ارتدى لبنان «الرمادي» في مراسم وداع الـ 2016... فلا أبيض ولا أسود في بلادٍ جلّ ما تفاخر به أنها ما زالت «على قيد الحياة»، تقاوم وباءً إقليمياً يفتك مِن حولها اسمه «الموت المجنون» الآخذ بالانفلاش من العراق الى سورية، ومن ليبيا الى اليمن.وبـ «الرمادي» عيْنه يلاقي لبنان الـ 2017... فلا أبيض ولا أسود في «التسويات» في بلادٍ رأسمالها «لا غالب ولا مغلوب» وجوهر وجودها «لا شرق ولا غرب» وتاريخها محكومٌ بـ «لا حرب ولا سلم»، وكأنها تقيم دائماً في... منتصف الطريق.هذه «الرمادية» تجعل بيروت في «فرحٍ كئيبٍ» مع حفلها التنكّري في وداعِ عامٍ واستقبالِ سنةٍ... «تَداوُل» الزمن صار لـ «تدوير» الأزمات وتدوير زواياها في دورانٍ لا يهدأ وغالباً ما يكون إلى الخلف وقلّما يخطو إلى الأمام.ومع الانتقال من روزنامةٍ الى أخرى، تتبدّل ملامح الزمن وطقوسه وأجياله وكائناته وتتغيّر معه بيروت، المدينة والناس والأمكنة والعمارة، فالزمن المسكون بـ «الحنين» يمضي الى زمنٍ آخر وكذلك... بيروت.أكثر ما يقلق بيروت انها تودّع سنةً تلو السنة وكأنها في «وقتٍ ضائع»، تخسر من عمرها ووهجها وعلاماتها الفارقة وأمكنتها الجميلة، ومن معالمها وأعلامها وإعلامها، من دون ان تربح إلا حماية رأسها في زمنِ تغيير الدول.تمضي السنون من دون ان تبارح بيروت عين العاصفة او تودّع حافة الهاوية او تخرج من عنق الزجاجة او تغادر مستودع الانتظار... كأن هذه المدينة التي «خدمت عسكريّتها» أتقنت فنّ «شراء الوقت».في الـ 2016 لم تكن البداية كالنهاية...في البداية كانت البلاد في «فم» فراغٍ رئاسي موروثٍ عن الـ 2014... اضطرابٌ في الحكم، موتٌ سياسي، نفاياتٌ، انكماشٌ اقتصادي، أزمةُ صحافةٍ «ورَقية»، ومؤشراتٌ متزايدة في اتجاه الانزلاق نحو... الهاوية.في النهاية، تسويةٌ بـ «تضحياتٍ ومخاطراتٍ» سياسيةٍ متبادلةٍ أَنتجت انتخاب رئيسٍ للجمهورية بعد 30 شهر فراغٍ، وتشكيل حكومةٍ ائتلافية و«كأن شيئاً لم يكن»، وسط تقديراتٍ بأن البلاد تنتقل من «ربْط نزاعٍ» بضوءٍ أخضر إقليمي الى «فكِ اشتباكٍ» مع أزمات المنطقة وحروبها.ورغم ان الحياة السياسية في بيروت كانت في «إجازةٍ قسرية» امتدّت لنحو عامين ونصف عام، فان «خواتيم» الـ 2016 أَظهرتْ مشهداً لبنانياً فائق الأهمية... برلمانٌ يجتمع، ينتخب، يُناقِش، في منطقةٍ لا تعرف إلا لغة الحديد والنار والموت والدمار، وكأنها على موعدٍ مع خرابٍ أبدي.هذه المشهدية اللبنانية على علّاتها، نجحتْ في تجنّب حربِ الهويات وتَذابُحها، وجعلتْ من حوارِ الحد الأدنى بين مكوّناتها «حزامَ أمانٍ» في زمنِ «الأحزمة الناسفة» وأهوالها، الأمر الذي حمى الاستقرار الأمني ومكّن من العبور الآمن للتسوية السياسية و... «أثمانها».