تدافعتْ مجموعة من «العناوين العريضة» لاحتلال الموقع الاول في صدارة الحدَث اللبناني منذ ان أطلّت على البلاد مرحلة جديدة تمثلت بانتخاب الشخصية الأكثر جدلاً منذ نحو ربع قرن، اي العماد ميشال عون رئيساً للجمهورية، في اطار تفاهماتٍ ملتبسة أبرمها مع قوى محلية متناحرة تتكئ في تحالفاتها على قوى إقليمية متصارِعة.ورغم كل «ما قيل ويقال» عن مستقبل الجمهورية مع ميشال عون الجديد، الذي لم يغادر ماضيه في اطلالاته «الحزبية» بعيد انتخابه، فإن خطبه الرسمية، من خطاب القسَم الى خطاب الاستقلال، توحي بان «حكي السرايا» لا يشبه «حكي القرايا»، وتالياً فان عون – الرئيس لن يكون بالضرورة كعون المهجوس بالسلطة وأثمان الوصول اليها.فمن التدقيق ملياً في «الوعاء الاقليمي» للطبخة الرئاسية التي أتت بالعماد عون، الى الصراع الخشن حول تشكيل حكومة العهد الاولى، ومن «الصندوق الاسود» للرسائل التي انطوى عليها عرْض «حزب الله» العسكري في القصير السورية، الى عرْض «القمصان السود» لسرايا الوزير السابق وئام وهاب في الشوف... عناوين عدة لـ «لحظة واحدة» في لبنان.لم يكن مفاجئاً مع انتخاب عون مسارعة ايران الى اعتبار الأمر انتصاراً لها ولـ «محور المقاومة» وللامين العام لـ «حزب الله» السيد حسن نصرالله وإيفاد وزير خارجيتها محمد جواد ظريف الى بيروت للتهنئة، فالرئيس المنتخَب كان مرشح «المحور» الذي قال باسم «حزب الله»: إما عون او الفراغ.المفاجأة، ربما غير المفاجئة، كانت من «الحفاوة المتبادلة» بين عون العائد الى القصر والسعودية العائدة الى لبنان، وهي حفاوة سياسية تعكس دلالات بالغة الأهمية تُظهِر في جانب منها «براعة» التسوية التي عبّرت عن نفسها بتنبي زعيم «تيار المستقبل» الرئيس سعد الحريري ترشيح عون وفتْح الطريق لانتخابه.ولم يكن عادياً إعلان مستشار الملك سلمان بن عبد العزيز الامير خالد الفيصل، ومن دارة الحريري التي استعادت وهجها السياسي، ان الرئيس عون وعد بتلبية الدعوة لزيارة السعودية بعد تشكيل الحكومة، وعلى ان تكون اول زيارة يقوم بها لدولة عربية، في إشارة الى «علاقة واعدة» بين الرئيس والرياض.وبغض النظر عن «عواطف» عون وخياراته الرئاسية «المحتملة» وهو الذي يقول انه «رجل لا يُتوقّع»، فان الخلاصة الاولية للتسوية التي نعمت بها بيروت تؤشر الى ان ايران التي تملك أوراق قوة لم تربح، وان السعودية التي تراجع نفوذها لم تخسر، وهي معادلة قد تتوالى فصولاً في لبنان.ثمة أشياء كثيرة ومهمة ستكون قيد الاختبار تحت سقف المعادلة الجديدة، ومن بينها نقاط التعايش والصدام بين مشروع عون كرئيس ما زال يفاخر بانه قاوم الميليشيات وأعلامها ودافع عن الشرعية، وبين مشروع «حزب الله»، الذي يفاخر أيضاً بأنه يملك بالعسكر والتأثير أكثر مما تملكه دول في المنطقة.ولان الشيء بالشيء يُذكر، فان الارتدادات الداخلية للعرض العسكري غير المسبوق و«الضخم»، الذي تعمّد «حزب الله» إقامته في بلدة القصير السورية المتاخمة للحدود مع لبنان ما زالت تتفاعل، خصوصاً في ضوء كلام جرى نفيه لنائب الامين العام الشيخ نعيم قاسم عن «رسائل للجميع» وان حزبه أصبح جيشاً.ورغم ميل البعض في بيروت الى اعتبار عرض القصير الذي أرادته قيادة «حزب الله» ان يكون «ضخماً» رسالةً «مبطنة» الى الداخل اللبناني في لحظة انتقالية ملتبسة، فانه سيكون من الصعب فهْم ما أراد الحزب قوله قبل ان يطلّ أمينه العام السيد نصرالله، الذي قد يفرج عن الرسائل الحقيقية التي رغب بـ «تطييرها» من على متن الدبابات والصواريخ والطائرات من دون طيار.ولم يكن مستغرباً في بيروت الربط بين العرض العسكري لـ«حزب الله» وعراضة «سرايا وهاب» نتيجة تَزامُنهما من جهة وبسبب العلاقة الوثيقة التي تربط وهاب بـ «حزب الله» من جهة ثانية، وهو ما أفضى الى تأويلات رأت فيهما رسالة استباقية لعهد الرئيس عون، الهدف منها كبح اي جنوح محتمل في خياراته قد يفيد منه خصوم النظام السوري وايران.واذ اقترن «العرض الرياضي» لـ«جيش وهاب» بجدية الرسائل التي أطلقها رئيس حزب «التوحيد العربي» الوزير السابق وئام وهاب ضدّ زعيم الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط، فان الحدَث برمّته لم يكن بمنأى عن «كاريكاتيرية» المشهد الذي شارك وهاب نفسه بإعطائه هذا الانطباع عندما أصدر الأوامر لسراياه بإسقاط طائرة استطلاع اسرائيلية اذا اقتربت من أجواء مسقطه في الجاهلية الشوفية وبـ «الكرات الرياضية».ولم يتردد البعض في بيروت في القول ان سرايا وهاب التي يُقدّر عددها بنحو 500 عنصر، وُلدت من رحم سرايا «حزب الله» وفي سياق الأهداف عيْنها، ويضمر الاعلان عنها توجيه رسائل تتجاوز رغبة وهاب في إحداث تغيير في نمط العلاقة داخل البيئة الدرزية التي نجح في استمالة بعض من مؤسستها الدينية.وفي رأي خصوم وهاب، الذي يملك شرعية الطموح نحو التغيير، ان المعادلة الحالية العصية على اي تغيير في قواعد اللعبة قد تجعله مجرد «حصان طروادة» في مواجهة جنبلاط الذي يحتاجه الجميع في لحظة التسويات... هكذا هو الآن مع الرئيس عون في تشكيل الحكومة، وهكذا سيكون الأمر غداً مع «حزب الله» عندما تدقّ ساعة التسوية في شأن قانون الانتخاب.فالعماد عون، الذي كان وهاب لصيقاً به في نضالهما المشترك من اجل التغيير، يتعامل مع جنبلاط على انه الممثل الشرعي الوحيد والمرشّح عبر مشاركته في الحكومة لإنضاج الظروف الملائمة لانطلاقة العهد، وهي الحكومة التي تشهد تدافعاً خشناً في إطار الصراع على ترسيم الأحجام على طاولتها.والأكثر إثارة في سياق هذا التدافع الذي يرتبط بالتوازنات في العهد الجديد وبـ«عدة» المعارك المقبلة، نيابية او رئاسية، ان وزارة الاشغال حوّلت عملية تشكيل الحكومة الى «أشغال شاقة» مع الصراع عليها وكأن مصير التأليف أصبح في مرماها.فـ «القوات اللبنانية» برئاسة الدكتور سمير جعجع تلقت وعداً من الرئيس عون والحريري بان تكون «الاشغال» من حصتها، فيما رئيس البرلمان نبيه بري يريدها لحركته (امل) والنائب فرنجية عيْنه عليها، وكأن «أمّ الوزارات» تشهد «أمّ المعارك».
خارجيات
رسائل تذكيرية وأشغال شاقة وصندوق أسْود وبراعة قيد الاختبار
في لبنان... إيران لم تربح والسعودية لم تخسر
08:50 م