| علي الرز |

لا شك في ان ايصال صناديق الانتخاب باراك اوباما الى رئاسة الولايات المتحدة هو في حد ذاته انتصار للشعب الاميركي والقيم الاميركية والحضارة الاميركية. هو استكمال للثورة المدنية التي اسست الامة الاميركية وصهرت بين الشعوب والقبائل التي كانت... وقدمت واستوطنت. وهو فوز جديد لـ«الامبرياليين» علينا حيث استطاع النظام خلق آليات تغيير متحضرة ونوعية كشفت زيف شعاراتنا وعصبيتنا وتعصبنا. وهو هزيمة لـ«البروباغاندا» السياسية والاعلامية التي تركز على العرق والدين وتضرب تحت الحزام في المواضيع الشخصية.
هذا في ما يتعلق بالاميركيين اذا انتخب اوباما، انما الامر مختلف في ما يتعلق بالمسلمين وبالآمال المعقودة على الرجل نفسه الذي دخلت كلمة حسين في منتصف اسمه. فالمسلمون يعتقدون انه سيكون منصفا لقضاياهم منحازا لحقوقهم كونه اسود البشرة ومن اصول مسلمة حتى لو «ذبح» نفسه في كل مهرجان انتخابي او خطاب وهو يؤكد لا اسلاميته وانتماءه الى الكنيسة.
المشكلة الدائمة في بعضنا هي الرهان على امور لا يريد الشعب الاميركي الرهان عليها، مثل اللون والدين والعرق والانتماء وشجرة العائلة. رهان صده اوباما فورا عندما قال في مؤتمر اللوبي اليهودي في اميركا «ايباك» ما لم يقله زعماء اسرائيل انفسهم عن اسرائيل... «القدس عاصمتكم الابدية. امن اسرائيل من امن اميركا. لن نعمل الا على تحقيق تفوق اسرائيل العسكري في المنطقة». فالرجل لا يغرد خارج سرب حزبه الديموقراطي وعلاقاته التاريخية بالدولة العبرية بل يذهب بعيدا في هذه العلاقات من باب عقدة النقص والمزايدة، وكم سيكون صعبا على العرب والمسلمين اكتشاف ان المحاور الاسرائيلي لاحقا قد يكون اكثر واقعية واقل تطرفا من اوباما اذا تسلم الرئاسة الاميركية... ألم يصدر كبار مسؤولي الحزب الديموقراطي بيانات توضيحية تخفف مما قاله اوباما عن القدس والمفاوضات والتسوية؟ وألم تكن تصريحات المسؤولين الاسرائيليين حول «التنازلات المؤلمة» اخف وقعا علينا من تصريحات اوباما المؤلمة؟
لكنه من اصول مسلمة وأسود؟ سيبقى بعضنا يهلل ويأمل، وسيمضي اوباما شوطه الاسرائيلي متنازلا بسبب هذا اللون وتلك الاصول. فهو «حليف» ادخل نفسه مصيدة التعهد بالتفوق في اطار انتمائه الى حزب يشكل الانحياز المطلق لاسرائيل بندا في دستوره، وكم افرغت تلك «المصيدة» سياسات اميركا في المنطقة من ابعادها الاخلاقية ومعاييرها العادلة.
يتعهد اوباما بالعمل على تفوق اسرائيل، ويقول نائبه جوزف بايدن في المناظرة مع نظيرته سارة بيلين: «اي سياسي اميركي لا يمكنه ان يدعي انه صديق لاسرائيل اكثر منا»، وتتناقض تصريحات اوباما وتصريحات مستشاريه حول الوضع في العراق والحرب على الارهاب، فهو تارة يريد ان ينسحب من كل المنطقة وطورا يريد ان يقصف باكستان، ولم نسمع منه اي موقف يتعلق بمستقبل الحريات وحقوق الانسان والانظمة القمعية ودعم قيام مجتمع مدني عربي واسلامي لا تقوده عصبيات ولا ديكتاتوريات ولا الفوضى، اللهم الا اذا كان اخطأ في قراءة عنوان شعار الادارة في السنوات السابقة فخلط بين هدف نبيل اسمه «تعميم الديموقراطية» وبين تطبيق سيئ غبي لهذا الهدف ببنادق المارينز والصواريخ «الذكية» والسياسات الحمقاء... فألغى الفكرة نهائيا معتبرا، كما غالبية السياسيين الاميركيين، ان حصول الاسوأ فالاسوأ فالاسوأ في مجتمعات مثل مجتمعاتنا كفيل بجعل الشعوب تتقبل فكرة التغيير وكفيل بخفض الفاتورة الاميركية.
طبعا ماكين ليس اقل حماسة لاسرائيل من اوباما، لكنه اوضح منه ولا يعاني من عقد نقص وليس مضطرا للتطرف في هذا الملف ليثبت ولاء شكك فيه الاصل او العرق. يقول ما يريد من دون تردد. يتابع سياسة مكشوفة تجاه الصراع العربي - الاسرائيلي والحرب على الارهاب يمكن للعرب والمسلمين ان يتعاملوا معها من دون مفاجآت.
يبقى ان على العرب والمسلمين الذين يعتقدون انهم سيكونون جزءا من «الثورة المدنية» الاميركية الجديدة في حال انتخب اوباما ان يتذكروا ان حملته منعت ظهور محجبتين خلفه في مهرجان انتخابي.
كما يبقى على العرب والمسلمين الذين يعتقدون انهم سيكونون جزءا من حسابات الجمهوريين في حال انتخب ماكين ان يتذكروا كيف اقتربت منه سيدة في احد مهرجاناته الانتخابية وصاحت بصوت عال: «لا نثق بأوباما فهو عربي ومسلم»، فرد عليها نافيا «التهمة» عن منافسه: «لا يا سيدتي انه رجل اسرة محترم... ومواطن جيد... انه ليس كذلك... اؤكد لك». هو مواطن جيد ورجل محترم، إذاً، وليس عربيا ومسلما.
ومثلما اعتذر أوباما من الفتاتين المحجبتين بشكل خاص بعدما حجب ظهورهما خلفه بشكل عام، اوضح اعضاء من حملة ماكين لمراسلة تلفزيونية انه لم يقصد المعنى الذي قد يتبادر الى البعض.
هذا ما سيكون عليه نصيب العرب والمسلمين في افضل الاحوال. الاعتذار من باراك بن حسين... والتوضيح من ماكين.
alirooz@hotmail.com