من خلال خبرته في الترجمة- التي تمتد لأكثر من ثلاثة عقود من الزمان- استرسل الدكتور طارق عبد الله فخر الدين في وصف العلل التي تكتنف مسألة الترجمة... خصوصا في المجتمعات العربية، وما تتسبب فيه هذه العلل من ضرر بليغ على الحياة بشكل عام، كما وضع- بفضل تجاربه العملية والنظرية والميدانية في هذا المجال- الحلول التي يرى فيها الخروج من هذه الأزمة التي تكبر يوما بعد يوم.هكذا جاءت محاضرة فخر الدين في محاضرة ألقاها على مسرح الدكتورة سعاد الصباح في رابطة الأدباء الكويتيين، وأدارها الكاتب بدر العيسى.والمحاضرة جاءت تحت عنوان «المترجم في عالم متغير»... واستهلها بالعبرة التي نتخذها من قوله تعالى: «وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ إِنَّ فِي ذَ?لِكَ لَآيَاتٍ لِلْعَالِمِينَ» (الروم 22)... مؤكدا أن هذه الآية تلخص الأسباب الحقيقية وراء اختلاف الألسنة واللغات.وأوضح أن الكثير اقتحم مجال الترجمة ولكنه لا يعرف أبعادها وغرضه فقط الكسب المادي، وأن الحاجة إلى الترجمة- التي تتزايد يوما بعد يوم- أسهمت في تنشيط حركتها في جميع أنحاء العالم، وتخرج الجامعات الآلاف من المترجمين، من دون أن يكونوا مؤهلين للعمل بشكل مهني وجاد، وكشف انه من خلال معايشته لهذه المسألة لاحظ أن المعنيين بتدريس مناهج الترجمة أساتذة لا يتمـــــتعون بالخبرات الميدانية والعملية الكافية.وأوضح أن الطالب الراغب في التخصص في مجال الترجمة يجب أن يكون متمكنا من اللغتين الإنكليزية والعربية، متعجبا من مرحلة الدراسات العليا التي تشترط على الدارس إتقان اللغة الإنكليزية من دون ذكر لإتقان اللغة العربية، رغم أن الترجمة تتم من خلال طرفين وثقافتين العربية والأخرى المراد ترجمتها، مؤكدا أن هذا تحيز للغة ما على حساب اللغة العربية، بسبب أحادية التوجه.وتحدث فخر الدين عن زيارته للعديد من الجامعات الأجنبية وقيامه بترجمة بعض شهادات الوفاة، وشهادات الميلاد، وشهادات الزواج، ولاحظ اهتمام أساتذة الجامعة بهذه النصوص المترجمة، نظرا لاختلافها عن الترجمات الأخرى التقليدية مثل الاتفاقيات العسكرية والاقتصادية وغيرها.رافضا أن تكون الترجمة حكرا على اللغات الأجنبية فقط مطالبا أن تجمع الترجمة جميع المعارف وأن يشترك في تدريسها أساتذة من مختلف الأقسام مثل الحقوق والإعلام والاقتصاد والمحاسبة والهندسة والطب وغير ذلك، ليتم تأهيل الطالب بشكل جيد. وتحدث المحاضر عن معهد اللغويين في لندن، متمنيا أن يكون له مثيل في العالم العربي... وعرّف مهمة المترجم بأنها «تجعل المجهول معلوما، والمعلوم سهلا ومفهوما»، وبيّن أن أخطاء المترجمين الكلاسيكيين معروفة وقد تتسبب في النزاعات بين الدول، رافضا مسألة الترجمة الحرفية، التي يقوم بها البعض والتي لا تعبر عن المعنى المقابل المقصود، كما رفض ما يقوم به المدعون أو أصحاب الشهادات الذين ليس لديهم قدرات كافية للقيام بالدور المهم في الترجمة.وكشف فخر الدين أن ضعف المترجمين يعود إلى غياب الرقابة وعدم وجود لوائح تنظم عملهم، فيما أشار إلى مخاطر الاستعانة بمكاتب الترجمة والتي تتمثل في تزوير المستندات الرسمية، من خلال ترجمة البيان بشكل مغلوط، أو استبدال محتويات المستندات بأخرى غير موجودة، أو تخريب المعلومات، منّوها إلى عدم وجود قانون في الكويت ينظم عملية الترجمة مثلما هو معمول به في الإمارات مثلا، وانتقد فخر الدين شروط الحصول على ترخيص ترجمة في الكويت، والتي لا تقام على أسس ومعايير علمية، بالإضافة إلى اعتماد المترجم في وزارة العدل، يتم بطلب شهادة جامعية بشرط أن يكون على مكتب للترجمة، من دون التدقيق في هذه الشروط، مما يؤدي إلى فوضى في سوق الترجمة، وأشار فخر الدين إلى أن الكثير من الوثائق المهمة بما فيها العقود الحيوية للدول والأفراد والشركات قد تتضمن أخطاء مكلفة تنتج عنها خسائر باهظة.كما أكد على أمر يحدث يوميا ويتعلق بأمن البلد ويتعامل معه البعض باستخفاف، وهــــذا الأمــر يتمثل في طريقة كتابة الأسماء العربية باللغة الإنكليزية، في البطاقات المدنية ورخص القيادة وجوازات السفر وخلافه، وهذه المهمة موكلة لموظف الطباعة «الطبّاع»، في مركز خدمة المواطن، ويكتب هذا «الطباّع» الاسم حسب قدراته، ومن ثم تظهر الكثير من الأخطاء لدرجة أن شخصا واحدا قد يحمل اسمين مختلفين عربيا وانكليزيا.كما عرج فخر الدين إلى الأخطاء في الترجمة التي تحدث في التحقيقات والمحاكم، وقال: «في الكويت لا يوجد الاهتمام الكافي بالترجمة وبالمخاطر الناتجة عنها»، مطالبا بالاستعانة بالمترجم الكويتي الذي رغم تميزه إلا أنه لا يستعان به لأن تكلفته أكبر، والنتيجة الاستعانة بالمترجم رخيص السعر، مع وجود الأخطاء.مذكرا بالـ500 مترجم من أبناء الكويت الذين دخلوا الكويت في فجر التحرير كمرشدين ومترجمين متطوعين مع القوات الأميركية، وضحوا بأرواحهم من أجل وطنهم.وفي ختام محاضرته دعا فخر الديــــن الجــــهات المســـــؤولة لمعالجة الخلل في الترجمة لحماية للدولة والمجتمع من المخاطر التي يظهر أثرها بعد فترة قد تبعد أو تقصر.