بطريقةٍ ما، شبّه بشار أسد أحداث زمن المجزرة التي ارتُكبت في حلب بالأحداث التاريخية العظيمة، ذاكراً (حرفياً) ميلاد السيد المسيح أو نزول الوحي، ومعتبراً أن الزمن كما تَوثّق بما قبل الميلاد وبعده أو بنزول الوحي وما بعده... سيَتَوثّق بسقوط حلب وما بعدها.المشكلة ليست في التنظير السخيف الذي استمرأه حاكمٌ استعان بروسيا وإيران وكل ميليشيات العالم الطائفية لقتْل شعبٍ انتفض من أجل حريّته، بل في جمهورٍ متلقٍّ نجحتْ تعبئة العقود الثلاثة الأخيرة بامتياز في ربْط عقله بالغريزة المذهبية... بعدما رُبطت تلك الغريزة بنظريات الوجود والبقاء والمصير.جمهورٌ يرى أن سقوط حلب هو انتصارٌ لمذهبه وعقيدته، بينما يرى جمهور آخر في هذا السقوط انتصاراً لمذهب الآخرين وعقيدتهم. وهذا تحديداً ما أراده المخرج والمنتج والمنفّذ الذي هيْمن على مسرح الحرب هيمنةً كاملة، وأمَرَ الجميع بتسهيل انتشار التنظيمات المتطرفة، مثل القاعدة وداعش، كمعْبر إلزامي لاستنزاف الثورة السورية وإرباك العالم بأسره.كل من صفّق، للعرعور أو الجولاني أو البغدادي او أمراء النصرة وتنظيمات الفتح وداعش، إنما كان يصفّق في الوقت عيْنه لقاسم سليماني وبشار وحزب الله وعصائب أهل الحق والحرس الثوري والمرتزقة الأفغان والباكستانيين. وكل من صفق لسيد البراميل ومجازره إنما كان يصفق في الوقت عينه للقاعدة وداعش، وكل مَن صدّق ما قاله قادة التطرف عن أن المعركة ليست إسقاط بشار فحسب بل إسقاط «الضالين» من الثوار وإسقاط مكوّنات المجتمع السوري الأخرى وأتباع المذاهب الأخرى، إنما كان يعطي صدقية لكل الأوهام والأكاذيب التي ساقها أتباع ايران لتبرير تَدخُّلهم في سورية تارةً بحجة حماية الحدود، وطوراً بحجة حماية المراقد، وثالثة لمواجهةِ ما أسموه الفكر التكفيري.مَن حوّل حلب وغير حلب الى معارك طائفية، انما خدم بشار ومَن يستخدم بشار. الموضوع لا علاقة له لا بالدين ولا بالمذهب ولا بالعقائد.القصةُ قصة هلالٍ لا يُراد له أن ينكسر في المنتصف. قصة دولةٍ لا تنفكّ تتباهى بأنها تسيطر، كما قال علي لاريجاني، على محورٍ يمتدّ من حدود الصين الى البحر المتوسط، بما في ذلك بيروت وغزة، مروراً بالشام وبغداد وبعض مناطق باكستان وأفغانستان.قصةُ دولةٍ تتباهى بأنها يمكن ان تحرّك حليفها «السني» الفلسطيني لضرب صاروخ يُشعِل حرباً قصيرة تفرض على أميركا محاورتها في بيع الأوراق وشرائها.وقصة دولةٍ تتباهى بأنها تحرّك حليفها «المسيحي» اللبناني كي يعطّل عمل المؤسسات، ثم تفرضه على رأس المعادلة معتبرةً نجاحه «انتصاراً لخط المقاومة».وقصةُ دولةٍ تلهي دول الخليج عن محاربة مخططاتها قي أماكن إقليمية، وتنقل المعركة الى اليمن متحالِفةً مع سنّة وزيديين وحوثيين اثنا عشريين.قصةُ دولةٍ تطلب من «أدواتها الحاكمة» في العراق وسورية الإفراج عن عشرات آلاف المتطرفين من السجون (وهي التي استخدمتْهم بعد حرب العراق) وتسهيل إنشاء دويلة لهم، ثم محاربتها بميليشياتٍ طائفية مذهبية، ثم تشريع هذه الميليشيات وتحويلها الى جيوش مثلما هو الحال مع التركيبة الأمنية والعسكرية لديها.وقصةُ دولةٍ تشتم «الشيطان الأكبر» ليل نهار، ثم تنتزع إعجاب باراك أوباما فيفتح الطريق أمام دورها الإقليمي، وتمدح بوتين ليل نهار وتفتح الطريق أمام دوره الإقليمي... وليس مستبعداً ان تفاوض الأميركيين لاحقاً حول تقليص دور الروس.قصة دولة استفادت من تدمير الوطنيات وضعف الوعي السياسي المحلي وعجز العرب وتواطؤ العالم.هذه قصةُ حلب وغير حلب. لم تكن المجزرة الأولى في سورية ولن تكون. وكل قراءةٍ مغايرة تعني استدراج المزيد من المحارق. ومَن يرِد ان يراها بمنظورٍ طائفي، لا إنساني او سياسي - إقليمي، فهو كمَن يصدّق بشار أسد الذي يربط بين جرائمه وبين أحداث تاريخية مثل الميلاد.بقي ان رئيس نظام البراميل تحدّث عن سقوط الاتحاد السوفياتي في جملة تنظيراته عما حدَث في حلب. منظومة «الهلال» التي تتسلّح بالإبادة كي تحمي نفسها اليوم، ليست أقوى من الاتحاد السوفياتي السابق، ومَن يحتفلون بـ «نصر» بشار أقلّ عدداً بكثير من الذين كانوا يحتفلون بـ «انتصارات» تشاوشيسكو.
مقالات
قصة حلب... الفارسية!
07:47 م