أراد «الملتقى الثقافي» - للروائي طالب الرفاعي - أن تكون إطلالة موسمه الجديد، ثرية ومعبرة عن الوجدان الثقافي العام محليا وعربيا وإسلاميا وعالميا، فاستضاف في أمسيته الافتتاحية مساء الأحد الماضي المشرف العام لدار الآثار الإسلامية الشيخة حصة الصباح، التي تحدثت في الكثير من القضايا المتعلقة بالثقافة من خلال مفهومها الإنساني الشامل، مبتعدة عن الرؤية الضيقة لها، والتي تحصرها في أماكن محددة أو شعوب بعينها.وقد أدار الرفاعي الأمسية، ملقيا الضوء على الكثير من المنجزات الإنسانية التي حققتها الشيخة حصة الصباح على كل الأصعدة المحلية والدولية، وسعيها الدؤوب للانتصار للإنسان في كل ما تقدمه من منجز ثقافي بناء، إلى جانب إشرافها المثمر على دار الآثار الإسلامية، تلك الدار التي أصبحت معلما مهما من معالم الكويت.وفي سياق ما تتميز به حصة الصباح من رؤى هادئة تطرح من خلالها أفكارها جاءت الأمسية - أيضا - في هدوء وحكمة وتحليل... وتتابع قد يصل بالمتلقي إلى مستوى الفهم الكامل للفكرة المطروحة.وتحدثت حصة الصباح - في ما تحدثت- عن العلاقة التي تربط التنمية بالثقافة، وهي علاقة تراها وثيقة ومتكاملة، حسب ما طرحه الفلاسفة والمفكرون الكبار، وحسب ما تسعى إلى تحقيقه المؤسسات الدولية من مفاهيم تصب في مصلحة المجتمع الإنساني بكياناته وتعدده واتجاهاته.وفيما طرحت المحاضرة رؤيتها التي مفادها «المعرفة بدل النفط»، ثم عرجت في حديثها إلى ماهية الثقافة من منظورها الإنساني العميق، وليس من خلال التعريفات الجاهزة في قوالب معدة، ولكن من خلال الدور الذي تقوم به الثقافة في حياة المجتمع- أي مجتمع- والأمراض التي أصابت هذه الثقافة عبر العصور وصولا إلى عصرنا الحالي، وأشارت إلى المكونات الثقافية المرئية من خلال المنتج الأدبي والفني وخلافه، والمكونات الأخرى التي تمثلها العادات والتقاليد والمفاهيم المجتمعية المتوارثة، والقيم التي تشكل الوعي والأنماط السلوكية، وأوضحت أن هذه الأمور تعطي أي مجتمع خصوصيته، وأن المجتمع دائما ما يسعى إلى البحث عن مرجعية يستند عليها في توجهاته وتحركاته.وأكدت حصة الصباح أن أي بلد لا يمكنه إحراز التطور إلا من خلال الثقافة، وقالت: «الثقافة هي الذاكرة الحافظة لكل التجارب التي اكتسبها الإنسان وضبط حركة المجتمع وتماسكه، وهي أداة ذهنية دائما ما تبحث عن فهم ما يدور حولنا... ومن ثم المحافظة على الإرث الثقافي».وتحدثت المحاضرة عن الأمراض التي أصابت الثقافة في المجتمعات العربية بصفة عامة والكويتية بصفة خاصة، ومنها عدم القدرة في المحافظة على موروثنا المعماري الثقافي حتى في تلاوة القرآن، وإصابة الثقافة بالتجزئة والإقصاء وعدم وجود تراكمية، فقد تأتي سلطة جديدة لتمحي ما تركته السلطة السابقة من منجزات، منوهة إلى أن ذلك غير موجود في المجتمعات الغربية، وقالت: «لا توجد تراكمية في أي عمل ثقافي نقوم به، بالإضافة إلى تفشي ثقافة القول بديلا عن ثقافة العمل والفعل، أو ردود الفعل بدلا من الفعل نفسه، كما تحدثت عن الآلية الذهنية أو ثقافة النقل بدلا من التطوير، ومن ثم ازدهار صناعة الفتوى وتقلص ثقافة التفكير، وتبنينا لقضية المؤامرة، التي تجعلنا نشعر بـأن الكل يتآمر ضدنا، وكأننا مستهدفون، لتدميرنا.وطالبت المحاضرة بأن نتحرر من كل هذه الأمراض وأن نبتعد عن الانتقادات العقيمة التي لا تؤدي إلى نتيجة وطرحت رؤيتها التي تتمثل في أن يبدأ كل شخص في نقد نفسه، ولا ينظر إلى كل الأمور بعين سلبية، ومن ثم مراجعة النفس.ثم فتح باب النقاش والمداخلات مع الحضور كي يتحدث بدر البعيجان عن حضور حصة الصباح في المشهد الثقافي، من خلال توليها الإشراف على دار الآثار الإسلامية، ومساهمتها في إيصال الثقافة داخل وخارج الكويت، وأشار الأمين العام لرابطة الأدباء السابق عبد الله خلف إلى أهمية الثقافة في حياة الشعوب، مشيرا إلى أن الدار من المعالم الثقافية المهمة في الكويت.من ناحيته، أشاد الملحق الثقافي في السفارة المصرية الأديب الدكتور نبيل بهجت في مداخلته على محاضرة حصة الصباح، بما تضمنته من رصد وتشخيص للأمراض الثقافية، واصفا دورها بالدور الذي قام به رواد النهضة في عالمنا العربي.وتفاعل الدكتور فهد عبد المحسن بمفهوم ارتباط التنمية بالثقافة، مؤكدا أن الكويت من الدول السباقة في هذا المجال، وتحدثت الشاعرة حنان عبد القادر عن اهتمام الشيخة حصة الصباح بالأطفال، متمنية اتساع رقعة هذا الاهتمام، وأوضحت الدكتورة هيلة المكيمي أن مسيرة الثقافة في الكويت انبنت على مبادرات شخصية، ثم دخلت في المراحل المؤسستية، وقالت: «دار الآثار هي رسالة سلام تمثل الثقافة العربية والإسلامية».وأشار الكاتب الدكتور علي العنزي إلى دار الأوبرا الكويتية، وحقها في أن تمارس دورها الثقافي من دون الانضواء تحت أي مؤسسة رسمية، ربما تضعف من قيمتها ووجودها المؤثر، وطرح الكاتب يوسف خليفة فكرة تأسيس قناة ثقافية تستقي موادها من أرشيف دار الآثار الإسلامية.وعبرت الروائية ليلى العثمان عن احباطها من المؤسسات الثقافية التي تقصر في ثقافة الطفل، وحثه على القراءة والمعرفة، وتركه لأجهزته الحديثة، يقضي معها كل وقته.وأجابت حصة الصباح على مداخلات وأسئلة الحضور، بتأكيدها أن «الأصولية كلمة لا تعبر عن الذين يريدون العودة إلى أصولهم، وهي غير مناسبة لوصف التيارات المتطرفة، وأن أحدا من أي اتجاه فكري إسلامي لم يعترض على عمل الدار، ولم يردنا أي اعتراض». وأوضحت أن اهتمامها بالتراث جاء من خلال الولع الذي شاهدته عند الشيخ ناصر الصباح، وهو «ولع معرفي سرعان ما تكشف في صورة دار الآثار الإسلامية».