تتّجه الأنظار في بيروت إلى القمة العربية المرتقبة منتصف الأسبوع في عمّان بوصفها قمة «المأزق اللبناني» في المواءمة بين مقتضيات التضامن مع الشرعية العربية وموجبات الانصياع لوهج المشروع الإيراني في لحظةٍ لا مكان فيها لـ «الرمادي» نتيجة الصراع المتعاظِم في المنطقة وبلوغه مستوياتٍ متأجّجة، تشي بأن حروب الساحات المترامية تقف على شفا حربٍ شاملة.ويسود انطباعٌ بأن «الشطارة» اللبنانية في المواءمة القائمة على المزاوجة بين «الشيء وضده»، والأقرب الى ديبلوماسية الـ «لعم» لن تكون مُجْدية، بدليل أنها سبق أن تسببت بأزمة غير مسبوقة مع دول الخليج قبل نحو عام حين تلكّأت الخارجية اللبنانية في إدانةٍ صريحةٍ للتدخل الايراني في شؤون المنطقة غداة حرْق السفارة السعودية في طهران.يومها أجرتْ السعودية مراجعةً شاملة للعلاقة مع لبنان وأوقفتْ بموجبها هبة الـ 3 مليارات دولار لتسليح الجيش اللبناني، وفرَض مجلس التعاون الخليجي حظراً على سفر رعاياه الى بيروت وصَنّف «حزب الله» على أنه منظمة إرهابية، وجرى التعاطي مع الدولة اللبنانية على أنها رهينة هيْمنة الحزب كأداةٍ للمشروع الايراني في المنطقة، خصوصاً في ضوء انخراط الحزب العسكري في سورية والعراق واليمن ومسؤوليته عن شبكاتٍ أمنية في دول أخرى.واستمرّ الوضع على هذا النحو البالغ التأزم بين لبنان والشرعية العربية الى حين انتخاب العماد ميشال عون رئيساً للجمهورية في إطار تسويةٍ أعادت الرئيس سعد الحريري إلى السرايا الحكومية، وهو التطوّر الذي كسر المأزق السياسي - الدستوري في لبنان بـ «ضوء أخضر» سعودي - إيراني او بإدارة ظهر منهما، في محاولةٍ لتجنُّب انهيار الدولة بعد نحو 30 شهراً من الفراغ الرئاسي.وأَمْلتْ مقتضيات التسوية إطلالة عون بـ «خطاب قسَمٍ» أرضى السعودية ولم يُغْضِب إيران وأَطلقَ تَنافُساً بين المعسكريْن على احتضان العهد الجديد. ومَن يرصد تواريخ زيارة المسؤولين السعوديين والإيرانيين (لبيروت) و«تَعاقُبها» يدرك أن الرياض فتحتْ الباب أمام العهد لتطبيع العلاقة مع لبنان وأن طهران ضغطتْ لإبقائه في «بيت الطاعة».وبدا أن ما كسبَه عون في زيارة «العلاقات العامة» للسعودية وقطر خسره بـ «سطرٍ واحد» في تصريحاتٍ أطلقها خلال زيارته مصر وأضفى من خلالها «شرعية» على سلاح «حزب الله» حين اعتبره غير متناقض مع مشروع الدولة ويكمل مهمة الجيش اللبناني الذي لا يتمتّع بقدرة كافية، وهو الأمر الذي فاجأ الداخل والخارج على حد سواء.وفي الوقت الذي تلقّف الأمين العام لـ «حزب الله» السيد حسن نصرالله «الموقف الشجاع» لرئيس الجمهورية، استخدَم المنصة عيْنها ليطلق هجوماً عنيفاً على المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات ويتوعّد اسرائيل، في اندفاعةٍ عكستْ يومها حدّة المواجهة الإيرانية - الأميركية وسط كلامٍ كبير عن احتمالاتِ حربٍ في المنطقة.ومن هنا، فإذا أردتَ معرفة ما ينتظر لبنان في قمة عمّان، يصبح من الضروري معاودة التذكير بالارتدادات القاسية التي كانت تَسبّبتْ بها تصريحات رئيس الجمهورية، وتجلّت في «غضب دولي» عبّر عنه يومها «الاجتماع السري» لسفراء دول مجموعة أصدقاء لبنان الذين رأوا في موقف عون خروجاً عن مندرجات القرار 1701، اضافة الى عودة الفتور الى العلاقة اللبنانية - الخليجية وتَرنُّحها من جديد.ويدرك لبنان الآن وهو في الطريق الى قمة عمّان ان هامش المواءمة - المناورة يضيق أمامه نتيجة متغيّراتٍ يصعب تجاهُلها، وأهمها:• أن القمّة تنعقد تحت مرمى أنظار إدارة دونالد ترامب التي بدت حاسمة في اعتبارها إيران «الراعي الاول للإرهاب»، وعلى مرمى العين من هبوط «المارينز» في سورية على تخوم الرقة.• تَزايُد التشدد الخليجي حيال نفوذ إيران وأذرعها في المنطقة على وهج تَبدُّل السلوك الأميركي مع رحيل باراك أوباما ومجيء دونالد ترامب. وليس أدلّ على ذلك مما يجري في اليمن وسورية.• تَبلُّغ لبنان من أعلى المستويات أن قرار الحرب في اسرائيل وُضع على الطاولة، وأن على بيروت التحوّط في سياساتها وإبلاغ «مَن يعنيهم الأمر» الحاجة الى خفْض مستويات التوتر.• إشاراتٌ ذات دلالات، منها اعتقال الولايات المتحدة «الذراع المالي» لـ «حزب الله» قاسم تاج الدين و«تغريم» الجامعة الأميركية في بيروت 700 ألف دولار بعد اتّهامها بالتعاون مع «حزب الله».وسط هذا المناخ كثرت التساؤلات عن طبيعة الموقف الذي سيعلنه لبنان على المنبر وفي المحادثات الثنائية خلال قمة عمّان وتحديداً حيال إدانة التدخل الإيراني في شؤون دول المنطقة، وعما إذا كان سيختار التضامن العربي أم التحفظ بذريعة النأي بالنفس، وما الذي سيقال عن الأدوار الخارجية لـ «حزب الله».وثمة معلومات تحدّثت في هذا السياق عن ان لبنان، الذي سيتمثّل بوفد يضمّ الرئيس ميشال عون ورئيس الحكومة سعد الحريري ووزير الخارجية جبران باسيل، سعى الى استباق القمة بالطلب من مصر والأردن لعب دور الوساطة لإقناع الآخرين بـ «حراجة الوضع» في لبنان.