حظيت رواية «النجدي» للروائي الكويتي طالب الرفاعي باهتمام خاص، من قبل النقاد والقراء... منذ صدورها عن دار ذات السلاسل وطرحها في المكتبات الكويتية والعربية، كرواية تهتم في المقام الأول بالشأن الكويتي المحلي، في مستوى تراثي مهم هو البحر، الذي يعد مصدرا حيويا ومهما في الحياة الكويتية القديمة، بالإضافة إلى ما تضمنه هذا المستوى من مسارات حضارية واجتماعية أثرت على الحياة الحديثة في الكويت بشكل عام.ونظرا لأهمية هذه الرواية وموقعها الفريد الذي احتلته منذ ظهرت فقد أقيم لها ندوة احتضنها مركز الشيخ جابر الثقافي، لتكون أول رواية تناقشفي هذا المركز الذي يعد أكبر مركز في المنطقة العربية، بأبعاده الثقافية والدلالية، فيما تصدى لمناقشة الرواية قامتان ثقافيتان كويتيتان كبيرتان هما الأستاذ الدكتور يعقوب الغنيم، والأستاذ الدكتور سليمان الشطي، وأدار المحاضرة قامة ثقافية كويتية مهمة لها وجودها المؤثر على مختلف الأصعدة الثقافية، وهي تخص الكاتب الدكتور علي العنزي، وعلى مستوى الحضور فقد كان متميزا في شخصياته التي تعتبر نخبوية إلى حد بعيد، ولمعظمها أثره الواضح في الحياة الثقافية والفنية، كما حضر بعض من أفراد أسرة النوخذة علي النجدي «رحمه الله» وهو بطل الرواية ومحورها الرئيسي.وأشار العنزي في تقديمه للندوة إلى الفرصة القيمة التي جعلت هذا الندوة تقام على ضفاف السيف وفي مركز الشيخ جابر الثقافي للحديث عن النوخذة علي النجدي، مؤكدا أن رواية طالب الرفاعي هي أول رواية تتحدث عن البحر بصورة مثالية غير مسبوقة.وأعطى في استهلال الندوة خيط الحديث لمؤلف الرواية طالب الرفاعي الذي أشار إلى الظروف والأسباب التي ساهمت في تأليفه لهذه الرواية المغايرة لكل ما كتبه خلال السنوات الماضية، فبينما كان يكتب عن مواضيع تتعلق بالعلاقة بين الرجل والمرأة والأمور الإنسانية والعمالة الوافدة والمهمشين، واسمه غالبا ما كان موجودا بصيغته الحقيقية بالإضافة إلى أسماء بعض أهله وأصدقائه، ففي هذه الرواية يكتب عن شخصية علي النجدي، والتي بدأت معرفته به من خلال اطلاعه على كتاب «أبناء السندباد»، ونتيجة لإعجابه بهذه الشخصية تولدت الفكرة في تناولها بعمل روائي، وهو الرجل الذي عشق البحر، ولكن موته كان مفارقة، ومن ثم بدأ في البحث عنه بشكل تفصيلي من خلال الاطلاع على المراجع والكتب والحديث مع بعض أهله، وفي الإنترنت، وحينما تجمعت مادة الرواية جعل علي النجدي هو من يتحدث عن نفسه فيها.وقال الرفاعي: «أنا أنظر إلى الغد وأتجاهل النظر إلى الماضي، فلم تكن حياتي سهلة، وبالتالي ليست علاقتي حميمة بالتاريخ، لذا كانت المهمة ليست بالسهلة في وضع السياق التاريخي في سياق روائي... ومن ثم أخذت كتابة الرواية مني أكثر من سنة وأعدت صياغتها أكثر من 17 مرة، ثم قدمتها لدار السلاسل، ووجدت أنها لاقت قبولا من قبل النقاد والقراء على حد سواء».وتطرق الغنيم في حديثه عن الرواية لكتاب «أبناء السندباد»، لمؤلفه البحار الأسترالي ألن فاليرز، والذي شارك في حياة البحارة، والكتاب طبع في وزارة الإعلام، ثم صدرت منه طبعتان عن مركز البحوث وجاء مرافقا له ملحق احتوى صورا تعد من أهم ما هو موجود في التراث البحري، فهذا البحار الأسترالي هو الوحيد الذي جمع هذه الصور، وذكر الكتاب شخصية النجدي، من خلال صفاته الحسنة.وأشار الغنيم إلى رواية «النجدي» التي يراها عملا رائعا لا يتقنه إلا كبار الروائيين، متمنيا أن تجد هذه الرواية مجالا أوسع كي يطلع عليها أكبر قدر من القراء، متمنيا من المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب طباعتها ونشرها على نطاق واسع في مختلف الدول ليعرفها العالم بأثره، لأنها تتطرق إلى عالم البحر في الكويت، محذرا بأن التأخير في عدم نشر هذه الرواية غير مقبول.وأفاض الشطي في حديثه عن الرواية من خلال ومضات مهمة، أو ما أطلق عليها ملاحظات كتبها من وحي قراءته الأولى للرواية، موضحا أنه قرأ الرواية للمتعة فقط ولم يكن في نيته الكتابة عنها، إلا أنه كتب ملاحظاته حينما عرف أنه مشارك في هذه الندوة مع الغنيم... مشيرا في أولى ملاحظاته إلى أن الرفاعي تمكن من لبس قناع النوخذة علي النجدي وذلك لأن الكتابة عن شخصية تاريخية محفوفة بالمخاطر وليست بالأمر السهل، لذا كان من الضروري دخول الروائي في عمق الشخصية، لذا حاول الرفاعي لبس قناع النجدي، ما جعل من الرواية تجربة مهمة لمؤلفها.ثم تحدث الشطي عن العنونة في الرواية، مؤكدا أن عنوان الرواية هو الأساس، مشيرا إلى أن «النجدي» يشير إلى المكان والذي يدل على البداوة... التي هي مفتتح لرحلة مستمرة من خلال إطلاق سفينة الصحراء على «الجمل» رمز الصحراء والبداوة، ثم انطلقت الرحلة إلى سفينة النجدي، كي تظهر المفارقة بين البداوة والصحراء وبين البحر، ثم قرأ الشطي مقتطفات من الرواية، والتي تشير إلى ما التزم به الرفاعي من مدلولات متميزة في متن روايته، وأوضح الشطي أن كل الروايات تقوم على المفارقة، وفي «النجدي» كانت المفارقة في موت البطل الذي عرف البحر إلا أنه مات ميتة بسيطة، وقال: «الاقتراب من شخصية النجدي محفوفة بالمخاطر».فيما أشار الشطي إلى الفرق بين كتابة المؤرخ للأحداث وكتابة المؤلف الروائي من خلال الوصف والتصوير، واعتماد الروائي أكثر على التصوير فيما يعتمد المؤرخ على الوصف.ومن ثم قدم الحضور مداخلاتهم التي أثرت الندوة خصوصا ما ذكره ناصر النجدي- حفيد بطل الرواية- وسعادته بأن يتناول الرفاعي سيرة جده، واقتربت العبرة من نفسه وهو يتحدث عن صفات جده ومواقفه الإنسانية وحبه وارتباطه بأسرته.