حذر نواب سابقون وسياسون مخضرمون شاركوا في ندوة «الراي» حول الحاجة إلى تطوير الحياة السياسية من انعدام الديموقراطية في حال تراجع التفاف المواطنين حول الهوية الوطنية مؤكدين كذلك على أن القطاع العام الضخم و«المجتمع الريعي» لا يتعارضان مع فكرة الديموقراطية وتطبيقها في المجتمعات ومنوهين إلى أن الحل العاجل الذي تحتاجه الكويت قبل تطوير تجربتها السياسية يكمن في التطبيق الصحيح لدستور62.وقال النائب السابق عضو المنبر الديموقراطي عبدالله النيباري في معرض حديثه عن الوضع القائم إن الديموقراطية لا تكتمل إلا بنظام ملكي دستوري يواجه حاليا عقبات تتمثل في الأسرة الحاكمة من جهة والوضع الشعبي من جهة أخرى.وكشف النيباري عن قناعته أن لا وجود لتيار متماسك في الحراك والمجتمع المدني حاليا، مردفا أن الصراع الاقليمي القائم «مذهبي» وأن الكويت تأثرت به وهو أحد الاسباب السلبية في إعاقة تطور الحياة السياسية التي قال إنها ليست «روشتة طبيب» ولكنها عمل كفاحي يعتمد على المجتمع وتحديداً الشباب فيه.وذكر النيباري أن الوضع القائم يتسم بالعمل الفردي سواء في البرلمان أو على الصعيد الشعبي فيما أصبح العمل الطلابي قائماً على أسس طائفية وقبلية وأن المجتمع الكويتي إن لم يتخلص من هذه الأوبئة فإنه لن يشهد أي تطور سياسي.من جهته رأى الكاتب السياسي عضو التيار التقدمي الكويتي أحمد الديين أن الحاجة لتطوير الحياة السياسية قائمة ولكن الحلقة الرئيسة الآنية فيها وقف حالة التدهور والانفراج السياسي، مضيفا أن الإصلاحات الدستورية مستحقة لكنها بحاجة لميزان قوى وأن الأكثر إلحاحا حاليا تطبيق الدستور.وقال الديين إن قوى الإصلاح يجب ألا تقوم على أسس دينية ومذهبية إذ ان من يتبنى مرجعية طائفية لن يحقق ديموقراطية واصفا الأحزاب الدينية أيا كانت مرجعيتها في مجتمع منقسم بأنها أحزاب طائفية.وأضاف الديين انه ليس لدينا نظام ديموقراطي كامل حيث لا تنظيم للممارسة الحزبية والتداول الديموقراطي للسلطة التنفيذية،معتبرا أن الديموقراطية في الكويت ليست تجربة لنحدد موقفنا منها وأن دستور 62 أرسى أسس النظام الديموقراطي ومضيفا أن حاجة المجتمعات وتطورها يدفع إلى تطوير الديموقراطية وأنه كلما كانت الملكية الاجتماعية أكثر في وسائل الانتاج كلما كانت أكثر اتفاقا مع الديموقراطية.واعتبر أن «البرجوازية الوطنية» كانت في مرحلة صعود خلال فترة سابقة لكنها الآن جزء من الحلف الطبقي المسيطر،داعيا إلى ضرورة أن يكون القطاع العام ضمن الملكية الاجتماعية وألا يسخر لمصلحة طرف دون آخر.وعن الوضع الإقليمي قال الديين إننا جزء من المنطقة وحتما أن لهذا الوضع الإقليمي أثره على تطوير الحياة السياسية معتبرا أن الكويت تعاني من وضع جغرافي سياسي هش لا يعوض إلا بجبهة داخلية متماسكة ومؤكدا على أن الصراع في المنطقة بغطائه الطائفي سينعكس عليها واصفا انها في وضع حرج وأنه كلما اشتد الاستقطاب الطائفي كان ذلك على حساب الهوية الوطنية الكبرى.وقال الديين إنه في ظل بنية هشة لا يمكن مواجهة الضغوط الإقليمية ذات الطابع الطائفي عبر تقييد الحريات وتهميش الناس،مؤكدا على أن هؤلاء اكتشفوا متطلبات التطور الديموقراطي وأن الوضع الإقليمي والداخلي مؤثران ولكنهما لن يستطيعا إيقاف تلك المتطلبات.وبدوره أكد النائب السابق عضو كتلة العمل الشعبي مرزوق الحبيني على أنه علينا قبل الحديث عن تطوير العملية الديموقراطية معالجة الأمراض التي شابت المرحلة الأخيرة،مشددا على القول ان المرجعية الأساسية في البلد غدت فئوية وليست قائمة على المواطنة وأن هذه أكبر المخاطر التي تواجه الكويت ومعتبرا أن تراجع المرجعية الوطنية وغياب المجتمع المدني كانا السبب الرئيسي في تجريف الحياة السياسية التي اقتصر دورها حاليا على البرلمان مخطئا هذا المسلك حيث انها من المفترض أن يكون جزءا منها.وقال الحبيني انه في ظل وضع سيئ كهذا لن يكون ممكنا تطوير الحياة السياسية رغم حاجتنا لذلك مردفا أن أي نظام ديموقراطي يخضع إلى ظروف وأوضاع البلد الداخلية والاجتماعية، ومشددا على أننا بين مؤثرين خليجي وإقليمي وان علينا اعتماد المرجعية الوطنية للحفاظ على الديموقراطية.وأوضح أن تحرير الاقتصاد مطلب لمصلحة الدولة غير أنه لا يمكن القيام بذلك إلا بنظام قائم على أسس ديموقراطية سليمة ومعتبرا أن الوضع السياسي القائم يجعلنا نضع علامات استفهام على كل شيء ومؤكدا على ضرورة وجود غطاء سياسي لتحرير الاقتصاد بما يضمن عدم الاستيلاء على القطاع العام وهو غير متوفر في ظل الظروف الحالية.وفي مايلي تفاصيل الندوة:? «الراي»: لعل من البديهي أن نطرح سؤالا كمدخل لهذه الندوة مفاده هل نحن بحاجة إلى تطوير الحياة السياسية في الكويت ؟- النائب السابق عبدالله النيباري يجيب: نعم نحن بحاجة إلى تطوير الحياة السياسية، والآن نحن نمر بأزمة سياسية على كافة المستويات حكوميا وشعبيا، وهناك انتكاسة عميقة إذ يوجد هجوم من السلطة التنفيذية لتكميم الحياة الديموقراطية ابتداءً بقانون الصوت الواحد ثم قانون ما يسمى بحرمان المسيء الذي أوغل في تقييد الحريات ومصادرة الحقوق وهذا كله تضييق ثم يضاف إلى ذلك شيوع الفساد وهناك نوعان منه.. فساد ما يسمى المتنفذين «الهوامير» وفساد إدارة السلطة في المجلس والحكومة التي تستخدم إدارتها لإفساد النواب وعن طريقهم المواطنين، والعلاج السياحي في الخارج أحد ظواهر الإفساد لتقويض الحياة النيابية، ولاشك أن هناك صراعا سياسيا ممتدا والجانب الشعبي لديه إشكالية فالمفترض أن تتطور «مؤسسات المجتمع المدني»من نقابات وجمعيات النفع العام وتكتلات سياسية«لكنها تشهد تراجعا، أضف إلى أن الحكومة لديها برنامج تسير عليه فهي لا تريد ديموقراطية مستكملة بخلاف ما أشار إليه المرحوم الشيخ عبدالله السالم في جلسة إقرار الدستور حين قال»رغبة في استكمال أسباب الحكم الديموقراطي لوطننا العزيز«حيث كان المفترض بنا منذ عام 1962 أن نسير في شروط استكمال الديموقراطية والتي تعني أن دستور 62 مرحلة في طريق استكمال الديموقراطية والاتجاه إلى التعديل الإيجابي لكن السلطة التنفيذية سعت منذ إقرار الدستور إلى تقويضها وهي لن تتراجع إلا بضغط شعبي غير أنه لا وجود لتيار متماسك سواء في القوى السياسية أو في المجتمع المدني كما وجد ذلك في حركة دواوين الإثنين، وفكرة تطوير العمل الشعبي بدأت كما أشار الأخ أحمد الخطيب في كتابه في 1958 بالأندية التي فكرت في تطوير العمل بتيار شعبي أوسع يضم أيضا التجار الإصلاحيين ثم تمخض عن ذلك فكرة الرابطة الكويتية في تلك الفترة والتي شهدت تحررا وطنيا على مستوى المنطقة ودول العالم الثالث وكان المزاج العام راديكاليا ديموقراطيا وليس إسلاميا.- أحمد الديين: اتفق مع بومحمد تماما لكن أرى أن النقطة الملحة الآن تكمن في إيقاف حالة التدهور والتراجع التي تتصل بالوضع الديموقراطي في الدولة إذ ان هناك عبث حكومي في النظام الانتخابي وهناك تضييق على الحريات عبر سلسلة من القوانين التي قيدت الحريات العامة كقانون الإعلام الالكتروني ومصادرة حقوق المواطنين بالمواطنة عبر استخدام آلية إسقاط وسحب الجنسية لأسباب سياسية ثم الملاحقات القضائية للمعارضة والسجن لها وأرى أن هذا التراجع يجب أن يقف ولا بد من حالة انفراج إذ عمق هذا الوضع الأزمة ومن الخطورة استمراره، وأما عن تطوير الحياة السياسية فإني أسجل تحفظي على مصطلح«التجربة الديمقراطية»فهي ليست تجربة تختبر لنحدد موقفنا منها فدستور 62 أرسى أسس نظام ديمقراطي ودستور الحد الادنى وبالتالي فإن حاجة المجتمعات وتطورها يدفع أكيدا في اتجاه تطوير الديموقراطية ولكن في المقابل هناك قوى اجتماعية ليس لها مصلحة في ذلك واليوم هناك معوقات تحول دون تطوير الحياة السياسة ولدينا نواقص إذ ليس لدينا نظام ديموقراطي كامل فلا نظام مكتمل الأركان دون حياة سياسية وتنظيم الممارسة بالأحزاب السياسية والتعددية والتداول الديموقراطي للسلطة التنفيذية وعليه فإننا نحتاج إلى نظام انتخابي ذي طابع سياسي والأفضل اعتماد نظام النسبية وهذه أسس يجب أن توضع وهي مادة للصراع السياسي وليست عناوين في كتاب، وأرى الآن أن ميزان القوى مختل وليس في صالح التطور الديموقراطي، وبالتالي فإن الحاجة إلى تطوير الحياة السياسية قائمة بشكل دائم ولكن الحلقة الرئيسة فيها الان وقف حالة التدهور وإحداث انفراج سياسي.- مرزوق الحبيني: المفترض بنا قبل الحديث عن الحاجة إلى تطوير العملية الديموقراطية التفكير في معالجة المشاكل والأمراض التي شابت الحياة السياسية في المرحلة الأخيرة فهناك محاولات واضحة وجادة لتجريف الحياة السياسية، والمأساة أن تكون الأرضية السياسية في الكويت خالية من أي نبت جديد يؤمن بالديموقراطية، ونحن لدينا مشكلة نتيجة عدة عوامل منها سيطرة أصحاب المصالح وإبعاد أهل الإصلاح والمرجعية الأساسية في البلد أصبحت فئوية وليست قائمة على أساس المواطنة وهذه من أكبر المخاطر فالمرجعية الوطنية يفترض أن تكون الأساس، كما أن لدينا إشكالية في غياب دور مؤسسات المجتمع المدني والذي كان سببا رئيسا في إفساح المجال لما حصل من تجريف للحياة السياسية وأصبح العمل السياسي وكأنه مقتصر فقط على الساحة البرلمانية وهذا غير صحيح إذ الأصل أن يكون البرلمان جزءا من الحياة السياسية بالإضافة إلى مؤسسات المجتمع المدني والعمل السياسي المجتمعي، والمفترض بمؤسسات المجتمع المدني والسياسيين ان يحملوا على عاتقهم مسؤولية تشخيص الأمراض الموجودة ووضع الأسس الصحيحة للعلاج قبل الحديث عن تطوير الحياة السياسية حيث إننا لا نستطيع تطوير الحياة السياسية رغم حاجتنا لذلك في ظل وضع سيئ وحياة سياسية متغيرة نتيجة الأحداث المحلية والإقليمية.- النيباري معقباً: في الحالة الكويتية فإن الدستور والممارسة البرلمانية التي ترتبت عليه مكاسب ديموقراطية وليست ديموقراطية مكتملة الشروط ولكي تكتمل الديمقراطية فإنه يجب أن نتحول إلى حكم الشعب للشعب وهذه هذ معادلة تطوير النظام السياسي إلى نظام ملكي دستوري وبمعنى أن رئيس الدولة يسود ولا يحكم والسلطة التنفيذية تكون منتخبة من الشعب وفي أول جلسة للجنة وضع الدستور نوقشت هذه المسألة، غير أن هذه الخطوة تواجه عقبات كثيرة بعضها يتعلق بالأسرة الحاكمة وبعضها الآخر يتعلق بالوضع الشعبي.? «الراي»: هناك رأي يشير إلى أن الديموقراطية لا تجتمع مع قطاع عام ضخم ومجتمع ريعي ولا يوجد نموذج ديموقراطي ليس فيه سوق حر ووسائل إنتاج غير محررة وخاضعة لهيمنة الدولة ؟- الحبيني: أي نظام ديموقراطي يخضع إلى ظروف وأوضاع البلد الداخلية والاجتماعية ولا يمكن أن نستنسخ في أي دولة نظاما ديموقراطيا ناجحا في دولة أخرى ونعم أن تحرير الاقتصاد مطلب اقتصادي ولمصلحة الدولة ولا خلاف على ذلك، ولكن إسقاطه على الوضع السياسي وسيطرة المال السياسي يجعلنا نضع علامات استفهام على كل شيء ولا يمكن الاستفادة من تحرير الاقتصاد في تطوير الحياة السياسية ما لم يكن أمامنا نظام سياسي قائم على أسس ديموقراطية سليمة واعتقد أن من المفترض تأجيل التفكير في تحرير الاقتصاد إلى حين وضع أساس صلب للوضع الديموقراطي والسياسي.? «الراي»: وعليه لا يمكن وضع هذا الاساس في ظل قطاع عام ضخم وبمعنى أدق لو افترضنا جدلاً بأن لدينا حكومة منتخبة من الحزب«س» فهي من ستهيمن على القطاع العام وهي من ستوظف المواطنين وتولي المناصب والترقيات لكوادرها فمن سيستطيع منافستها من الاحزاب الاخرى وهي تملك السلطة والمال ؟- الحبيني: عندما نرى هجمة بعض أطراف القطاع الخاص ومساعيهم في إقرار بعض القوانين المتعلقة بخصخصة القطاع العام بطريقة أقل ما يقال عنها أنها نهب للقطاع العام فإننا هنا نتخوف من تحرير الاقتصاد وإقرار قوانين اقتصادية بتحويل القطاع العام إلى خاص في ظل عدم وجود نظام ديموقراطي برلماني سياسي يحمي هذه الممتلكات العامة التي ستتحول إلى ممتلكات خاصة وبالتالي يجب أن يكون هناك غطاء سياسي قادر على أن يقر قوانين تحرير الاقتصاد بما يضمن ضمان عدم الاستيلاء على القطاع العام وهذا الغطاء غير متوافر حاليا أو في ظل الوضع السائد كما أن القطاع العام إذا كانت تشوبه أخطاء تتمثل في تعيينات على أسس غير الكفاءة فإن ذلك لا يعني أن نعالج الخطأ بخطيئة أكبر بتخصيصه وقطاعات التعليم والنفط والصحة مسألة غير قابلة للجدل ويجب أن تكون ملكية عامة وعلينا ألا نربط الديموقراطية بتحرير الاقتصاد حيث قد يكون تحريره وسيلة لضرب الديموقراطية والعودة إلى عصر النوخذة والبحار وإنهاء الطبقة الوسطى في المجتمع.- النيباري: أعتقد أن السؤال خاطئ لأنه لا تعارض بين الديموقراطية والقطاع العام فنحن في الكويت نظامنا السياسي مختلط يعود لطبيعة الاقتصاد الكويتي كما أن هيمنة الدولة على الاقتصاد يعد تعبيرا منقوصا وغير كامل لأن العصب الاقتصادي الأساسي للدولة هو النفط والدولة مهيمنة على قطاعات معينة، فالتجارة والصناعة والمواصلات والخدمات بيد القطاع الخاص وهناك حرية في ممارسة النشاط الاقتصادي والدولة تدير عددا من الأنشطة وهذا مما لا يتناقض مع الديموقراطية ولا يعد عائقا لها وبريطانيا وهي دولة عريقة في الديموقراطية على سبيل المثال كانت الدولة تهيمن على قطاعات انتاج الفحم والحديد والمواصلات والصحة وتمولها عن طريق الضرائب، وقد يكون الحديث عن أن أغلب المواطنين عاملون في القطاع العام فهذا صحيح ولكن لا علاقة له بتحرير التجارة.? «الراي»: ولكنك ذكرت أن ذروة الديموقراطية تتمثل في الملكية الدستورية فلو افترضنا أنها تحققت في الكويت وآلت الحكومة إلى حزب ما فإنه في ظل هذا القطاع العام الضخم سيكون هو من يوظف المواطنين ويرقى بالوظائف وينقل ويدفع رواتب ومكافآت فكيف ستنافسه الأحزاب الأخرى إذا فتح باب الخدمات لمرشحيه وأغلقها على الآخرين وكيف سيتم تداول السلطة التنفيذية؟- النيباري يرد: المفترض بأي حزب ألا يوظف على هواه أو أن يرقى وفق معاييره بل أن يكون العمل في القطاع العام على أساس الكفاءة وبالتالي فإن هذه الفكرة من أن هيمنة الدولة على القطاع العام تناقض الديموقراطية فكرة مغلوطة.? «الراي»: هذا الحديث في الإطار النظري له صحيح ولكن عند التطبيق فإن أي حزب سيتولى الإدارة الحكومية سيستفيد من القطاع العام لصالحه وعلى سبيل المثال نلحظ تجارب بعض الوزراء تاريخيا في الاستفادة من المنصب لأغراض انتخابية متعددة ؟- النيباري: المفترض ألا يتم التعيين لأغراض انتخابية أو مصلحية والأصل أن يتم التعيين والاستفادة من العمل في القطاع العام على اساس الكفاءة والحديث عن أن الاقتصاد الريعي يسخر القطاع العام للمصالح الخاصة مخالف للنظام والدستور والمفترض أن يكون معيار الكفاءة هو المحك ونحن نعلم الآن أن هناك خللا كأن يعلن نائب أنه اجتمع مع وزير أو رئيس وزراء لتعيين احد أقربائه وكيلا مساعدا وهذا قبح وخلل ولكن هذا الخلل ليس عاملا ثابتا.- الديين: كلما كانت الملكية اجتماعية أكثر في وسائل الإنتاج اتفقت أكثر مع الديموقراطية لأن الديموقراطية ليست سياسية فقط وإنما اجتماعية وبالتالي فإن ملكية الدولة للوسائل الأساسية للإنتاج وكذلك الملكية التعاونية من أشكال الملكية ذات الطبيعة الاجتماعية المتسقة مع الطابع الديموقراطي، والشيء الآخر أن الدولة الريعية عند استخدامها من سلطة ذات طبيعة غير ديموقراطية فإن تأثيرها على التطور الديموقراطي أشد، واليوم اسباب الأزمة في الاقتصاد العلمي والتطور الرأسمالي العالمي تمخضت من أن مركز الثقل الرئيسي تركز في الاقتصاد المضاربي غير الحقيقي ونحن في الكويت نتحدث عن قطاع خاص ليس مستفيدا فقط من التسهيلات الحكومية وإنما الوظيفة والمسؤولية الاجتماعية لرأس المال به معدومة فهو لا يمول الميزانية عبر الضرائب ولا يوفر فرص عمل للناس، والتجار أو «البرجوازية الوطنية» كانت في مرحلة صعود في فترات سابقة خلال الثلاثينات وكانت مصالحها تتوافق مع مصالح تطور المجتمع ولكن بعد ذلك تشابكت مصالح بعض أطرافها مع السلطة وأصبحوا جزءا من الحلف الطبقي المسيطر وهي اليوم جزء من الطرف الذي لا يريد أن يدفع باتجاه التطوير ولو سيطرت الطبقة البرجوازية اليوم على مقدرات البلد الاقتصادية فإنه ليس بالضرورة أن يكون ذلك باتجاه التطور الديموقراطي.? «الراي»: ألا تعتقد أن عدم تطبيق الحكومة لقانون الخصخصة حتى الآن يعزز فكرة الاستفادة من القطاع العام وبما يؤثر على تطوير الديموقراطية ؟- الديين: قانون الخصخصة في مداولته الأولى قدم بصيغة تديم الكيكة الكبيرة متضمنا النفط والتعليم والصحة وعندما بدأ التحرك الشعبي من ديوانية النيباري بالاعتراض على خصخصة الصحة والتعليم والنفط تم إقراره في المداولة الثانية مستثنيا النفط والتعليم والصحة منه وبالتالي سقطت الكيكة الكبيرة من القانون ولذلك لم ينفذ والآن معركتهم بتعديل المرحلة الرابعة من قانون الخصخصة التي تتضمن إلغاء الحظر على النفط والتعليم والصحة من برامج الخصخصة.? «الراي»: بالانتقال إلى المحور الثاني والسؤال للأستاذ أحمد الديين، كيف ترى أثر الوضع الإقليمي على تطوير الحياة السياسية بالكويت ؟- الديين: بالتأكيد هناك أثر للوضع الإقليمي على تطور الحياة السياسية والديموقراطية في الكويت ارتبطت تاريخيا بالوضع الإقليمي حيث إننا جزء متفاعل مع المنطقة بالإضافة الى العوامل الداخلية فالدستور لم يأت لأن المغفور له الشيخ عبدالله السالم وبعض النخب رغبوا به وإنما كان هناك عوامل موضوعية خارجية أدت لذلك وثانيا فإن الكويت كانت ولا تزال تعاني من وضع جغرافي سياسي هش ولا تعويض لهشاشة هذا الوضع الجغرافي السياسي إلا بالاعتماد على جبهة داخلية متماسكة ولا يمكن تحقيق ذلك إلا عن طريق إشراك الناس بالقرار وليس تهميشهم وعزلهم، ونحن عندما نتحدث عن الوضع في المنطقة فإن هناك صراعا سياسيا غطاؤه طائفي وسينعكس علينا، والكويت في وضع حرج وكلما اشتد الاستقطاب الطائفي كلما كان على حساب الاستقطاب السياسي والهوية الوطنية الكبرى، وفي ذات الوقت لدينا تأثير للوضع الإقليمي من خلال قضية مواجهة الارهاب المتمثل في داعش أو خلية العبدلي وهذا يتطلب جبهة داخلية متماسكة وأحيانا يستغل الإرهاب لتبرير إجراءات استثنائية بوليسية وقمعية باسم مكافحة الإرهاب مثل إلغاء تقليص فترة الحبس الاحتياطي التي بررت بمسألة مكافحة الإرهاب وقد نكون في حاجة لإجراءات استثنائية أمنية ولكن لا يكون ذلك على حساب حريات الناس، كما أنه حدث اخيرا عملية اجتماعية سياسية تاريخية في المنطقة العربية بعد حالة انسداد واستبداد وفساد أخذت شكلها في تونس ومصر وسورية وليبيا تعثرت هنا وهناك ولكنها عملية لم تكتمل بعد وستأتي الموجة الجديدة الثانية منها فالثورة الفرنسية لم تأت دفعة واحدة بين يوم وليلة وإنما مر تطورها بمراحل واليوم لدينا تغيير في العالم العربي وهو تغيير مستحق وقائم وأساسه موضوعي ولا يمكن عزل الكويت عن هذا التغيير ونحن إما أن نتماشى مع التغيير أو نقف سدا مانعا بوجهه وإذا تم الوقوف بوجهه فإن استحقاق «التغيير» يتحول من تغيير بالتقسيط إلى تغيير فوري وجبري وإلزامي أو التوافق مع هذا التغيير مثلما فعلت المغرب التي تقدمت بإصلاحات كرست طابع الملكية الدستورية والديموقراطية البرلمانية.- النيباري يعقب: الحياة السياسية في الكويت تأثرت سابقا بالوضع الاقليمي وهي الآن تتأثر به ايضا حيث تأثرت في السابق بحركة استقلال الدول النامية بشكل عام وكذلك بالقضية الفلسطينية والثورة المصرية والعراقية، والان الوضع الاقليمي عامل مؤثر في الحياة السياسية الكويتية ولكن البارز الآن بزوغ الصراع السياسي القائم على أساس مذهبي وهذا سيكون أحد الأسباب السلبية في إعاقة تطوير الحياة السياسية.- الحبيني: نحن محاصرون بين مؤثرين أحدهما خليجي يتمثل بعدم رغبة دول المنطقة الخليجية بالنظام الديموقراطي المنفتح أو المثالي والثاني إقليمي يتمثل بدول كبيرة محيطة بنا يتحكم بها النهج المذهبي بين تركيا وإيران كما أننا نوجد في موقع بين مؤثرات خارجية وداخلية وفي منطقة ملتهبة والمحصن الرئيسي للمحافظة على الديموقراطية والأمن يكون باعتماد مرجعية المواطنة وقناعة الجميع بها وليس مرجعية الطائفة أو القبيلة وما لم تكن مرجعيتنا وطنية وكلنا وحدة متكاملة فإننا سنضيع، وإذا اختار كل منتمٍ لمذهب الاستقواء بالدولة التي تتسيد هذا المذهب فإن ذلك سيكون معول هدم لوحدتنا الوطنية التي كانت ولا تزال سببا في استمرار دولتنا وتجاوزها للمحن، وهناك للأسف من يدفع في هذا الوضع بفكرة وجود تعارض ما بين أمن البلد والنظام الديموقراطي وهذا غير صحيح، ونحن بحاجة إلى أن تتحرك مؤسسات المجتمع المدني لإعادة اللحمة إلى الوحدة الوطنية، وإذا استطعنا عزل تأثير الوضع الخارجي علينا كمواطنين وتعاملنا وفق مرجعية المواطنة والوحدة الوطنية فإننا سنستطيع أن نطور الحياة السياسية أما إذا كان المواطن والسياسي ينظر بعين للبلد وأخرى للوضع الإقليمي وإذا خلط بين الأجندة السياسية والإقليمية فإننا سنكون امام مشكلة وقد لا نستطيع بعدها الحفاظ على ديموقراطيتنا.- النيباري يعقب: تطوير الحياة السياسية ليست «روشتة طبيب» وهو عمل كفاحي يعتمد على جميع فئات الشعب وتحديدا الشباب لأنهم الكتلة الأكبر من الشعب ومتى ما تطور الوعي لديهم عبر التسلح بالثقافة والفكر والحس الوطني فإنه يمكن البحث عن وسائل وسبل تطوير الحياة السياسية عبر المجتمع المدني المسلح بالفكر المستنير وعلينا أن نراهن على صفوف الشباب وخاصة شباب الجامعة التي تفرخ دائما قوى التطوير وبالعودة لعام 2011 وما صاحبه من حراك كان أساسه الشباب واليوم من يلاحقون سياسيا هم الشباب عبر شبكات التواصل الاجتماعي وسيكونون هم نواة تطوير الحياة السياسية، والمطلوب في المرحلة الراهنة العودة إلى الدستور والتطبيق الصحيح له وفق آلياته الصحيحة التي تتمثل بالانتخابات النزيهة دون تدخل، وللأسف فإن الوضع القائم اليوم يتسم بالعمل الفردي في البرلمان والعمل الشعبي وهذا يجب أن يتوقف، كما أن العمل الطلابي أصبح قائما على أسس طائفية وقبلية وما لم نتخلص من هذه الأوبئة والآفات الفكرية فإننا لن نشهد أي تطور سياسي.- الديين يعقب: البنية الجغرافية السياسية الهشة لا يمكن أن يحميها الانفراد بالسلطة ولا يمكن أن نواجه الضغوط الاقليمية بطابعها الطائفي والارهاب بتضييق الحريات وتهميش الناس كما لا يمكن مواجهة الوضع إلا بمشاركة الناس، وتطوير الحياة السياسية عملية سياسية واجتماعية نضالية وصراع على أرض الواقع ولا يمكن وقفها وأي محاولة لذلك ستكون خاسرة ونهج الانفراد بالسلطة يقود البلد إلى طريق مسدود وفي نهاية الأمر لا بد من اكتمال العملية السياسية بأفق نظام برلماني ديموقراطي بغض النظر عن مسماها.? «الراي»: وكيف يمكن تطوير الحياة السياسية والممارسة الديموقراطية ؟- الديين يجيب: هناك صراع وقوى ليس لها مصلحة في تطوير الحياة السياسية تريد إعاقته وقوى أخرى لها مصلحة للدفع باتجاهه ومع مرور الوقت سيكتشف الناس عمق متطلبات الإصلاح والتطور الديموقراطي كما أن الوضع الإقليمي والداخلي مؤثران ولكنهما لا يستطيعان إيقافها وهذه المتطلبات تستدعي أولا إطلاق سراح سجناء الرأي ووقف نهج الملاحقات السياسية وإلغاء الإجراءات المقيدة للحريات وبالذات إسقاط وسحب الجناسي والحريات العامة ثم تنظيم الحياة السياسية من خلال إنشاء الأحزاب على أسس وطنية وسليمة وليس أحزابا دينية وطائفية وقبلية واعتماد نظام انتخابي لا يكرس الطبيعة الفردية في العملية الانتخابية إما بالتمثيل النسبي والقوائم أو المزج بين النظام الأكثري والإسمي كذلك نحن بحاجة إلى تداول السلطة التنفيذية.? «الراي»: هل يمكننا الانتقال مباشرة إلى تداول السلطة التنفيذية هكذا دون مراحل تمهيدية؟- الديين يجيب: لا يوجد ما يسمى متطلبات للانتقال لتداول السلطة التنفيذية مباشرة فالشعب الهندي انتقل مباشرة من الاستعمار إلى النظام الديموقراطي العلماني ولم يحتج إلى فترة تمهيد ونحن لدينا فترة 54 سنة تجربة وتمهيد وبالتالي فإننا لا نحتاج لأن تكون إدارة الدولة خاضعة للمساءلة أمام الناس وموضوع الإصلاحات الدستورية مستحق ولكنها تحتاج إلى ميزان قوى والأكثر إلحاحا الآن تطبيق الدستور رغم أنه دستور الحد الأدنى واليوم لم يعد متقدما في المنطقة كما كان عندما وضع إذ إن هناك دساتير سبقته، وأيضا علينا الحديث عن الأسرة الحاكمة التي لا ينازعها أحد على منصبي الإمارة وولاية العهد كما أكد الدستور ذلك في المادة الرابعة منه والتي تنص على أن الامارة في ذرية المغفور له الشيخ مبارك وفي ذات الوقت فقد أكد في المادة السادسة أن نظام الحكم ديموقراطي والسيادة فيه للأمة وبالتالي فإن من الطبيعي أن تكون الحكومة للشعب شئنا أم أبينا والمفترض أن يتحقق هذا الأمر وهذا البرنامج لا بد أن تتبناه قوى الإصلاح والتغيير ولكن هذه القوى الموجودة في النخب السياسية والمجتمع يجب ألا تكون قائمة على أساس ديني ومذهبي وذلك أن الأحزاب الدينية أيا كانت طبيعتها في أي مجتمع منقسم طائفيا هي أحزاب طائفية وتحمل في طياتها الدولة الدينية ولا يمكن ان تحقق الديموقراطية.? «الراي»: لكن هذا الكلام مردود عليه بان الدستور الكويتي كان وليد اتفاق ما بين القوى الشعبية والنظام والسلطة ولولا مبادرة السلطة لتبني الدستور والرغبة بالتغيير لما وجد ؟- الديين: لنكن صرحاء فالمرحوم الشيخ عبدالله السالم مع كامل التقدير لدوره في صياغة الدستور تولى الإمارة في عام 1950 والدستور جاء بعد 12 عاما وهو جاء بعد مرور تاريخ من المطالبات المجتمعية بالدستور ووضع عربي ودولي حيث تفهم الشيخ عبدالله السالم رحمه الله هذه الأسباب ولكنه لم يكن المبادر ولو كان المبادر لوضع الدستور في عام 1950.- الحبيني يعقب: نحن يجب أن نقتنع ونؤمن أن لدينا مرجعية متمثلة في الدستور سواء كان دستور الحد الأدنى أو ناقصا فهو مرجعيتنا وعلينا أن نفرق بين الرغبة في تحقيق شيء وإمكانية تحقيقه وما لم يكن هناك توافق الحد الأدنى بين القوى السياسية والمدنية فلن يكون هناك توافق مع الطرف الآخر المتمثل في السلطة التنفيذية والتي تمثل أساسا رئيسا في عملية التوافق ولا يمكن تحقيق أي تطوير أو إصلاح في الدستور الحالي ما لم يكن هناك توافق بين الطرفين ولنكن واقعيين فليس بالضرورة أن نحقق ما نطمح له من تطور سياسي في المرحلة الحالية أو مع الجيل الحالي ولكن على الأقل علينا تحقيق الحد الأدنى الذي يضمن استمرار العمل السياسي والدستوري بوضعه الصحيح ونحن لو أردنا أن نضع الذين صاغوا الدستور كمقياس للممارسة البرلمانية بالمقارنة في الفترات التي تلتهم لوجدناها أدنى من نقطة الصفر وإذا ما قارنا عقليات من وضعوا الدستور بما يدور حاليا لوجدنا الوضع في منتهى الخطورة والسوء، وأعتقد أننا لو استطعنا تطبيق الدستور تطبيقا صحيحا لأغنانا كثيرا عن بعض المطالبات الحالية، فالأوراق خلطت الآن وأصبحت العملية السياسية شخصية فردية والخلل من الطرفين فمن خلال الدستور الحالي والتطبيق الصحيح له باستطاعتنا ان نتقدم ليس خطوة بل خطوات.
محليات
ناقشوا في «ندوة الراي» مدى «الحاجة لتطوير الحياة السياسية»
النيباري والديين والحبيني يحذّرون: لا ديموقراطية إن تراجعت الهوية الوطنية ...
05:48 م