إذا دخلت أي صالة تمارين لياقة بدنية (جيمنازيوم)، ستلاحظ أن معظم مرتاديها يتزاحمون حول أجهزة تمرين وإطالة وتمديد العضلات.لكن هناك أسلوبا جديدا متكاملا لممارسة التمارين الرياضية بطريقة مبتكرة في غضون دقائق قليلة، وتؤتي نتائج أكثر فعالية من كل ذلك، وبما يضمن الوصول إلى نقطة التوازن البدني المثالي، وهي الطريقة التي تعرف بـ«ذروة اللياقة البدنية»، وسبق أن أشرنا إليها بإيجاز في حلقة سابقة من «نبض العافية».في حلقة اليوم، نلقي نظرة أوسع وأشمل على تلك الطريقة التي يمكن أن تأخذ بيدك وصولا إلى «قمة العافية».«ذروة اللياقة البدنية» هو مصطلح يشير إلى تقنية ترتكز بشكل أساسي على ممارسة التمارين الرياضية عالية الحدة.ولا تستغرق تمارين «ذروة اللياقة البدنية» سوى 20 دقيقة فقط في الجلسة الواحدة. وإذا قمت بإجراء رسم لمعدل نبضات قلبك خلال الـ20 دقيقة، فستلاحظ أنه يرتفع 8 مرات. ومن بين تلك الدقائق الـ20، لا تمارس التمارين الرياضية بحدة سوى لمدة 4 دقائق فقط. لكنها دقائق عالية الحدة فعلا.فكرة ومفهوم «ذروة اللياقة البدنية» تم استلهامها قبل بضعة سنوات من التجربة الشخصية لمريض أميركي يدعى جيف جي كان يبلغ من العمر 39 عامًا وكان مصابا بحالة نادرة تعرف بـ «مرض كوشينغ». بسبب ذلك المرض النادر، كانت غدة «جيف النخامية تفرز كميات مفرطة من الهورمونات المحفزة للغدة الكظرية، وكان من الممكن أن يموت في أي وقت من فرط هورمون الكورتيزول، لذا فإنه كان في حاجة إلى معالجة عاجلة.في البداية ذهب جيف إلى مستشفى جامعة شيكاغو لاستئصال ورم نخامي جراحياً. لكن للأسف ظهرت عليه مضاعفات بسبب التخدير أثناء الجراحة. وكنتيجة لتلك المضاعفات، أصيب بشلل نصفي من خصره ونزولا، ولم تعد ساقاه تتحركان.لكن سوء حظ جيف لم يتوقف عند ذلك الحد، بل ان الجراحين قطعوا عصبه البصري بالخطأ خلال الجراحة فأصيب بالعمى أيضا! كانت تلك مأساة كاملة. لكن ما أبهر اخصائي العلاج الطبيعي الذي لجأ اليه جيف لاحقاً، هو أنه رغم كونه أعمى ومشلولًا نصفيا، فإنه كان يتمتع بصحة ولياقة بدنية عالية نسبيا بفضل مواظبته على ممارسة التمارين الرياضية بالقسم العلوي من جسمه في أثناء جلوسه في كرسيه المتحرك.الفكرة الملهمة التي استخلصها اخصائي العلاج الطبيعي من ذلك كانت: بما أن جيف القعيد في كرسي نجح في أن يجد وسيلة لممارسة التمارين البدنية والمحافظة على لياقته البدنية، فمن الممكن أيضاً لأي شخص آخر أن يفعل الشيء ذاته بطريقته الفريدة الخاصة.ومنذ ذلك الحين، نشأت فكرة «ذروة اللياقة البدنية» وتطورت باستمرار على أيدي ذلك المعالج وعدد من زملائه، حتى أصبحت الآن تحظى بشهرة واسعة النطاق.ومعظم الذين يتبنون ويمارسون أسلوب «ذروة اللياقة البدنية» يلمسون فوائد بدنية وذهنية في غضون أسابيع قليلة، بما في ذلك:- زيادة مستوى وسرعة الأداء الرياضي- انخفاض في إجمالي شحوم الجسم- ازدياد ملحوظ في الكتلة العضلية- شدّ الجلد واختفاء كثير من التجاعيد- تحسُّن الطاقة الجنسيةلكن تلك ليست كل المنافع. فتمارين «ذروة اللياقة البدنية» تسهم أيضا في تحسين حساسية الأنسولين بنسبة 25 في المئة تقريبا. والواقع أن ذلك أمر بالغ الأهمية، إذ ان إعادة جسمك إلى المستوى الطبيعي من الأنسولين هو العامل الأكثر أهمية في تحسين صحتك العامة والمساعدة في وقايتك من معظم الأمراض، بما في ذلك السكري وأمراض القلب والسرطان.وفي التالي نلقي بعض الضوء على اثنتين من أبرز منافع تمارين «ذروة اللياقة البدنية»:• تنشيط هورمون النموتسهم تمارين ذروة اللياقة البدنية في تحسين افرازات هورمون النمو البشري الضرورية للصحة والقوة والنشاط، فمن الثابت علميا أنها أساسية في رفع مستوى حساسية الأنسولين، وتسريع معدل فقدان الدهون، وزيادة نمو العضلات.فعندما تصل إلى منتصف الثلاثينيات من عمرك، فإنك تدخل بيولوجيا مرحلة تباطؤ النمو الجسدي، إذ تتناقص مستوياتك من هورمون النمو تدريجيا، وهذا جزء مما يحرك عملية الشيخوخة. ولكن باستخدام تمارين ذروة اللياقة البدنية يمكنك إبطاء معدل التناقص، بل واستعادة جزء من النقص.وإلى جانب زيادة إفرازات هورمون النمو، تعزز تمارين ذروة اللياقة البدنية هورمونا آخر يسمى «العامل التغذوي العصبي المشتق من المخ» (اختصارا»BDNF»)، وهو الهورمون الحيوي المسؤول عن إبقاء مخك شابا ومنتبها ونشيطا، علاوة على أنه يحفز عملية تحويل الخلايا الجذعية إلى خلايا عصبية جديدة، كما أنه يحمي خلايا مخك من التغيرات التي تساعد في الاصابة بالشلل الرعاش والزهايمر.• زيادة الكتلة العضليةتساعد تمارين ذروة اللياقة البدنية على نمو وتقوية عضلاتك بطرق لا تستطيعها التمارين الأخرى.ففي جسمك 3 أنواع من الأنسجة العضلية، ألا وهي:- عضلات الاختلاج البطيء: وهي ألياف عضلية حمراء تمتلئ بالشعيرات الدموية والميتوكوندريا. وتمارين عضلة القلب التقليدية وتدريبات القوة تنشط وتقوي أليافك العضلية البطيئة فقط.- عضلات الاختلاج السريع: عبارة عن ألياف عضلية بيضاء تمتلئ بالأكسجين بسرعة ولكنها أسرع بخمس مرات من عضلات الاختلاج البطيء. ووحدها تمارين القوة، أو تمارين القفز، هي التي تنشط وتقوي هذه العضلات.- عضلات الاختلاج فائق السرعة: تتألف من ألياف عضلية بيضاء تحوي كمية أقل من الدم والميتوكوندريا. وهذه العضلات هي التي يستخدمها الجسم عند القيام بتمارين لاهوائية قصيرة كالركض على جهاز الجري مثلا، أو دفع زلاجة مزودة بأثقال، أو تسلق الدرج. وتمارين عضلة القلب عالية الكثافة هي التي تستخدم هذه الألياف العضلية فائقة السرعة، التي هي أسرع بـ 10 مرات من الألياف البطيئة، وهي المفتاح الأهم لإفراز هورمون النمو.ويتضح من هذا الشرح سبب كون تمارين ذروة اللياقة البدنية تمنح البدن شعورا بالعافية والصحة، إذ أنها هي التي تنشط إفراز هورمون النمو.
- طب
«ذروة اللياقة البدنية»... طريقك إلى «قمّة العافية»
08:31 م