في عمر الزهور، بعضهم أو غالبيتهم، لكنهم لا يجيدون حب الحياة ولا يرونها بستاناً متنوع الشجر والثمر. لايحسنون لغة غير لغة الموت، فهو غايتهم أو عطيتهم للعالم. لا يعرفون لحناً الا ذلك الذي يعزف على مقامات دوي المتفجرات وأزيز الطائرات والرصاص وحشرجات الموتى وآهات الارامل والامهات الثكلى.منذ نهايات القرن الماضي وحتى يومنا هذا، يتدثر «حب» الموت والارهاب الأسود وآفة الكراهية بعباءة الجهاد، حتى تخضبت طريق «جنتهم» بدماء الكثير من الابرياء. ومن ابو مصعب الزرقاوي الى ابو بكر البغدادي، كم من شاب ثكلتهم أمهاتهم، وكم من شاب سيكون ضحية هذا الفكر ولا يزال الجاني مجهولاً!تارة تقذف كرة ظاهرة «تدعشن» بعض الشباب بملعب مناهج التعليم، وتارة أخرى تقذف ناحية غياب الرقابة الحكومية على بعض المساجد، أو غياب دور الأسرة، أو حتى على مواقع التواصل الاجتماعي ووسائل الاعلام، ومع ذلك لا يزال الجاني الحقيقي لدى الجهات الحكومية مجهولاً، الأمر الذي قد يدفع غير نائب في مجلس الأمة الى أخذ زمام مبادرة الكشف عن جذور الظاهرة.النائب الدكتور عبدالرحمن الجيران كشف لـ «الراي» ان المجلس قد يشكل لجاناً موقتة لهذه الظاهرة «خصوصاً في ظل انحسار الدور الحكومي»، مشيراً الى انه «ومع ذلك يبقى دورالمجلس محدداً في الدستور في التشريع والرقابة».وحول مسؤولية بحث اسباب انخراط الشباب في المنظمات الارهابية، قال الجيران «إن مهمة بحث اسباب انخراط الشباب في المنظمات الارهابية مسؤولية الحكومة وأجهزتها التنفيذية لا المجلس، الذي يراقب الحكومة ويحاسبها حال اخلالها بهذا الالتزام ولا يحق له ممارسته نيابة عنها».وعن مسؤولية الأسرة وإمكانية محاسبتها لتقصير شاب دورها في رعاية الابناء، أكد الجيران «عدم إمكانية محاسبة الأسر، فالمسؤولية وفقاً للدستور شخصية (ولاتزر وازرة وزر أخرى) وقد تقع الأسرة ايضاً ضحية لبعض القنوات الفضائية ورجال الدين».وشدد الجيران على أهمية زيادة برامج وخطط التوعية لمواجهة الفكر المدمر، هذا من الناحية الدستورية، ومحاسبة الحكومة على التقصير.واعرب الجيران عن اعتقاده ان الحكومة غير مقصرة الا في الجانب التوعوي، و تقصير وزارة الأوقاف في ردع بعض المشايخ «لأن الفكر تياره جارف ويستهدف الشباب و كثير من الدول تعاني منه»، مشيراً الى ان المطلوب من الجهات المختصة مثل وزارة الشباب والهيئة العامة للرياضة ووزارات الاعلام والأوقاف والتربية وغيرها وضع خطة متكاملة لمواجهة هذا الفكر المنحرف، وهذه مسؤولية الحكومة تحت مراقبة المجلس.ونوه الجيران الى ان لجنة الوسطية، وعلى الرغم من ضخامة مشروعها الوطني، «إلاّ انها تشهد إعاقة لمسيرتها وتحويراً لمفاهيمها الصحيحة، لتلائم بعض الاراء والاجتهادات الخاصة».وألقى النائب حمود الحمدان الكرة في ملعب وزارة الداخلية، لتحديد ومعرفة الاسباب الحقيقية وراء «تدعشن» بعض الشباب، فالوزارة ومن خلال التحقيق مع بعضهم بإمكانها معرفة تسلسل انتماء الشباب وكيفية تشجيعه على تبني هذا الفكر.وقال الحمدان لـ «الراي»: «سنطالب بالتعرف على الأسباب الحقيقية وراء انخراط بعض الشباب الى الجماعات الارهابية لمواجهة هذه الظاهرة الخطيرة والمنحرفة».وشدد على أن من المهم أن يواجه الفكر بالفكر، لا أن يكتفى بمعاقبة المنتمين أو متبني الفكر «لاننا بصدد قضية ترتبط بانحراف العقيدة وتحتاج الى مواجهة فكرية وتصحيح للانحراف».وأوضح الحمدان ان «اليوم هناك وسائل عدة لهذه الجماعات المتطرفة للوصول الى الشباب، خاصة عبر مواقع التواصل الاجتماعي»، مشيراً الى «ان المتطرفين وصلوا اليوم الى مرحلة التأثير على الاطفال وزراعة افكارهم في هذه الشريحة من خلال بعض لعب الاطفال، ما يدل على اننا امام عملية ممنهجة».وحول دور وزارة التربية، كشف عضو اللجنة التعليمية البرلمانية النائب الدكتور خليل عبدالله ان اللجنة استفسرت في اكثر من لقاء مع ممثلي وزارة التربية عن دور الاختصاصي النفسي والاجتماعي في المدارس في الحد من ظاهرة انتماء الشباب الى الجماعات المتطرفة، لكنها لم تتحصل على ردود واضحة.وقال عبدالله لـ «الراي»: «في أكثر من مناسبة توجه رئيس اللجنة النائب الدكتور عودة الرويعي بالاستفسار عن دور الاخصائي الاجتماعي والنفسي بالمدارس في الكشف عن ميول الطلبة القابلة للتطرف والعمل على معالجتها، لكن الاجابات لم ترد لنا حتى الآن».وتوقع عبدالله ان يكون غالبية المنخرطين في هذه الجماعات يعانون من مشاكل نفسية ناتجة عن تعرضهم لظروف أو اعتداءات اثناء طفولتهم تحتاج لمعالجة، «وهنا يأتي دور وزارة التربية من خلال الاختصاصيين النفسيين والاجتماعيين»، مؤكداً ان الوزارة بحاجة الى فرق متخصصة لمعالجة هذا الجانب لدى الشباب.ورأى عبدالله ان الدور الرئيسي بتحصين الشباب من الفكر المتطرف يقع على عاتق الحكومة وبرامج التوعية الاعلامية والتعليمية للحفاظ على فكر الشباب من الانحراف والتطرف.وبخصوص الجانب التشريعي لغلق منافذ التطرف والغلو، كشف النائب فيصل الشايع لـ «الراي» عن اقتراح بقانون قدم من قبل النائب المرحوم نبيل الفضل يسد الفراغ التشريعي في هذا الشأن، وقد يعاد تقديمه في الدور المقبل بعد تعديل بعض مواده.ولم يقلل الشايع من أهمية دور الأسرة في الحيلولة دون تبني ابنائها للفكر المتطرف «فهي تقع على عاتقها مسؤولية كبرى بالكشف عن افكار ابنائها ومعتقداتهم».وحمّل الشايع الحكومة أيضاً المسؤولية الأساسية في التصدي للظاهرة «خاصة وانها تمتلك كل الأجهزة التنفيذية والمختصين لمواجهة هذا الفكر المتطرف»، مشيراً الى انه خلال الأيام القليلة الماضية رأى لوحات اعلانية في منطقة الفيحاء تدعو الى الانتساب لدورة دينية ذات توجه معين للشباب من سن 12 الى 17 بمبلغ مالي، متسائلاً هل مناهج هذه الدورة وغيرها من الدورات تخضع لرقابة الحكومة لمعرفة المحتوى الذي ستتضمنه أم لا؟.واكد الشايع ان في مثل هذه الظواهر يبرز دور الرقابة الحكومية على الفكر المنحرف، وهي المسؤولة عن حماية افكار الشباب، بالاضافة الى الأسرة التي لا يقل دورها اهمية.وفيما ترجع بعض الأوساط مسؤولية انتشار ظاهر انتماء الشباب للجماعات المتطرفة الى طبيعة مناهج التعليم، أكد وزير التربية وزيرالتعليم العالي الدكتور بدر العيسى لـ «الراي» ان «مناهج وزارة التربية نظيفة تماماً من أي افكار متطرفة او تدعو الى التطرف».وقال العيسى: «عملنا منذ تولي المنصب على تنظيف المناهج الدراسية من أي مواد قد تكون لبنة أو نواة لأي أفكار تدعو الى التطرف والغلو، والحمد لله فإن المناهج الآن خالية من هذه الشوائب».اما في ما يخص أعضاء هئية التدريس ممن يتهمون بالحض على التطرف، فقد أكد العيسى ان الوزارة تلزم جميع العاملين لديها، وكذلك جامعة الكويت والهيئة العامة للتعليم التطبيقي والتدريب بعدم الخروج عن المناهج الدراسية والطرح المعتدل، مشيرا الى ان من يخالف هذا الامر يحال الى التحقيق فوراً.‏?