فيما يقفز إلى ذهن معظم الناس في كثير من دول العالم اسمه كرائد في مجال تكميم المعدة فإن العادة جرت في الوقت ذاته على حزم كثير من المرضى الكويتيين أو الخليجيين لحقائبهم للعلاج في دول أوروبية. لكن الأمر هذه المرة يبدو غريبا بعض الشيء، بل يكاد يسجل كسابقة، إذ ما عرفنا ان مريضا من بلاد الابتعاث للعلاج حضر خصيصاً للكويت لإجراء عملية التكميم.رائد التكميم، استشاري جراحات السمنة وزير الصحة الأسبق الدكتور محمد الجارالله، صاحب السمعة الكبيرة في إجراء عمليات تكميم المعدة، قرر مرة ومع بداية ادخال بالون المعدة عام 1989 الى الكويت في مستشفى الصباح والتي كانت تسمي «البالوبس الدنماركية» أن يجري العملية لنفسه، فأجراها، لكن لسوء الحظ تعطلت الأنبوبة التي كانت تنفخ البالونة، ولم تنفصل عن البالون داخل المعدة، حتى قام رئيس الوحدة في المستشفى بعمل منظار معدة واستخراجها عنوة، فكانت مناسبة ليكتب الجارالله عام 1990 مقالا عن بعض عيوب تلك التقنية في مجلة اتحاد الاطباء العرب بأوروبا، وقدم محاضرة في فرانكفورت عام 1989 عنها، الأمر الذي ساهم في توقف هذه التقنية لعدم نجاحها.«الراي» التقت الجارالله الذي أجرى أخيراً عملية تكميم لمريض إلماني يزن 150 كليو غراما، حيث فتحنا دفتر سجلاته عن بعض فصول قصة نجاحه مع جراحات السمنة وتاريخ بداية عملياتها في الكويت، وبعض ذكرياته مع العمليات التي أجراها في دول العالم. وقد عاد بنا الجارالله الى بعض مواقفه وذكرياته، إضافة إلى عدد من القضايا نتابعها في السطور التالية:• مع حضور بعض المرضى الأوروبيين خصيصاً للعلاج في الكويت، فهل الامور أصبحت معكوسة؟ بمعنى أننا يمكن ان نسمع عبارة العلاج في الداخل بدلا عن العلاج في الخارج، كيف يرى الدكتور الجارالله ذلك؟- مستوى الخدمة الصحية في الكويت متقدم من منظور ومعايير منظمة الصحة العالمية بشكل عام، ولكن للأسف يتجه الكثيرون للجانب السياحي أكثر من العلاجي، وقولك بعبارة العلاج في الداخل هو أمر رمزي لا أكثر، لأن العلاج أساساً موجود في الكويت.• وهل جراحة السمنة متقدمة في الكويت؟- بلا شك متقدمة وعدة جوانب تجعلها كذلك، أهمها وجود الجراحين المتميزين من الشباب والكبار، الذين تلقوا تدريبا متطورا في العديد من دول أوروبا وأميركا بالاضافة الى الامكانات الحديثة المتاحة كالاجهزة الطبية والمناظير والاشعات الدقيقة، وغرف العمليات ذات الكفاءة العالية، فتلك العوامل مجتمعة جعلت الكويت متميزة في جراحات السمنة.• هل المعدلات المرتفعة للسمنة في الكويت جعلت منها مركزا متميزا في تلك الجراحات؟- وجود عدد هائل من مرضى السمنة في الكويت جعلها تأتي في أعلى معدلاتها العالمية وفي نسبة اجراء العمليات الخاصة بها ما اكسب الكوادر الطبية خبرات كبيرة في جراحاتها.• بصفتكم رائد جراحة السمنة ليس في الكويت، بل على الصعيد العالمي في الوقت الحالي، نود تسليط الضوء على تاريخ جراحة السمنة الحديثة بالكويت؟- كانت عمليات جراحة السمنة التقليدية تجرى بفتح البطن منذ الخمسنيات غير أنها لم تلق رواجاً لكثرة المضاعفات المصاحبة لها وللجرح الذي كان يبلغ طوله نحو 40 سم تقريباً، وهو ما كان يمكث معه المريض نحو 10 أيام في المستشفى مع كثير من المعاناة، وفي الكويت كانت تجرى العمليات في الثمانينات والتسعينات بشكل نادر وفردي، وأثناء تحضيري لشهادة الزمالة البريطانية عملت سنتين في اسكوتلاندا في مستشفى ابردين مع جراح يقوم بهذه العمليات كان اسمه جاك ميسلر عام 1984 ولم تكن النتائج مشجعة.• ما أطرف شيء عشته مع عمليات التكميم؟- قررت مع بداية إدخال بالون المعدة عام 1989 الى الكويت في مستشفى الصباح والتي كانت تسمى «البالوبس الدنماركية» وبعد إجراء عدة بالونات بالمنظار، قررت إجراءها لنفسي. لكن لسوء الحظ تعطلت الأنبوبة التي كانت تنفخ البالونة بالمنفاخ، ولم تنفصل عن البالون المنفوخ داخل المعدة، وقام رئيس الوحدة حينئذ بعمل منظار معدة واستخراجها عنوة، وقد سلمني الله، وعليه نشرت عام 1990 مقالا عن بعض عيوب تلك التقنية في مجلة اتحاد الاطباء العرب باوروبا، وقدمت محاضرة في فرانكفورت عام 1989 عنها، وتوقفت بعد ذلك لعدم نجاحها.• توليتم وزارة الصحة في يوليو 1999 فهل عملكم كوزير منعكم من مزاولة المهنة بعد ان ذاع صيتكم كمتفرد ومتميز في إجراء عمليات حلقة المعدة؟- بالفعل في يوليو 1999 دعيت للوزارة. وفي الحقيقة مهام الوزارة ليست بالهينة لكن ولله الحمد استطعت التوفيق بين واجبي كوزير وعملي المهني، لكن لطبيعة تلك الفترة اضطررت لترك عملي في القطاع الخاص الذي كان لي فيه مرضى على قائمة الانتظار لأكثر من شهرين وتفرغت لنشر عملية «حلقة المعدة» في المستشفيات الحكومية فأجريت ورشا لذلك في أغسطس 1999 في مستشفيات مبارك والفروانية والصباح وبقية المستشفيات، واثناء الوزارة عام 2000 حصلت على شهادة أول مدرب معتمد لمنظار حلقة المعدة من اميركا في الخليج.• لكن هل طبيعة عملكم كوزير منعتكم من ممارسة المهنة حينذاك، أو بمعنى آخر كيف استطعتم التوفيق بين عملكم كوزير وعملكم كطبيب؟- لم يمنعي ذلك، بل كنت أمارس العملية كل أسبوع في المستشفى العسكري والصباح والأحمدي طوال فترة الست سنوات في الوزارة.• هل أنت راض عن أدائكم خلال فترة توليكم وزيرا للصحة؟- الحمدلله، وحققت فيها الكثير من الانجاز على كافة الاصعدة، والحمدلله استطعت ايضا الجمع بتوفيق من الله بين عملي كوزير وعملي المهني، حيث في أواخر عام 1999 طورت طريقة وتقنية جديدة لإجراء عملية حلقة المعدة تجعل إجراءها أسهل وتدريب الاطباء عليها اسرع، وذهبت الى المؤتمر الدولي لجراحة السمنة عام 2000 في نابولي بايطاليا وقدمتها وذهل رئيس المؤتمر من الحرفية العالية التي تمت فيها.• دعيت الى كثير من المؤتمرات أثناء حقبة توليكم الوزارة فهل من واقعة معينة تتذكرها؟- (مبتسماً) في القاهرة كانت ولا تزال لي علاقات وطيدة وحميمة مع جراحي السمنة، حيث أجريت أول عملية في جامعة القاهرة عام 2001، وكانت تنقل الى المسرح حيث الأساتذة والزملاء الجراحون، وبموازاتها كانت هناك عملية أخرى تجرى وتنقل لاحد كبار مؤسسي عملية الحلقة وكان من بلجيكا، وبتوفيق الله أجريتها خلال 45 دقيقة، فيما اذكر وقتها ان عملية الخبير البلجيكي تعثرت لأكثر من ساعتين، ما أثار بدوره اعجاب الاخوة الذين قالوا مقولة الدكتور الايطالي نفسها «في الحقيقة كانت الدعوة مجاملة ولكونك وزيرا، ولم نكن نتوقع هذا الاتقان».• في أي مستشفيات القاهرة الدكتور الجارالله أجرى عمليات تحزيم المعدة خلال فترة توليكم الوزارة؟- أجريت عمليات في مستشفى معهد ناصر، وبالقصر العيني خلال سنتين على التوالي وإحداها نقلت من القصر العيني الى هيلتون النيل وعندما انتهيت يذكر لى احد الموجودين ان الحضور لفرط إعجابهم بطريقة العملية «كبروا»، وقد منحنوني حينها الرئيس الفخري لجمعية مناظير جراحة المناظير العربية.• خلال توليكم الوزارة كانت لكم زيارة الى طهران فهل تتذكر تلك الزيارة؟- نعم بكل تأكيد ففي عام 2000 كنت في زيارة رسمية لطهران ودعاني فريق الجراحة في جامعة طهران لإجراء عملية حلقة المعدة، وكانت أول عملية في ايران تجرى بالمنظار لحلقة المعدة الحديثة، وحينها نُقلت لمسرح جامعة طهران حيث شاهدها ما يزيد على 500 بين أساتذة وطلاب، ثم دعوت 6 من كبار الجراحين في ايران الى الكويت وأجريت لهم دورة لمدة أسبوع، ومنها بدأت جراحة السمنة الحديثة في إيران.• خلال فترة الوزارة تردد أنكم أجريتم بعض جراحات السمنة في فترة الراحة بين الاجتماعات، فهل تذكر واقعة معينة من ذلك؟- نعم الوقائع ربما كثيرة، لكن ما يذكرني عام 2000 في سورية حيث كان مجلس وزراء الصحة العرب، ودعيت من زملاء سوريين لإجراء عمليتين بين فترات الاجتماعات. ولله الحمد أجريتهما بصورة استثنائية في نصف الساعة للعملية، وكان ذلك من أول العمليات في سورية حيث كانت أول عملية قبل ذلك بأسبوعين أجراها احد كبار الجراحين الفرنسيين ولكنها استغرفت ساعتين.• هل من واقعة أخرى يمكن ان تحدثنا عنها؟- في لبنان أيضا أثناء انعقاد اجتماع وزراء الصحة العرب دعيت لإجراء حلقة المعدة من قبل عدة جراحين، وكانت العملية في مستشفى الرسول الاعظم في الضاحية الجنوبية ولم تكن الاستعدادات آنذاك للمناظير كبيرة، وكانت المريضة ذات سمنة هائلة، وكانت من أصعب العمليات، وكان خارج غرفة العمليات عدد كبير من المحطات التلفزيونية ينتظرون نتيجة عملية الوزير، وكنت تحت ضغط شديد ولكن سهل الله وتمت بنجاح، وخرجت لهم ظافراً.• هل تذكر تاريخ أول ورشة عمل لعملية تحويل مسار المعدة؟- بالطبع وكان ذلك في يوليو 2003 حيث أجريت أول ورشة عمل في الكويت لعملية تحويل مسار المعدة في مستشفى الصباح مع البروفيسور فانير الرئيس السابق لاتحاد جراحي السمنة الدولي، وأستذكر حينها أنني دعيت خلال إجراء العملية الثانية من الورشة لمكتب سمو رئيس مجلس الوزراء الشيخ صباح الأحمد للترشيح للوزارة، وهي المرة الثانية، حيث كانت الوزارة الاولى من 1999 الى 2003.• لماذا يتبادر الى الذهن اسم الدكتور الجارالله حين ذكر عمليات تكميم المعدة؟- عملية التكميم ظهرت بأماكن متفرقة من العالم. وقد كنت مع أحد الاصدقاء في نيويورك عام 2002 عندما كان الدكتور ميشيل جانبير قد بدأ بإجرائها كمرحلة أولى لعملية تحويل مسار عصارة المرارة والبنكرياس. وكانت العملية رقم 9 بالنسبة له وبالنسبة للعالم، لكنها لم تنتشر إلا لاحقاً، وهي أسهل من تحويل المسار، وكان أول من أجراها بالكويت الدكتور باسل السميط بمستشفى مبارك، ولم تكن حينها قد اعتمدت في أميركا وأوروبا، وفي نوفمبر عام 2008 اعتمدتها أوروبا في مؤتمر الاتحاد الدولي لجراحة السمنة في بوردو في فرنسا، وكنت حاضراً فبدأت عملها بشكل كبير وانتشرت على نطاق واسع كون إجرائها أسهل بكثير للتعلم من تحويل المسار، وفاعليتها لا تقل عن تحويل المسار، ولذا انتشرت بصورة سريعة في جميع مستشفيات الكويت.• كنت أول من أدخل عملية الثقب الواحد لإجراء عملية التكميم ومتى كانت البداية في ذلك؟- في مايو 2009 أدخلت عملية الثقب الواحد لإجراء التكميم، وكنت أستعمل الصمام الاسفنجي ثم الصمام الجيلاتني ثم كانت أول عملية تكميم بالعالم تجرى بالصمام المعدني الايكسون وذلك بمستشفى الهادي اكتوبر عام 2009، وأفتخر انها كانت أول عملية تكميم بالصمام المعدني بالثقب الواحد على مستوى العالم• عملية الثقوب المختزلة ماذا تعني؟ وعدد العمليات التي أجريتها لهذا النوع من العمليات؟- في أواخر 2009 تحولت الى إجراء العمليات بالثقوب المختزلة والتي تعني أن يظهر جرح واحد فقط بطول نصف السنتيمتر على الجنب وتخفي الثقوب الاخرى أعلى تجويف السرة، استمررت في إجرائها وتطويرها حتى الآن، وقد تجاوزت 1200 عملية ثقوب مختزلة وهو الرقم الأعلى في العالم، وفي اغسطس 2015 قمت باجراء التكميم بالنقل المباشر عبر الاقمار الصناعية الى مؤتمر الاتحاد الدولي لجراحة السمنة وذلك بطريقتي بالثقوب المختزلة.• هل هناك طريقة معينة لكم في إجراء تلك النوعية من العمليات؟- نعم، والآن أجري عملية حلقة المعدة بالثقوب المختزلة، وهي فريدة من نوعها في العالم، وأسعى الى نشرها في الكويت ودول العالم.
محليات
حوار / وزير الصحة الأسبق فتح دفتر ذكرياته متحدثاً عن أصعب وأغرب ما صادفه
الجارالله لـ «الراي»: العلاج بالخارج غالبيته للسياحة ... وجراحة السمنة متميزة في البلاد
11:40 ص