منذ عشرات القرون، اكتشف الإنسان أن للأنغام الموسيقية فوائد علاجية، وذلك بعد أن لاحظ أنها تلعب دورا مؤثرا وفعالا في تخفيف أعراض كثيرة من الاضطرابات النفسية والذهنية والوجدانية.والعلاج بالموسيقى هو ببساطة عملية يقوم من خلالها المعالجون المختصون بتوظيف شتى جوانب فنيّات التنغيم الموسيقي بهدف تحسين الحالة العقلية والوجدانية للمريض، وبهذا أصبح معترفا به كأحد العلاجات النفسية المعتمدة في المجتمع الطبي حول العالم.بشكل عام، يعمل المعالِجون بالموسيقى على مساعدة المرضى في سبيل تحسين صحتهم نفسيا وبدنيا، وذلك من خلال تشجيع نشاطهم في مجالات عدة، بما في ذلك العمل المعرفي، والمهارات الحركية، والتفاعلات العاطفية، والمهارات الاجتماعية، وأسلوب الحياة. ولتحقيق أهداف العلاج، يعتمد المعالجون على استخدام أساليب تحفيزية (طالع الكادر إلى اليسار) ترتكز على التنغيم الموسيقي.تاريخيا، مورس العلاج بالموسيقى قديما منذ فجر التاريخ البشري انطلاقا من معتقدات تتعلق بطرد «الأرواح الشريرة» من أجساد المرضى. وتشير آثار الحضارات الفرعونية والبابلية واليونانية والرومانية القديمة إلى أن الموسيقى كانت تستخدم في علاج اضطرابات العقل والنفس. ونقل عن فلاسفة قدماء قولهم إن أنغام الموسيقى تنطوي على قوة كامنة تجعلها قادرة على تطهير النفس والارتقاء بالمشاعر. وكان أطباء في تلك الحضارات القديمة يستخدمون أنغاما موسيقية لمعالجة بعض الاضطرابات النفسية.وكتب الطبيب العربي المسلم أبوبكر الرازي في أحد مؤلفاته أن الغناء والتنغيم الموسيقي من أفضل العلاجات لمرضى الماليخوليا (الاكتئاب السوداوي)، بينما كتب العلامة ابن اسحق الكندي أن كل تنغيمة موسيقية تؤثر على عضو ما في جسم الإنسان.وبدأ الاعتراف بالموسيقى كعلاج في الغرب منذ منتصف أربعينات القرن الماضي، وكان ذلك في الولايات المتحدة تحديدا عندما أطلقت جامعة كانزاس أول برنامج أكاديمي من نوعه لتدريس سبل الاستفادة من الموسيقى في المعالجة النفسية.عربيا وشرق أوسطيا، شهد العام 1950 افتتاح أول مركز للعلاج بالموسيقى على مستوى المنطقة تحت اسم «الجمعية الوطنية للعلاج بالموسيقى»، ثم مورس هذا العلاج في تونس لاحقا من خلال «المعهد الوطني لحماية الطفولة»، ثم من خلال «مشروع مركز الشرق الأوسط للعلاج بالموسيقى» في الأردن.ومنذ العام 2006 أدخلت المعالجة النفسية الدكتورة حمدة فرحات أسلوب العلاج بالموسيقى في لبنان، ودأبت منذ ذلك الحين على تطويره هناك، ونجحت في ابتكار أسلوب جديد يعتمد على التنغيم الموسيقي لمعالجة الاكتئاب والقلق والإدمان والحركة المفرطة لدى الأطفال، وبات أسلوبها المبتكر يعرف باسم «الطريقة الثلاثية»، وحقق هذا الأسلوب نجاحا كبيرا بفضل كونه يشكل بديلا فعالا للعقاقير.
- طب
صحة نفسية
العلاج بأنغام الموسيقى... عندما يعزف الطب النفسيّ ليُداوي
08:55 م