لم يعد «المزاج الهادئ» في جنوب لبنان على ما يرام. فالربيع الآتي يزهر مخاوف مبكّرة ربما تؤشر الى صيفٍ لاهب. وفائض الاسترخاء الذي تنعم به أرض الـ 1701 المحروسة بالقبّعات الزرق يخفي قلقاً كـ «الهواء» تشعر به من دون ان تراه، وكأن هذا الجنوب الذي استراح طويلاً عائدٌ الى «الوظيفة» التي غالباً ما اقتيد اليها رغماً عن أنفه، ومعه هذه المرة... كل لبنان.فـ «الجنوب» الذي غادرتْه الحرب في اغسطس 2006، وانتقل بعدها الى أزقة بيروت وتخوم الجبل، ثم امتدّ الى الشمال والشرق قبل ان يصبح «جبهاتٍ» على مدّ النظر في ساحات سورية ومدن العراق وأصقاع اليمن، ربما يعود الى «جنوبه» في لحظةِ انعطافاتٍ حادة يشهدها الاقليم المترنّح فوق الفوهات والخناجر، وعلى وقع دوارٍ يصيب «رأس» العالم المسكون بالرئيس، الذي لا يُتوقّع، دونالد ترامب.لم يكن بلغ الإنذار الاميركي المبكر مسامع إيران حتى بدا وكأن «الجبهة النائمة» في جنوب لبنان عادتْ الى دائرة الضوء سريعاً. فالأمين العام لـ «حزب الله» السيد حسن نصرالله خرَج عبر «مكبرات الصوت» متوعّداً، ومقاتلوه نفذوا ما يشبه إعادة انتشار مع عودة المئات من المحاور الأقل سخونة في سورية، وسط أسئلةٍ عن... مَن يريد الحرب، ولأي أهداف، وبأيّ أثمان ولماذا؟ثمة مقاربتان رافقتا قرقعة السلاح، واحدة تحدّثت عن «لحظة مؤاتية» انتظرتْها اسرائيل للقضاء على الخطر الاستراتيجي الذي يمثّله «حزب الله» وترسانته وما تحويه من أسلحة كاسرة للتوازن، وثانية ترى ان «حزب الله» الذي يقاتل بالنيابة عن إيران قد يَستدرج اسرائيل الى حربٍ بتوقيتٍ يتيح لطهران فرْض وقائع جديدة تسمح لها بحفظ مكتسباتها في المنطقة، وربما ايضاً لحساباتٍ ترتبط بالداخل الايراني عيْنه في لعبة «القط والفأر» بين الاصلاحيين والمتشدّدين.أنصار المقاربة الاولى يجزمون بأن اشتعال التكهنات حيال الحرب المحتملة مردّه الى تَبلُّغ «حزب الله» من دوائر عربية رفيعة معلومةً مصدرها جهاز استخباراتي بأن تحضيرات تجري لشنّ اسرائيل حرباً على «حزب الله» بضوء أخضر من إدارة ترامب، مستفيدةً من العداء المستحكم للحزب في البيئتين اللبنانية والعربية بعد تَحوُّله ذراعاً ايرانية وتَورُّطه في حروب سورية والعراق واليمن، ملاحظين بلوغ العلاقات العربية - الأميركية «شهر عسل» بعد أفول سياسة مهادنة إيران مع رحيل باراك أوباما عن البيت الأبيض.ويتوقف هؤلاء أمام مؤشراتٍ عدة ترجّح خيار الحرب من دون ان تجزم بنشوبها، كاعتبار ترامب وإدارته ايران «دولة راعية للارهاب»، ومباشرة اسرائيل نقل الأمونيا من حيفا والكلام الكثير عن الخطر الذي تشكله صواريخ «حزب الله» على الملاحة التجارية وسفنها في معرض تهيئة المناخ للحرب وخصوصاً ان هذا الأمر يشكّل خطاً أحمر لا يتسامح المجتمع الدولي مع تجاوزه.وفي تقدير هؤلاء ان «حزب الله» خلص في قراءته لهذه الوقائع الى التعاطي مع احتمالات الحرب على انها قائمة وإن لم تكن حاسمة، اي أنها أقرب الى فرضية جدية، مما دفع نصرالله الى استخدام ما أمكن من قدراتٍ في الحرب النفسية التي يتقنها في محاولةٍ للجْم اندفاعة اسرائيل في اتجاه حربٍ يريد تجنّبها لإداركه انها ستكون على طريقة «يا قاتل يا مقتول»، خصوصاً في ظل الانتشار المترامي لقدرات الحزب في ساحات عدة.أما أنصار المقاربة الثانية، فيرون في قرْع «حزب الله» طبول الحرب محاولة للردّ على السلوك الأميركي الجديد تجاه ايران عبر إيحائه بأنه قادر على قلْب الطاولة في المنطقة من خلال جرّها الى حربٍ لا تريدها اسرائيل التي خرجتْ من تجربة الـ2006 بحدود هادئة مع لبنان لم تنعم بها منذ عقود، ولا تريدها الولايات المتحدة التي يمكنها المضي قدماً في «الحرب الناعمة» ضد ايران و«حزب الله» عبر المزيد من العقوبات القاسية.وثمة تقديرات لهؤلاء بأن الادارة الاميركية الجديدة التي قامت بعمليات استطلاع عن قُرب، بواسطة الديبلوماسيين والجنرالات، للواقع اللبناني، تدرك حجم التحديات التي يعانيها لبنان، والناجمة عن قوة تأثير «حزب الله» على مجريات الأحداث فيه، وتالياً لن تجازف بتعريضه لحربٍ كارثية عبر إطلاق يد اسرائيل، لكنها تخشى في الوقت عيْنه من استدراج إيران لحرب ستكون أكلافها باهظة على لبنان.وربما لهذا السبب قد تفرض الولايات المتحدة المزيد من العقوبات على لبنان، نظراً الى بروز «حزب الله» في لبنان وإلى جانب إيران في سورية وفق ما أوردت صحيفة «وول ستريت جورنال» في تقرير لها الى أن ليس ثمة بلداً بأهمية لبنان بالنسبة إلى النفوذ الاقليمي لايران، بفعل الدور الذي يضطلع به «حزب الله».واذ اشارت الصحيفة الى «أن الحزب مدرج على لائحة الإرهاب الأميركية، لكنه جزء مهم من الحكومة اللبنانية»، نقلت عن حاكم مصرف لبنان رياض سلامة أنه لم يتلق أي اتصال من الإدارة الأميركية الجديدة،مضيفاً أن لبنان أقر كل التشريعات المصرفية التي طلبتها واشنطن، وأقام رقابة صارمة للتأكد أن أياً من حزب الله أو إيران لا ينتهك النظام المصرفي اللبناني حيث 65 في المئة من الودائع هي بالدولار.وأضاف سلامة ان «السياسة العامة التي نتبعها ترمي إلى ابقاء لبنان مندمجاً في النظام المصرفي العالمي. ونحن نطبق القوانين المعتمدة في دول فيها مصارف مشابهة لمصارفنا أو دول نستخدم عملاتها». ولفت إلى أن «الحكومة هي ائتلاف حكومي وتمثل جميع الفصائل في البلاد، ومن الطبيعي أن تضم«حزب الله». ولكن الحكومة وافقت أيضاً على الحاجة إلى أن تكون مطواعة دولياً»، مؤكداً أن «العقوبات لن تكون مبرَّرة لأننا قمنا بما هو متناسب مع الممارسات الدولية».