن الدولة لتنفق مثل هذا القدر من الموارد لو لم يكن المسعى جاداً.
ومثّل تشجيع مختلف الوزارات والهيئات الحكومية للمشاركة في جهود تثقيف الجمهور ومكافحة الأيديولوجيا التي تغذي التطرف، جانباً أساسياً في الاستراتيجية السعودية، إلى الحد الذي يشجع المنافسة غير الرسمية بين هذه الهيئات. ويوفّر مكتب الأمير محمد للهيئات الحكومية الأخرى الموارد والمعلومات من خلال خطباء ومواد مكتوبة ونصائح في شأن تصميم البرنامج وتنفيذه؛ ودورات تدريب وتثقيف في شأن التطرف والفكر والسلوك المتطرفين؛ كما يشجعها على تطوير وتنفيذ برامجها الخاصة. وفي جوهر الأمر فإن الوزارة أكدت للهيئات الأخرى أنه: «إذا ما كنتم تعتقدون أن بمقدوركم الإسهام في شيء ما في الحرب على الإرهاب فنرجو أن تقوموا بذلك». وتحاجج الحكومة دوماً الوزارات والقادة البارزين بأن المعركة ضد التطرف، ولا سيما «حرب الأفكار»، ليست مسؤولية وزارة الداخلية وحدها، بل مسؤولية كل فرد في المجتمع برمته. وعلاوة على ذلك، هذا المنظور يعكس الإيمان بأن النضال لاجتثاث الدعم للتطرف، ليس صراعاً يتم خوضه بوصفه معركة أمنية فقط، بل بوصفه صراعاً يتطلب جهداً منسقاً من جهاز الدولة كله، من المدارس والمساجد إلى الإدارات المحلية والبلدية ووسائل الإعلام والجهات والمنظمات التي توفر الخدمات الاجتماعية.
وعلى سبيل المثال، بعد أن تستكمل وزارة التعليم سلسلة من الإجراءات في المدارس الابتدائية، تتجه وزارة الداخلية إلى هيئات أخرى وتقول: «هذا ما يتم القيام به في المدارس. فما الذي يمكن القيام به في وزارتكم؟». ولأنه من المفهوم أن الحكومة جعلت من استراتيجية الوقاية وإعادة التأهيل والنقاهة أولوية قصوى بالنسبة إليها، فإن الوزارات الأخرى تجد نفسها أمام تحدي القيام بواجبها عبر المبادرة بجهودها، في إطار سعيها إلى نيل الحظوة، وتطوير سبل الوصول إلى المسؤولين البارزين. وهذا النوع من المنافسة غير الرسمية لترقية الأهداف الحكومية، موجود في النظام السعودي كله وليس فقط في مجال مكافحة الإرهاب.
- جذر عناصر الاستراتيجية: يستند برنامج الإرشاد إلى العديد من التقاليد السعودية، بما في ذلك مفاهيم الاستيعاب والإقناع، وإلى سجّل من برامج إعادة تأهيل المذنبين ودمجهم، واستخدام الشخصيات الدينية في نظام السجون. ولبرنامج الإرشاد جذوره في حملة مشاركة شعبية مركّزة أطلقتها قبل بضعة أعوام وزارة الداخلية، لمعالجة أوضاع السجناء في السجون السعودية. وقد اختارت الوزارة عشرة من رجال الدين من كل محافظة لزيارة السجون والتفاعل مع السجناء. وطبقاً لما يقوله الأمير محمد، فإن الشيوخ الذين تم اختيارهم للمشاركة في البرنامج انتقدوا نظام السجون في المملكة ولم يكونوا على صلة، نسبياً، بالنظام الحاكم. وقد زادت حقيقة استقلالية «رجال الدين» ووضعيتهم بوصفهم غير موظفين لدى الحكومة، من مصداقيتهم عندما التقوا بأفراد عائلات السجناء، بعد زيارة السجون، وشاطروهم انطباعاتهم عن ظروف السجن والتفاصيل ذات الصلة بأحبائهم المسجونين. وتمكّن الشيوخ من طمأنة عائلات السجناء وتبديد الكثير من
المزاعم عن الانتهاكات والتعذيب في السجون. كما تمكنت وزارة الداخلية، من خلال هذه العملية والألفة التي ساعدت في ترسيخها لاحقاً، من إقناع عائلات السجناء بأن أقاربهم يُعاملون بشكل لائق من جانب الدولة.
يعتمد برنامج الإرشاد على هذه التجربة، وعلى سوابق أخرى، من قبيل قيام شيخ أوعالم دين بزيارة سجين أو معتقل، إذ يُعتبر الطلب إلى شخصية دينية بأن يشفع لشخص عزيز بعد اعتقاله والاستفسار عن حاله أمراً شائعاً في السعودية. فلو تم اعتقال ابن أو ابن أخ في المناطق الريفية في السعودية، فإن الطلب إلى إمام القرية بأن يزوره ويسأل عن كيفية وصوله إلى هذا الوضع يعد أمراً مقبولاً. وعموماً فإن الطلب إلى رجل دين التحدث إلى شاب مضلل له اعتباره الخاص.
غالباً ما ينخرط رجال الدين مع السجناء بوسائل أخرى أيضاً لتعزيز الإصلاح والتوبة والتقوى. وينظّم مديرو السجون، بالتعاون مع وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد، محاضرات إسلامية ودروس حفظ القرآن؛ وقد تم الإفراج مبكراً عن عدد من السجناء بعد حفظ القرآن. وإضافة إلى نشاطات الرعاية والتوجيه في السجن، أوكل مسؤولو الأمن السعوديون إلى رجال الدين مهمة «الاستجواب الفكري» للمتشددين المشتبه فيهم خلال عمليات التحقيق، من خلال الانخراط معهم في الخلافات الدينية. وتم استخدام رجال الدين بنجاح في تشجيع المتشددين الإسلاميين المشتبه فيهم على الاعتراف، أو حث الأشخاص المدعى عليهم على التعاون مع السلطات. وقد استخدمت هذه العملية قبيل عملية تفجير المجمعات السكنية في الرياض في مايو 2003، واتسع نطاق استخدامها منذ ذلك الحين. على غرار جهود إعادة التأهيل تعتمد برامج النقاهة السعودية على ثقافة برامج إعادة دمج السجناء الراسخة في البلاد، إذ يوجد عدد من البرامج والمنظمات الاجتماعية التي تستند إلى تعاليم الشريعة الإسلامية، لمساعدة المدانين على الاندماج في المجتمع بعد الخروج من السجن.
ويقوم بهذا العمل عدد من اللجان المشكلة من إدارات حكومية مختلفة، بما فيها الإدارة العامة للسجون، ووزارات العمل والشؤون الاجتماعية والشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد والصحة. كما يعمل عدد من المنظمات المتخصصة، مثل لجنة دعم السجناء وعائلاتهم واللجنة الوطنية لحماية السجناء ومن أخلي سبيلهم وعائلاتهم، ولجنة المصالحة العائلية مع السجناء والمدانين السابقين وعائلاتهم. وتقدم هذه المنظمات كلها، بعضها شعبية وبعضها الآخر شبه شعبية وبعضها مجموعات تطوعية خاصة، خدمات إعادة التأهيل والدمج الأساسية للسجناء في المملكة العربية السعودية. وهي تشرف على برامج لتسهيل الزواج (بما في ذلك تقديم دعم مؤسساتي للمساعدة في العثور على أزواج لنساء مدانات بجرائم أخلاقية)، وزيادة الخدمات الاجتماعية، ودعم عائلات السجناء الذين يعتمد عليهم عيالهم في كسب الرزق.
وتمنح بعض المبادرات الأخرى مثل «صندوق المئوية» قروضاً تتيح للسجناء المفرج عنهم بدء أعمالهم الخاصة. وغالباً ما تتعاون المنظمات الخيرية مع الحكومة في تأسيس مدارس وبرامج تدريب، لمساعدة السجناء في الحصول على وظيفة، بينما تساعد منظمات غير حكومية أخرى السجناء وعائلاتهم، عبر توفير المواد الغذائية والملابس والألعاب في شهر رمضان. وهناك برنامج آخر جدير بالإشارة هو «جائزة الأم المثالية» الذي يقدم الدعم للنساء ممن لديهن أطفال في ما يقضي أزواجهن عقوبة السجن.
الوقاية
طبقاً لما يقوله عبدالرحمن الهدلق، أحد مستشاري الأمير محمد، ثمة مئات البرامج التي تشرف عليها الحكومة، وتهدف إلى توفير الوقاية. وتشمل هذه البرامج نشاطات لتثقيف الجمهور في شأن الإسلام الراديكالي ومخاطر التطرف، إضافة إلى تحييد الميل إلى التطرف عن طريق توفير البدائل. ويهدف كثير من هذه البرامج، التي تطبق من خلال «إدارة الإرشاد» في وزارة الداخلية، إلى مواجهة التطرف من خلال تشجيع ونشر تفسير أكثر حصافة ويخلو من التكفير للعقيدة الدينية، وهي تركز على الفقه الصارم لعلماء وهيئات معترف بها. والمتطرفون أنفسهم ليسوا الجمهور الأساسي لهذه البرامج، بل الجمهور الأوسع الذي قد يتعاطف مع المتطرفين، وأولئك الذين لا يشجبون المعتقدات التي تقود إلى التطرف.
ولكي يتم كبح الميل إلى التطرف وتجنيد الشباب فيه، تم استحداث نشاطات لإشغالهم وإبعادهم عن المتطرفين. وقد بيّنت الدراسات أن الكثير من الفتية انجذبوا إلى المتطرفين خلال أوقات الفراغ التي لا تخضع إلى الرقابة، كما في وقت ما بعد المدرسة وخلال العطلات الدراسية.
وكانت عمليات تجنيد الشباب أكثر سهولة، بسبب ندرة أماكن الترفيه الاجتماعية الخاصة بالشباب السعوديين. وتدعم الحكومة الآن سلسلة من النشاطات مثل المناسبات الرياضية، وسباقات السيارات والجمال، والنزهات في الصحراء بواسطة سيارات الدفع الرباعي، لمنافسة المعسكرات الصيفية والخلوات الدينية المشكوك في أمرها التي كانت تنظّمها مراراً في السابق الجماعات المتطرفة كي يحتك الشباب بأيديولوجياتها. وقد حددت وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد النوادي الرياضية، خصوصاً، بوصفها تلعب دوراً مهماً في عرقلة تجنيد الشباب لمصلحة التطرف. وعلاوة على ذلك، أمرت وزارة التربية في يوليو من العام 2007 بمنع مسؤولي الحلقات الدراسية المتطوعين من ذوي الخلفيات المشكوك فيها، من المشاركة في المعسكرات الصيفية للحيلولة دون نشر تفسيرات «منحرفة» للإسلام.
وفي برامج وقائية أخرى، بدأت وزارة الإعلام سلسلة من المشروعات، بعضها للشباب وبعضها الآخر للكبار، مستخدمة التلفزيون والصحف ووسائل الاتصال الأخرى. وتتم إعارة الخبراء للمدارس والمساجد للحديث عن مخاطر التطرف. وعلى نحو مشابه، ترعى وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد محاضرات ودروساً في المساجد في أنحاء البلاد كلها، مستخدمة الخطباء والمواد التي يوصي بها خبراء مكافحة التطرف. كما تم تنظيم سلسلة من النقاشات والمحاضرات المسائية طيلة أيام الأسبوع في موضوعات مختلفة يتحدث فيها شيوخ مختلفون كل مساء.
برامج الوقاية في المدارس
تنظّم وزارة التربية محاضرات وبرامج في مدارس المملكة لتعليم وتحذير التلاميذ في سن مبكرة من مخاطر التطرف وآثار الإرهاب والعنف. ومن خلال الكتب والنشرات والمواد التي توزع في المناسبات، تهدف البرامج إلى تنوير آباء التلاميذ والعائلات. ووفقاً لما تقوله وزارة الداخلية، فإن خمسة أشخاص في المتوسط يقرأون المطبوعات التي توزع في المدارس، ويأخذها التلاميذ معهم إلى منازلهم. وتنظّم المدارس مسابقات في الكتابة ومنافسات فنية، يتم تشجيع التلاميذ كلهم على المشاركة فيها. ويصوّر التلاميذ في هذه التمارين موضوعات مختلفة، مثل تأثير الإرهاب على السكان ودور الجمهور في حماية البلاد من الإرهاب. وعادة ما يتم الإعلان في بداية الأسبوع عن موضوع يكون محور النشاطات المختلفة، في ما يتم في نهاية الأسبوع منح جوائز لأفضل المقالات واللوحات. وتطبق هذه البرامج، التي توصف من جانب المسؤولين السعوديين على أنها تشبه برامج التوعية الأميركية الخاصة بالمخدرات، أو حملات التشجيع على «شرب الحليب»، إلى جانب المناهج الدراسية العامة، وتنفذ بدورها في أنحاء البلاد كلها محافظة إثر محافظة. وتسعى هذه البرامج إلى تثقيف التلاميذ بمخاطر الإرهاب وتعزيز الروح الوطنية. وشملت النشاطات الأخرى نقاشات وعروضاً، مدعومة من وزارة الداخلية، في المدارس والجامعات، وجلسات خاصة تقدم فيها معلومات عن فرص التوظيف لتشجيع الشباب على الانخراط في الأجهزة الأمنية لخدمة بلدهم والمساعدة في حماية الجمهور من التطرف. وكمثال على هذا أشارت صحيفة «الرياض» في نوفمبر 2006، إلى الكيفية التي تم بها استغلال مسرحية عرضت في إحدى الكليات لترويج رسائل الاعتدال.
وفي سياق هذه الحملة الواسعة، تستمر البرامج والنشاطات في المدارس السعودية كل أسبوع. وطبقاً لبعض التقديرات الحكومية، تجري كل يوم نحو سبعة نشاطات مختلفة تهدف إلى تقليص الدعم العلني والسري للتطرف في آلاف المدارس في أنحاء المملكة كلها.
وقامت الحكومة كذلك بخطوات لمكافحة عمليات التجنيد الإرهابي في المدارس. وغالباً ما يؤكد المسؤولون السعوديون على أن أكبر مصدر للميل إلى التطرف في النظام التعليمي هم «المدرسون المنحرفون» الذين يسيئون استغلال وقتهم مع التلاميذ بمناقشة قضايا خارج المنهاج الدراسي، مثل السياسة والدين والدفاع عن المواقف المتطرفة. وقد تم تطبيق عملية مراقبة للمدرسين يتم في نهايتها إرسال المعلمين المثيرين للمشاكل إلى كلية الملك فهد للعلوم الأمنية كي تتم إعادة تدريبهم. وبعد حضور سلسلة من خمس جلسات عن التطرف والإرهاب، يتم تعيين المدرسين الذين يواصلون الخروج على المنهاج الدراسي بطرق خطيرة في مناصب إدارية بعيداً عن التلاميذ في ما يتم، على ما يبدو، طرد أولئك الذين لا يمكن إعادة تدريبهم. وكما تمت الإشارة في مواضع أخرى، يخضع المنهاج الدراسي لعملية مراجعة شملت حذف أو توضيح فقرات تجد الحكومة أنها موضع اعتراض. وقد تعرّضت عملية التنقيح إلى العرقلة بسبب مزاعم بأن بعض المواد التي حذفت خلال عملية المراجعة أعيدت من قبل آخرين يعارضون عملية تحرير المناهج. ففي أغسطس من العام 2006 ذكرت صحيفة «الوطن» أن وزارة التربية فرضت قيوداً جديدة على الرحلات المدرسية للحيلولة دون تعرض التلاميذ إلى آراء غير مصرح بها.
وشاركت المحافظات وحكومات الإمارات السعودية في هذه الحملة الواسعة. ففي إمارة عسير، تعاونت حكومة الإمارة التي كان يتولى إدارتها آنذاك الأمير خالد الفيصل، مع وزارات التربية والثقافة والإعلام ووسائل الإعلام المحلية في إصدار كتاب عما قامت به الإمارة في مجال التوعية بالمخاطر التي يمثلها الإرهاب والتطرف. وفي ديسمبر 2006 أوردت صحيفة «المدينة» أن الأمير عبدالمجيد بن عبدالعزيز، الذي كان أمير مكة آنذاك، أيد إطلاق حملة مناهضة الإرهاب في مدارس الإمارة. ونظمت وزارة التربية محاضرات ولقاءات مع ضباط أمن لمناقشة عملهم، بينما ركزت البرامج الإذاعية على البرنامج الذي استمر عاماً كاملاً. ونفذت برامج مشابهة في جيزان في سبتمبر 2006 وفي مدن الراس وحائل في ربيع العام 2007.
إضافة إلى هذه الإجراءات، قامت الدولة بعدد آخر من المحاولات اللينة لمكافحة التطرف تهدف إلى محاربة إغراء التطرف. وقد شملت هذه المحاولات خطوات عامة كإصلاح التعليم والحد من الفقر، وتعزيز مؤسسات الدولة. وأسهمت في تلك المحاولات إصلاحات النظام القضائي، وخطوة إعادة هيكلة نظام السجون. وتم بناء خمسة سجون تهدف جميعها إلى تسهيل عملية إعادة تأهيل ودمج المتطرفين والمتشددين.
حملة المعلومات العامة والاتصال
مثّلت الحملة الشاملة للمعلومات العامة والتوعية جانباً أساسيا من البرنامج الوقائي السعودي. وتهدف هذه الجهود إلى تعزيز التعاون بين الدولة والجمهور، وتسليط الضوء على الضرر الذي تسبب فيه الإرهاب والتطرف، ووضع حد لدعم الجمهور وتسامحه مع المعتقدات المتطرفة.
في أعقاب تفجيرات الرياض في العام 2003 والحملة التالية التي بدأها تنظيم «القاعدة» في شبه الجزيرة العربية وضعت الحكومة السعودية لافتات ولوحات في أنحاء الرياض تركّز على شرور الإرهاب. ولفتت اللوحات، التي علقت على المفارق والتحويلات في الطرق الرئيسة، الأنظار إلى المذابح التي سببتها الهجمات وحملت شعارات مثل: «ديننا يرفض الإرهاب» و«كلنا يقول لا للإرهاب». كانت صور الفظائع تجاور صور المؤمنين وهم يصلون داخل الحرم المكي، إضافة إلى صور التقطت من مواقع بعض الهجمات وصور أخرى لحطام سيارات مفخخة كُتب فوقها: «هل هذه هي أفعال أبناء أمتنا؟».
كانت بعض اللوحات تهدف إلى تعزيز التعاون بين الشرطة وضباط الأمن العام وبين الجمهور. وظهرت في إحداها صورة يدين متصافحتين، إحداهما لشخص يرتدي الدشداشة التقليدية والأخرى لآخر بالملابس الرسمية. كان الهدف من هذه الصورة وصور أخرى، حث الجمهور على التعاون مع رجال الأمن وإظهار أن الحكومة والشعب يعملان معاً للحفاظ على السلامة العامة. وهكذا تم دمغ المتطرفين والمتعاطفين معهم بوصفهم أغراباً لا يعملون لمصلحة الناس، بل لخدمة أجنداتهم الخاصة. وركّزت بعض الصور الأخرى على نشاطات رجال الأمن وهم يشاركون في الهجمات المفاجئة، ويتبادلون إطلاق النار مع الإرهابيين، ويحملون الضباط الذين يصابون أثناء أداء الواجب. وصوّر البعض الآخر عمال الأمن والطوارئ في موسم الحج، وهم يقدمون العون إلى الأطفال وكبار السن والمرضى من الحجاج. وسعت الصور كلها إلى نقل فكرة أن الدولة تحمي المدنيين المسلمين وتعمل من أجل مصالحهم.
وسعت الحملة كذلك إلى تسليط الضوء على التضحيات التي قدمها ضباط الأمن. فقد ظهرت في أحد الملصقات صور رجال وضباط الأمن كلهم الذين قتلوا وهم يحاربون الإرهاب، وعليها عبارة تقول: «هؤلاء الرجال قتلوا وهم يحمونكم من الإرهابيين». وتم توزيعها على نطاق واسع في أنحاء المملكة كلها ، شأنها في ذلك شأن ملصقات أخرى، وعلقت جميعها بشكل بارز في أماكن عامة.
إعادة التأهيل
يشكّل برنامج الإرشاد لب الاستراتيجية السعودية لإعادة التأهيل، وهو محاولة شاملة لإعادة تأهيل وتثقيف المتطرفين والمتعاطفين معهم، من خلال نقاشات دينية مكثفة ونصائح نفسية لفك ارتباطهم بالتطرف، ولتشجيع المتطرفين على إدانة «المعتقدات الإرهابية»، خصوصاً عقيدة التكفير. وتتم دعوة المذنبين في المجال الأمني بصرف النظر عن جرائمهم الفردية إلى المشاركة في عملية إعادة التأهيل. وعندما تستكمل العملية، فإن الأشخاص المستعدين لإدانة معتقداتهم السابقة يصبحون مؤهلين للإفراج عنهم. ويؤكد مسؤولو وزارة الداخلية على أن «الأفراد الملطخة أيديهم بالدماء» والذين يُكملون برنامج إعادة التأهيل لن يتم الإفراج عنهم بصورة مبكرة.
ولا يعتمد برنامج الإرشاد على مبدأ الثواب والعقاب، بل على فرضية الميل إلى فعل الخير، بمعنى أن الدولة لا تسعى إلى الانتقام من خلال البرنامج. وهو ينطلق من فرضية أن المشتبه فيهم تعرضوا إلى الكذب والتضليل، من جانب المتطرفين كي ينحرفوا عن الإسلام الحقيقي. ويؤكد مسؤولو الأمن السعوديون أن المتطرفين يؤثرون سلباً على الأشخاص الذين يرغبون في معرفة المزيد عن دينهم، ومن ثم يفسدونهم من خلال احتكاكهم بأيديولوجياتهم المتطرفة. ويُعد التلاعب بالسذج بمن فيهم أولئك الذين يتوقون لأن يصبحوا أكثر ورعاً موضوعاً متكرراً في برامج مكافحة الإرهاب السعودية. وتؤكد الحكومة للمحتجزين وعائلاتهم، بشكل متكرر، أنها ترغب في مساعدة سجناء القضايا الأمنية في العودة إلى الطريق القويم. لذا يقدم الإرشاد بوصفه مساعدة لضحايا الميل إلى التطرف لا عقوبة للمخالفين.
تنظيم برنامج الإرشاد
يقدم برنامج الإرشاد من قبل مجموعة تسمى «اللجنة الاستشارية» في وزارة الداخلية برئاسة الأمير محمد بن نايف. الرياض هي المقر الرئيس للجنة، ولها ممثلون دائمون في سبع مدن كبرى. ويقوم أعضاؤها بزيارة السجون في أنحاء البلاد ويلتقون مع المحتجزين فيها. وتتكّون اللجنة من أربع لجان فرعية هي: اللجنة الدينية الفرعية، واللجنة النفسية والاجتماعية الفرعية، واللجنة الأمنية الفرعية، واللجنة الإعلامية الفرعية.
اللجنة الدينية الفرعية هي أكبر اللجان، وتتألف من 150 من رجال الدين والعلماء والأساتذة الجامعيين، وهي تشارك بشكل مباشر في الحوارات مع السجناء، إضافة إلى النقاشات الدينية والتعليمات التي تشكّل العملية الإرشادية. وتتم مفاتحة رجال الدين بشكل شخصي ويسألون عما إذا كانوا يرغبون في المشاركة في نشاطات اللجنة ولقاء المحتجزين. ويعد أسلوب الاتصال واحداً من أهم العوامل في اختيار أعضاء اللجنة الفرعية. وعندما يلتقي رجل الدين مع المحتجز، فلا ينبغي له أن يلقي عليه محاضرة، بل أن يدخل في حوار معه. وأحد المعايير
المستخدمة في تقييم أسلوب الاتصال هو ما إذا كان العالم يتحدث إلى المحتجز بوصفه «أخاه»، وما إذا كان دافعه الحب والعطف والرغبة في تقديم العون إليه. ولم تتم دعوة عدد من أعضاء اللجنة الفرعية إلى العمل مع المحتجزين من جديد بعد أن اتضح أن أسلوبهم لم يكن مشجعاً للحوار. وعلاوة على ذلك، يتم اختيار رجل دين للتحدث مع المحتجز إذا لم ينجح أحد أعضاء اللجنة في جذبه.
ولأن هناك عدداً كبيراً من علماء الدين في المملكة العربية السعودية تستطيع اللجنة اجتذاب مجموعة كبيرة من المشاركين. واستناداً إلى مقابلات مع مسؤولين سعوديين، تمكن العلماء المشاركون من التعرف إلى الخطر الذي يمثله «الفهم الفاسد» و«التفسير الخاطئ للعقيدة الصحيحة» على الدين والدولة، ولذا فهم يندفعون إلى المساعدة في توجيه الشباب على العودة إلى جادة الصواب.
لا تعلن اللجنة الفرعية عن أسماء الشيوخ والعلماء المشاركين. وهناك بعض الأعضاء ممن يتحدثون علانية ويوافقون على إجراء مقابلات، غير أن معظمهم يفضلون العمل بصمت.
أما البعض الذين ينأون بأنفسهم عن الدعاية، فإنهم يفعلون ذلك لأنهم يعتقدون بأنهم منخرطون في هذا العمل لوجه الله فقط، وأن الله سيجازيهم خير الجزاء إن هم لم يسعوا إلى الحصول على الثناء. ويعمل البعض الآخر بصمت لأنهم يخشون من الانتقام العنيف، إذا ما تم الكشف عن ارتباطهم ببرنامج الإرشاد، أو لأنهم لا يرغبون في أن ينظر إليهم على أنهم يشاركون في المبادرات الحكومية. وفي غضون ذلك، يتوق بعض العلماء والأكاديميين إلى المشاركة بهدف الترويج لأنفسهم، إذ لم تطلب اللجنة الاستشارية ذلك منهم.
تتكون اللجنة النفسية والاجتماعية الفرعية من نحو 50 من علماء النفس والأطباء النفسانيين وعلماء الاجتماع والباحثين. والأعضاء مسؤولون عن تقييم الوضع الاجتماعي للسجين، وتحليل أي مشكلات نفسية يعانيها، وتقييم سلوك السجين وطواعيته خلال البرنامج.
ويشارك أعضاء هذه اللجنة في بعض اللقاءات الإرشادية والحوارية، ولا سيما في جلسات البحث الطويلة. ويتفاعل علماء الاجتماع وعلماء النفس مع المحتجزين باستمرار، ولذلك فإنهم قادرون على تقييم تقدمهم. وتقيّم هذه اللجنة كذلك، مشاركة المحتجز، في محاولة لتقرير ما إذا كانت عملية إعادة التأهيل حقيقية. ولأن كثيراً من المرشدين يعيشون أو يمضون وقتاً طويلاً مع المحتجزين، فإنهم يتعرفون عليهم بشكل جيد. ويقال إن هذا الاتصال الوثيق، إضافة إلى عمليات الاختبار النفسية والسوسيولوجية وطرق التقييم الأخرى، تساعد في تقليص عدد عمليات المراجعة الذاتية الانتهازية أو الخادعة.
كما أن اللجنة النفسية والاجتماعية الفرعية مسؤولة عن تقرير نوع الدعم الذي قد يحتاجه المحتجز وعائلته بعد الإفراج عنه، لتعويض المصاعب التي تسبب فيها سجنه وتقليص فرص تحوّل أفراد آخرين من عائلته إلى التطرف. وترغب الحكومة كذلك في التأكيد على أنها لا تسعى إلى معاقبة المحتجزين أوعائلاتهم. ويعزز هذا الموقف وجهة النظر الخيّرة تجاه البرنامج، ويعتبر جانباً حاسماً في نجاحه. وللحفاظ على إطار الرحمة وإعادة التأهيل، تحرص الحكومة على الطريقة التي تنخرط من خلالها مع أفراد عائلة المحتجز. وطبقاً لما يقوله الأمير محمد، فإن العائلة ترغب في الشعور بأن كل ما يتم القيام به هو لمصلحتها ومصلحة ابنها العزيز، وكلما ازداد انخراط العائلة في عملية إعادة التأهيل ازدادت احتمالات مشاركتها فيها.
وتعمل الحكومة السعودية جاهدة، من خلال هذا البرنامج وبرامج أخرى، على إيضاح حقيقة أن المتطرفين لا يهمهم الإنسان، وأنهم يسعون إلى استغلال الشباب لمجرد تحقيق أجنداتهم، التي غالباً ما تكون عنيفة. ومن جانب آخر تعمل الحكومة جاهدة لإظهار أنها تهتم تماماً بكل فرد، وأنها لذلك ستفعل كل ما يتطلبه الأمر لدعم ورعاية شخص ما، ويمثل هذا جانباً أساسياً من البرنامج وحجة رئيسة تستخدمها في «حرب الأفكار»