... بجوار جزيرة هول هولي (موقع مطار ابراهيم ناصر الجوي) في المالديف، مطار بحري مدرجاته مائية لإقلاع وهبوط الطائرات البحرية.إحداها تقلك لتحلق بك مدة 45 دقيقة من الوقت فوق المحيط الهندي لتبصر من علٍ الجزر المرجانية، فواحدة تبدو وكأنها أرجل مارد ضخم، وثانية مثل فؤاد، وثالثة كالوجه الضاحك... وصولاً إلى وجهتك، منتجع PER AQUUM في جزيرة NIYAMA تهبط الطائرة البحرية، وعلى رصيف الاستقبال اصطف مديرو وموظفو المنتجع للترحيب والتمني بتمضية وقت ممتع في نياما التي تستيقظ فيها على عوالم من الأحلام.وحتى تتآلف مع المكان، كان لابد من التساؤل عن معنى نياما بلغة أهل المالديف ليجيب مدير المنتجع محمد أشرف قائلاً: معناها «... المكان الذي تقصده وتصله سالماً».ويضيف: «ان 440 موظفاً في الجزيرة من 40 دولة في العالم يسهرون على راحة النزلاء».«نياما»... المولودة جزيرة في المحيط... محاطة بزنار مرجاني يستسلم عنده زبد الأمواج، وبين المرجان والرمال الناعمة البيضاء، المياه الياقوتية الصافية التي تغريك للسباحة فيها ومشاهدة الأسماك على تنوعها.الرمال الناعمة... نعومة البودرة أو أكثر تحيط بالفيلات ذات الخمس نجوم، المطلة على البحر مباشرة والمتخفية غالبيتها بين الأشجار في آن معاً.وعلى خاصرة «نياما»... ترتفع الشاليهات الخشبية فوق الماء بشكل هندسي يسر النظر.لكل زائر الى المنتجع يخصص له «تاكورا»، أو المضيف الذي يشرف على الاهتمام بك خلال تنقلاتك، من وإلى مكان اقامتك، ويتابع برنامجك (في المطاعم، في الغوص، في الرياضة، وحجز مواعيد السبا وخلافه).وكان النصيب ان يكون الـ «تاكورا» المرافق، شاباً مصرياً يدعى سعيد ومضى على عمله في نياما قرابة 3 سنوات، ويتصرف كأنه مدير مراسم ليس في جمهورية بل في امبراطورية، وذلك انطلاقاً من التزامه بالوقت والاشراف ومتابعة كل صغيرة وكبيرة تخصك.خلال قيام (التاكورا) سعيد بنقلك على متن عربة الغولف الى الفيلا المحجوزة لك، تجد كل من يصادفك من موظفي الجزيرة (المشاة منهم أو التاكورا) أيضاً، يرحب بك ومقرناً ترحيبه بذكر اسمك، وكأن معرفة سابقة تربطه بك، وعند الاستفسار عن ذلك، أجاب سعيد «ان تعليمات المدير العام لـ (بير اكوم) محمد أشرف تقضي ان نشعر الزائر وكأنه بين أهله ومعارفه».على عتبة الفيلا تم رسم دلفين مع كلمة WELCOME، ولحظة تخطيك لبابها تجد ان يداً سبقتك الى الداخل لترسم بالورود عبارات الترحيب.قبل الخلود إلى الذات في الفيلا الاثرة رونقاً وترتيباً، والمظللة بأشجار جوز الهند، وأوراق أشجار الموز العملاقة وثمره المتدلي على الجنبات، وامتداد المحيط تحت الناظرين مروراً بحمام السباحة الخاص، كان لابد من دردشة مع مديرة العلاقات العامة في منتجع PER AQUUM NIYAMA، جوزيفين نورمان للتعرف على ما يختزنه عالم الجزيرة.بداية، تقدم نورمان نفسها على انها سويدية وأنهت دراستها الجامعية في بلدها وايضاً في مدينة لوزان السويسرية وتخرجت في إدارة الأعمال الفندقية والعلاقات العامة، وأرادت ان تكتشف الحياة خارج النمط الأوروبي لتجد ضالتها في المحيط (!)، وتذكر انها قدمت الى (هنا) لتمضية 6 أشهر فقط، لكن سحر الجزيرة ضمها الى أساريره، وها هي على وشك الانتهاء من 6 أشهر اضافية.وتقول نورمان «تعتبر الجزيرة وجهة للمتزوجين حديثاً أو الذين ينوون تمضية شهر العسل، أو حتى عقد الزفاف، وللعائلات حيث يوجد على أرضها الكثير والكثير من المساحات والزوايا التي تتمتع بخصوصية فائقة، وباستطاعة الزائر ممارسة أنشطته واستكشاف مكنوناتها الشجرية والبحرية والتواصل مع الطبيعة التي هي بمثابة الملعب الكبير وسط المحيط».وتضيف «ومن منطلق تأمين الرفاهية لكل من يطلبها وحتى ترتاح العائلات قليلاً من شيطنة صغارها، تتمتع الجزيرة بوجود نادٍ للأطفال وهو الوحيد من نوعه في المالديف، ويقبل عليه من هم في عمر 12 شهراً ولغاية 12 سنة».وخلال التجوال مع نورمان في أرجاء الجزيرة تشير الى مكان النادي المعني وتبين ان اختصاصية انكليزية تشرف على إدارته وتدعى هولي جيديس، وبالتحدث الى جيديس، قدمت نفسها على انها من سكان منطقة قريبة من لندن وتخصصت في تعليم الأطفال في بلدها بريطانيا، ومن ثم عملت في أحد أكبر مصارفها مدة 7 سنوات حتى ضاقت ذرعاً بلغة الأرقام، وتلقت عرضاً للعمل في المهنة التي تحبها، ألا وهي تعليم الأطفال وإكسابهم المهارات، وازدادت سعادتها عندما وصلت الجزيرة وغاصت في عالمهم، وحسب ما تقوله «ان الاطفال يكونون في المقام الأول للاهتمام».وتضيف جيديس الذي يؤازرها فريق عمل «ان النادي يقدم أنشطة مدهشة بما في ذلك الزيارات الى منتجع الاستشفاء في السبا، والقيام برحلات بحرية لمشاهدة الدلافين، والمشاركة في أغاني الأطفال المالديفية ورحلات الغوص للتعرف على أنواع الأسماك عن كثب، والقيام بزيارات الى الجزر المالديفية المحلية للتفاعل مع تلاميذ المدارس هناك».وبالعودة الى حديث السويدية نورمان تقول: «علاوة على وجود (تاكورا) خاص لكل زائر، وتسهيلاً لحرية الحركة، توجد دراجات هوائية كي يستخدمها الزوار في التنقل بحرية لاستكشاف الجزيرة ابتداء من مصدات الأمواج ووصولاً إلى رأسها الذي يدعى (تشيل)».وتزيد «ان الجزيرة تحوي 134 فيلا وشاليهاً، اضافة الى بوتيكات وصالونات مشيدة بين سعف أشجار نخيل جوز الهند، لتوفر لمسة فخامة ورقي للمتسوقين»، وتشير «الى وجود متنزه يدعى (اكتيف) وهو حافل بالكثير بما في ذلك منطقة الألعاب الإلكترونية المتطورة وأجهزة المحاكاة وملاعب كرة القدم والطاولة، اضافة الى شاشة عرض تقدم أفلاماً ثلاثية الأبعاد».وتتطرق الى منتجع (لايم سبا) المعدني وتقول انه «مؤلف من 6 غرف على سطح الماء وتتميز باطلالات رائعة على المحيط مباشرة، الى جانب محميتين تتمتعان بتدفقات مائية جارية وحدائق وارفة الظلال والنباتات».وتمضي نورمان «ان المنتجع الصحي يوفر برنامجاً منتظماً للراغبين في ممارسة أنشطة التعافي البدني، ومستحضرات تجميل راقية، فضلاً عن معالجات وطقوس استجمامية فريدة من نوعها تستمد أصولها من ثقافات متنوعة حول العالم، ويستطيع النزلاء ان يحصلوا على زيت جوز الهند المستخلص للتو (من حديقة توابل خاصة بالمنتجع) وهو الزيت الذي يكون دافئاً وينساب بسلاسة ونعومة على الجسد».يطول الدرس التعريفي السويدي عن الجزيرة المالديفية وصولاً الى ما هو 6 أمتار فوق مستوى الأرض وما هو 6 أمتار تحت سطح البحر.فإن ما هو مرتفع بالأمتار الستة مطعم يدعى «نيست» أو العش مشيداً بين أشجار تبيانا (المقدسة) في نظر بعض الشعوب الآسيوية، وتعتقد لدى الصعود إليه كأن طرزان سيحضر ليشاركك الطعام، فديكوره مصمم من وحي العالم الطرزاني والشباك المعلقة أعلى الأشجار تدل على ان طرازان سيستخدمها للانتقال من غصن الى آخر.ويختص (العش) بتقديم الأكلات الآسيوية على اختلافها (التبينياكي اليابانية والتايلندية والصينية والاندونيسية)، وفي أسفل (العش) يقوم طباخ التبينياكي بأداء حركات طهو اكروباتية أمام النزلاء، ليضفي على مذاق ما يقدمه مذاقاً.أما عن الأمتار الـ 6 تحت سطح البحر فيدعى (ساب 6)، ويبعد عن الجزيرة الأم (نياما) قرابة خمس دقائق ابحاراً وتصله عبر مركب وهو بمثابة ملعب تحت الماء و(مطعم ومكان لإقامة الحفلات الخاصة).ولتعيش تجربة الـ (ساب 6)، فإن الأسماك التي تبصرها من خلال الزجاج في هذا المكان تحت المائي تشعرك بعظمة الخالق في تكوينه، وتعتقد انها أتت إما لمشاركتك الطعام أو تقديمها عرضاً في سباحتها أمام ناظريك.وعن النشاطات التي تشهدها الجزيرة أيضاً تقول نورمان «بالأمس عامت بجعات بطرسبرغ في جزيرتنا»، وتوضح «ولإثراء التجربة أمام الزوار حضرت فرقة بطرسبرغ للباليه المائية الى نياما وقدمت عرضاً راقصاً لـ (البجعات) في تشكيلات أكروباتية على سطح الماء، أدهشت كل المتابعين للعرض، وغداة ذلك، حلقت البجعات عائدات الى مسقط رأسها».مع هدأة الليل في الجزيرة، سرى صوت طبول ليتضح من نورمان ان مصدرها منطقة تدعى «ترايبال»، وتقول بأنها «مستلهمة من أعماق القرى القبائلية الافريقية، ومخصصة لتقديم المأكولات، اذ يحتل قلب (ترايبال) موقداً كبيراً للشواء على الطريقة الافريقية، الى جانب مكان مخصص للطهو أمام الضيوف الذين يتوزعون في مقصورات، ويمزج الطهاة أطباقاً افريقية ولاتينية معاً ليقدموا مذاقات توائم الحواس».ويمضي الليل، وينعس الوقت ويتقدم، لكن النوم يجافي الأعين في نياما.ومع صفو الجو فإن للسكون صدى، وبالإمكان سماع صوت السكون خلال جلسة التأمل أو السفر الداخلي مع الذات لمياه المحيط المتلألئة في ضوء القمر.تصبح عليك الشمس بنورها لتمارس هواية الغطس أو أي نشاط ترغب فيه، حتى يحين موعد اطعام عصافير المعدة التي تزقزق بعد سماع زقزقة العصافير التي قد تكون نهضت أيضاً على سماعها، ولما كان أحد المطاعم ملتقى تشاهد فيه من يجاورك الاقامة، فإن للغة الضاد حضورها، بدءاً من السلام عليكم وانتهاء بصبحكم الله بالخير، وإذ بالعائلات الموجودة خليجية ويقول أحدهم «الحمد لله مرتاحين من زحمة المولات والتسوق»، وترد عليه زوجته، «ولكن لا تنسى اننا سنقوم بالتسوق في السوق الحرة في مطار مالديف عندهم سوق وايد حلو»، حتى «اطل العريس وعروسه»، - حسب ما قاله أحدهم - وإذ بالعريس كويتي يقضي شهر العسل مع عروسه في الجزيرة، وبعد ان بارك له من لم يسبق له بالمباركة طرح عليه أحد معارفه سؤالاً مفاده «شلون» (الهني مون)، ليجيبه «فرق كبير بين ان تقضي وقتاً في جزيرة حالمة وبين تمضيته في (حفر الباطن)»، ليضحك كل من كان عربياً يتناول طعام الفطور.ومن ثم تناول دفة الكلام آخر، متى نلتقي في «بلو» ليجيبه «توا على الشيشة... بعد الغداء ان شاء الله»، لتدرك ان للشيشة حضوراً أيضاً، واتضح ان «بلو» يقدم المأكولات الشرق أوسطية أيضاً.خلال الاسترخاء في منتجع PER AQUUM NYAMA تحت الأشجار الوارفة الظلال، ان غازلتك ثمرة جوز الهند، فسرعان ما تجد ماءها يبلل ريقك ولسانك يتذوق كريمتها الطرية، ويعود ذلك لوجود الشاب عمران المولود لأبوين سريلانكي - وبنغلاديشية، الذي يسابق الريح وبلمح البصر يتسلق أعلى شجرة جوز الهند ليقطف ما يشاء، ويعود بالسرعة الصاروخية نزولاً، ومن ثم يتناول سكينه ويبتر أعلى ثمرة جوز الهند ليقدمها طازجة حتى تشرب ماءها، وبعدها يتناولها منك لتقطيعها حتى تتذوق الكريمة في داخلها. وعن ذلك يقول «ان ثمرة جوز الهند هذه في عمر الـ8 أشهر ولا تزال يانعة، لذا في جوفها عبارة عن كريمة، وفي حال لم يتم قطفها ويمضي قرابة الـ 18 شهراً، فإن قشرتها الخارجية تقسو، كما تتحول الكريمة الى صلبة ايضاً، وهو ما نعتاد على رؤيته وتذوقه في جوز الهند المكتمل النضوج».«نياما»، هواها هوى وبعد مغادرتها... القلب اكتوى!.... فالحائكات لفساتين أعراسهن... في المخيلة، والحالمات بتأبط ذراع فارس أحلامهن والسير على الرمل الأبيض الناعم والنعاس في ضوء القمر، والهادفون للهروب من ضوضاء زحام المدن والمولات، والتواقون للانتعاش الجسدي والفكري، والمتلهفون لعقد مصالحة مع الذات، والساعون لممارسة هواياتهم البحرية في سباحة وغوص ومشاهدة الشعاب المرجانية، وصولاً الى التعرف على التنوع البيئي والخضرة والنضرة وسط المحيط وصفاء مياهه الياقوتية، والراغبون في سحنة برونزية تشبه الكركدنات، فإن «نياما» هي الوجهة... وسرُك في محيط!في الجزيرة تلك... يودعونك على أمل اللقاء!

ماليه... ما لها وما فيها

لا تكتمل الزيارة إلى جزر المالديف من دون المرور في العاصمة ماليه التي تبعد قرابة الـ 10 دقائق عن مطار إبراهيم ناصر، وتصلها إبحاراً على متن عبارة بتكلفة توازي 300 فلس.وخير دليل على التعريف بها كان الدليل المالديفي محمد إرشاد الذي يتقن إلى جانب لغته الأم (الديفيهي) الإنكليزية والروسية والصينية.ولحظة أن تطأ أقدامك يابسة ماليه يشير إرشاد إلى مقر مكتب رئيس الجمهورية، وإلى أحد يخوته الأربع في المرسى البحري المواجه.ويبحر في بث المعلومات قائلاً: «كنا بوذيين أما الآن فنحن مسلمون مئة في المئة والفضل في اعتناق المالديفيين الإسلام يعود إلى العالم الإسلامي المغربي أبوبركات البربري، وكان ذلك في القرن الثاني عشر، وقبل ذاك التاريخ كان التجار العرب الذين يهيمنون على خط التجارة في المحيط الهندي يطلقون على المالديف اسم (جزر المال)».وأضاف «ان المالديف تضم 1194 جزيرة (مأهول منها 200 فقط) وتحتضن في جزرها 160 منتجعاً ويزورها نحو 800 ألف سائح سنوياً».وخلال الجولة القصيرة في الشوارع الضيقة أشار الدليل إرشاد الى المتحف القريب من مسجد الجمعة، وعن المسجد قال انه مصنف من قبل اليونسكو ضمن لائحة التراث العالمي، وتم تشييده من الأحجار المرجانية في عهد السلطان ابراهيم اسكندر الأول، وذلك قبل 400 سنة تقريباً، أما المئذنة فشيدت لاحقا».وعن الأضرحة المجاورة للمسجد والمئذنة التاريخية قال انها «تضم رفات أبوبركات البربري والملوك الذين تعاقبوا على حكم المالديف، اضافة الى رفات أول رئيس للجمهورية ابراهيم ناصر».وكان لا بد من الدخول الى مسجد الجمعة لمشاهدة منبر الخطابة وما يحويه من زخرفة خشبية، صمدت طوال القرون الأربعة الماضية. فعلاوة على الخشوع الإيماني الذي يحيط بأرجائه، تأخذك روعة المكان في سفر داخلي يشير إلى ان كل زاوية منحوتة فيه تدلل على عظمة الدين القويم.ماليه، وما لها وما فيها انها أصغر عاصمة مساحة في العالم وبإمكان زائرها أن يتجول في الكيلومتر المربع الواحد الذي تحتله من اليابسة المحاطة بالبحر خلال وقت وجيز، باستثناء ان اراد التبضع في متاجر التذكارات.