كبدك هو أضخم عضو داخلي في جسمك، وهو يتموضع أسفل الحجاب الحاجز مباشرة أعلى القسم الأيمن من البطن، وتكون حافته السفلية محاذيةً لحافة الأضلاع في الأحوال الطبيعية، ويتراوح وزنه لدى الشخص البالغ من كيلوغرام ونصف إلى كيلوغرامين.وأي أمراض تصيب الكبد تؤثر سلبا على واحدة أو أكثر من تلك الوظائف الحيوية، وهو الأمر الذي يطلق العنان لبدء سلسلة تأثيرات تفاعلية متبادلة بين طبيعة تلك الأمراض من جهة ونمط تغذية الشخص المريض من جهة ثانية. وفي كل الأحوال، لا يتحقق التوازن الصحي إلى من خلال ضبط وتيرة تلك التفاعلات، وهو الأمر الذي نسلط الضوء عليه في التالي:تؤثِر أمراض الكبد في النمط الغذائي بشكلٍ كبير كما أنها تتأثر به، وذلك نظراً للوظائف الكثيرة المهمة التي يقوم بها ذلك العضو الحيوي. وعند تشخيص الإصابة بمرضٍ كبدي، تتمحور تساؤلات المرضى الأولى حول تأثير ذلك في نمط تغذيتهم.لكن لا يمكن لأي طبيب أن يعطي وصفةً غذائية جاهزة لجميع مرضى الكبد، إذ لا وجود في الواقع لمثل تلك الوصفة. ويعود ذلك إلى أسباب عدة، من بينها تنوع وتعقيدات الأمراض الكبدية، واختلاف مراحل تطور المرض، علاوة على احتمال تداخلات أمراض أخرى (مثل مرض السكري وأمراض القلب مثلا) مع المرض الكبدي. ومن ثم ينبغي أخذ تلك التداخلات بعين الاعتبار عند وضع برنامجٍ غذائي لمريض الكبد.وهذا يعني أن الاحتياجات والأنماط الغذائية لمرضى الكبد تختلف من حالة إلى أخرى، كما قد تتغير احتياجات المريض الواحد مع مرور الوقت وتطور حالته.في التالي نلقي الضوء على العلاقة بين أمراض الكبد والاحتياجات التغذوية المتنوعة:• الفيتامينات والمعادن:الكبد هو بمثابة المخزن الرئيسي لعناصر غذائية حيوية واستراتيجية، إذ إنه يقوم بامتصاص وتخزين فـوائض الفيتامينات والمعادن التي تكون في الدم. وعندما لا يحتوي المدخول الغذائي للشخص على كمِيات كافية من تلك العناصر، يقوم الكبد بإطلاق كمِية من تلك الفوائض المختزنة لديه في مجرى الدم.لكن للكبد قدرةٌ محدودة على معالجة واختزان الفيتامينات والمعادن، لذا، يتأذى الكبد من معالجة الكمِيات الزائدة من بعض الفيتامينات أو المعادن، وبخاصة الحديد وفيتامين A والنِياسين. وفي النهاية يقوم الكبد بالتخلص من أي كمِيات تفوق طاقته وطرحها إلى خارج الجسم، لكن تلك العملية تجهده.وعند اتِباع الشخص السليم حمية غِذائية متوازنة وصحِية، يضمن ذلك تأمين جميع احتياجات جسمه من الفيتامينات والمعادن. ورغم ذلك، يلجأ بعض الناس إلى تناول مكمِلات غذائية اصطناعية للفيتامينات أو المعادن، وذلك من باب الاحتياط أو الاستزادة. وقد تكون تلك المكملات مفيدة وغير ضارة للأصحاء، لكن ينبغي التحذير من أن أضرارها تكون أكثر بكثير من منافعها بالنسبة لمن يعانون من أمراض الكبد.لكن هناك بعض الاستثناءات لتلك القاعدة. فمرضى الركود الصفراوي، كالمصابين بتشمع الكبد الصفراوي مثلا، تتدهور لديهم وظيفة امتصاص الفيتامينات. لذا، فقد يحتاج بعض أولئك المرضى إلى مكمِلات الفيتامينات والمعادِن. وأيضا، قد يحتاج المصابون بالمرض الكبدي الكحولي المنشأ إلى هذه المكمِلات بسبب استنـزاف الكحول للعناصر الغذائية في أجسامهم.وإلى جانب ذلك، تؤدِي بعض الأمراض الكبدية إلى فرط مستويات بعض الفيتامينات والمعادن، مثلما يكون الحال في داء «ترسب الأصبغة الدموية» والذي هو مرضٌ كبدي ينجم عن فرط مستويات الحديد. وفي المقابل، هناك أمراضٌ كبدية معينة تترافق مع حدوث نقص في تراكيز الحديد، وقد يكون ذلك ناجماً عن نزفٍ داخلي، والذي يمكن أن يحصل في حالات دوالي المريء النازفة التي تنجم عن تشمع الكبد اللا معاوض.وعلى هذا الأساس، يجب اللجوء إلى طبيب لتقدير مستوى احتياج كلِ مريض من مرضى الكبد إلى الفيتامينات والمعادن في نظامه الغذائي اليومي بشكلٍ فردي، وذلك في ضوء معطيات حالته.ومن المفيد هنا التنبيه إلى أن التراكيز العالية من الحديد وفيتامين A والنِياسين يكون لها تأثيرات سامة على الكبد. لذا ينصح مرضى الكبد عادةً بعدم تناول المكمِلات الغذائية الخاصة بتلك العناصر تحديدا.وبما أن مرض تخلخل أو هشاشة العظام يشيع بين المصابين بأمراض كبدية مزمنة، فمن المفيد لهم أن يتناولوا مكمِلات الكالسيوم، لكن يجب ألا يتجاوز اجمالي الجرعات اليومية المتناولة من الكالسيوم ما بين 1000 و 2000 ملليغرام. كما يجب أن تؤخذ بالمشاركة مع مكمِلات الفيتامين D، والذي يدخل غالباً في تركيب أقراص الكالسيوم.يحتاج المرضى الذين يعانون من استسقاء البطن (والذي هو أحد مضاعفات تشمع الكبد، ويتسبب في تجمع السوائل في البطن) إلى الحدِ من كمِيات الصوديوم التي يتناولونها، حيث إن كل غرام صوديوم يتم تخزينه يؤدِي إلى تراكم 200 ميليلتر من السوائل. وكلما نقص استهلاك الصوديوم في النظام الغذائي الخاص بمريض الكبد، ازدادت قدرة جسمه على التحكم بشكل أفضل في تجمع السوائل الفائضة، حيث ينبغي ألا يزيد مدخول الصوديوم اليومي على غرام واحد، ويفضل أن يكون بحدود نصف غرام إن أمكن.• الكربوهيدرات:تتمثل وظيفة الكربوهيدرات الأساسية في تزويد الجسم بالطاقة. ويمارِس الكبد دوراً رئيسياً في عملية التمثل الغذائي للكربوهيدرات، حيث تعبر السكريات أو الكربوهيدرات قبل أن تتحول إلى طاقة إلى الكبد الذي يقرِر مصيرها، فقد يقوم بإرسالها إلى الدم مباشرةً لتزويد الجسم بشحنةٍ فورية من الطاقة، أو قد يقوم بإرسالها إلى الدِماغ أو العضلات تبعاً لطبيعة النشاط الذي يجري القيام به (نشاط ذهنِي أو عضلي)، أو قد يعمد الكبد إلى اختزان السكر لاستخدامه لاحقاً. وتعد عملية الاستقلاب هذه منهِكة للكبد حتى عندما يكون سليما.ولذلك، فإنه عندما يتناول مريض الكبد كمِياتٍ كبيرة نسبيا من السكريات، فإنه يضيف بذلك عبئاً إضافياً على كبده المريض أصلاً، وهذا ما يفسِر شعور كثيرين من مرضى الكبد بالإرهاق.لهذا السبب يجب على مريض الكبد اتِباع نظامٍ غذائي يحتوي على نحو ثلاثة أرباع النِظام الغذائي من الكربوهيدرات، وتكون معظمها من الكربوهيدرات المركّبة (أي تتألف من النشا والألياف).• البروتينات:من المفيد تناول كمِياتٍ كبيرة من البروتينات لأنها وحداتِ البناء الأساسية في بناء أعضاء الجسم وأنسجته، كما أنها تمارس دوراً مهماً في الجهاز المناعي. لكن الإكثار من البروتينات قد يأتي بتأثيرات عكسية ضارة على مصابي الأمراض الكبدية.وتكمن المشكلة في أن الكبد المريض يكون غير قادرٍ على العمل مثل الكبدِ السليم. وعندما يـثقل كاهِل الكبد المريض بكمِيات كبيرة من البروتين، فإنه يكون غير قادر على معالجتها بكفاءة، وقد يؤدِي ذلك إلى اعتلال الدِماغ الكبدي المنشأ، وهو حالةٌ من التخليط الذهني الذي قد ينتهي بالغيبوبة الكبدية. وعلاوة على ذلك، فإن النِظام الغذائي الغني بالبروتينات يزيد من نشاط إنزيمٍ «سيتوكروم بي 450» المسؤول عن استقلاب الأدوية، ويؤدِي هذا النشاط الزائد إلى تحول الأدوية إلى منتجات ثانوية تؤذي الكبد.لذا يجب ضبط كمِيات البروتين تبعاً لوزن المريض ودرجة الإصابة الكبدية. وفي الحالات المستقرة، يـنصح بتناول 0.8 غرام من البروتين مقابل كلِ كليوغرام من وزن جسم المريض.كما يستحسن للمرضى المصابين باضطرابٍ كبدي غير مستقرٍ أو تشمع (تليف) كبدي غير معاوِض أن يقلِلوا من كمِية البروتين في طعامهم لتشكل ما نسبته بين 10 و 15 في المئة من نظامهم الغذائي. ويجب أن يقتصر البروتين الذي يتناولونه على البروتين النباتي قدر المستطاع، فالبروتين الحيوانِي يحتوي على نسبٍ عالية من الأمونيا وقد يؤدِي الإكثار منه إلى إصابة مرضى الكبد باعتلالٍ دماغي، في حين أن البروتين النباتي فقير بالأمونيا ولا يؤدِي إلى تلك المضاعفة.• الدهون:الدهون هي أكثر وسائل الجسم فعالية في حفظ الطاقة، إذ يحتوي غرام واحد من الدهون على ضعفي السعرات الحرارية التي تحويها عناصر غذائيةٌ أخرى. ولهذا السبب، يؤدِي النظام الغذائي الغنِي بالدهون إلى زيادة الوزن أكثر من النِظام الغذائي الغني بالسعرات الحرارية الناتِجة عن السكريات أو البروتينات.ومن الضروري أن يقلِل مرضى الكبد مدخلاتهم من الدهون، وذلك عن طريق تجنب الأغذية الغنية بها. فالدهون الزائدة تسهم في الإصابة بتشحم الكبد أو ما يسمى طبيا بـ»التهاب الكبد الدهني غير الكحولِي». لكن المشكلة لا تنحصر في حدوث التهاب الكبد الدهني فقط، وإنما تتعداها إلى تفاقم الأمراض الكبدية. فعلى سبيل المثال، يتسارع حدوث تندب الكبد عند مرضى التهاب الكبد C المصابين بالتهاب الكبد الدهني أكثر من بقية المرضى. وبالإضافة إلى ذلك، فإن مرضى التهاب الكبد الدهني قد تحدث لديهم حالة تشمع كبدي أو فشل كبدي.وكقاعدة عامة، لا ينبغي أن يزيد ما يتناوله الفرد من السعرات الحرارية التي مصدرها دهون على الثُلث، في حين يجب ألا يزيد ذلك المعدل على العُشر عند الأشخاص البدينين والأشخاص المصابين باضطرابات كبدية مستقرة.لكن رغم أن التقليل ما أمكن من تناول الدهون هو أمرٌ مهم، فإن هناك منافع تتحقق من تناول كمِيات صغيرة من الدهون الصحِية، إذ يحتاج الجسم إلى بعض الدهون كي يتمكن من امتصاص الفيتامينات الذوابة في الدهن (مثل فيتامينات A و D و E و K)، وهي الفيتامينات التي يكون فيها قصور لدى المصابين بأمراض كبدية من بينها تشمع الكبد الصفراوي.
- طب
أمراض الكبد وأنماط التغذية ... تأثيرات مُتبادلة
09:58 م