في ظل ويلات الحروب يُقتل ويُجرح ويُشرّد كثيرون، لكن أعداد الذين يتأثرون نفسياً بتلك الويلات تفوق أعداد القتلى والجرحى والمشردين، إذ إنها لا تقتصر فقط على من يوجدون في ساحات المعارك بل تتجاوزهم لتطول تأثيراتها من يعيشون في مناطق أخرى، بمن في ذلك متابعو مشاهد الحرب عبر شاشات التلفاز ووسائل الإعلام الاجتماعي.ومن بين كل المتأثرين في داخل ساحات القتال أو خارجها، تبقى فئة الأطفال هي الأكثر تضررا من الناحية النفسية، سواء كانوا في مرمى القصف أو كانوا يشاهدون افرازات الحرب عبر الشاشات.ولعل الصورة الأيقونية التي جسدت هذه المأساة هي صورة الطفل السوري عمران دقنيش الذي أبكى العالم بنظرته الشاردة بينما جلس ذاهلا من هول الصدمة بعد أن أخرجه رجال الانقاذ من بين ركام منزله الذي انهار عليه هو واخوته جراء عملية قصف همجية.وما من شك في أن هناك عشرات الآلاف من الأطفال الآخرين الذين تعرضوا إلى الصدمة النفسية ذاتها التي خاضها عمران، بل أن كثيرين منهم نجوا من الموت بعد أن شاهدوا بأعينهم أشقاءهم وهم يدفنون أحياء تحت الأنقاض خلال عمليات قصف، لتبقى تلك المشاهد كابوسا نفسيا سيبقى يطاردهم ربما إلى الأبد في يقظتهم كما في منامهم.لكن يجب علينا جميعا أن نحرص قدر المستطاع على ألا يشاهد أطفالنا مثل تلك المآسي على شاشات وسائل الإعلام، إذ إن ذلك من شأنه أن يترك فيهم تأثيرات نفسية سلبية قد لا تقل في خطورتها عن تلك التي لحقت بالأطفال الذين شهدوا وعايشوا الويلات عيانا في ساحات القصف والتراشق.فالطفل دون السابعة من عمره لا يدرك فكرة الموت بوضوح، ومن المؤكد أنه سيتأثر داخليا عندما يشاهد صور قتلى وجرحى ومبان مدمرة، وقد يدفعه هذا إلى أن يفقد مشاعر مهمة لنموه نفسيا ووجدانيا، بما في ذلك الأمان والثقة والتفاؤل والشعور بالأمان.وبالنسبة للأطفال الذين يعايشون ويلات الحرب على أرض الواقع، فإنهم يحتاجون إلى رعاية مضاعفة إذ يشعرون كأنهم ريش في مهب ريح عاصفة. فإلى جانب تشرده وعدم توافر المأوى والغذاء له، قد يفقد الطفل أحد والديه أو كليهما فيعيش في دوامة قاسية لا يقوى على فهم أسبابها أو نتائجها أو حتى ما ستؤدي اليه مستقبلا.لهذا ينبغي على كل المعنيين بالأمر أن يتخذوا الخطوات الوقائية اللازمة من أجل حماية الأطفال نفسيا من تأثيرات الحروب بشتى أشكالها.ففي منازلنا البعيدة عن ساحات الحروب، يجب علينا أن نحرص على ألا نترك أطفالنا يشاهدون مناظر القتلى والدماء والدمار عبر شاشات التلفزة ومواقع الإعلام الاجتماعي.أما في إطار جهود الإغاثة التي تحاول بعض المنظمات والوكالات الإنسانية تقديمها إلى النازحين وضحايا الحروب، يجب توفير برامج رعاية نفسية خاصة للأطفال من أجل ضمان عدم ذبول و«تشريد» مزيد من «البراعم البشرية» نفسيا، وهو الأمر الذي جسّده لنا مشهد الطفل عمران.