إعداد: عبدالعليم الحجاريبدو أن عالم الطب البشري قد بات أمام بوابة أمل جديدة تبشر بالاهتداء إلى أفق علاجي واسع من خلال أبحاث رائدة يواصل علماء وباحثون حول العالم إجراءها على عصب دماغي معين يأملون أن يكون الخيط الذي سيرشدهم إلى اكتشاف علاجات سريعة وفعالة لجميع الأمراض البدنية وربما النفسية أيضاً. لكن المفارقة تكمن في أن ذلك العصب يُشتهر طبياً بلقب «الحائر»!ولمن لا يعرف «العصب الحائر» (بالإنكليزية Vagus nerve)، فهو ذاته العصب الباراسمبثاوي «المُبهم»، وترتيبه العاشر بين الأعصاب القحفية الاثنا عشر التي يتألف كل واحد منها من توأمين اثنين. وهو العصب الدماغي الوحيد الذي يهيم طرفاه الأيمن والأيسر على وجهيهما عبر الرقبة والصدر لينتهيا في أعماق الجهاز الهضمي، ولهذا السبب أُطلق عليه لقب «الحائر»، رغم أن الترجمة الأدق لتسميته اللاتينية هي «الهائم على وجهه» أو «الطوّاف».وينقل هذا العصب الايعازات الحسية والحركية ذهاباً وإياباً بين الجهاز العصبي الباراسمبثاوي وعدد من الأعضاء الداخلية الكائنة بين رأس الانسان والجزء المستعرض من أمعائه الغليظة. كما يتحكم في تنظيم نبضات القلب، وفي حركة الأمعاء الدقيقة وجزء من الأمعاء الغليظة، وفي عملية التعرّق.وفي جديد التطورات في هذا المجال، كشف باحثون وعلماء غربيون أخيراً عن أنهم – وبفضل أبحاث أجروها على مدار السنوات القليلة الماضية –أصبحوا أقرب من أي وقت مضى إلى اكتشاف علاجات «كهربائية» جديدة من خلال هذا العصب «الحائر»، وهو الأمر الذي يأملون أن يفتح الباب قريباً أمام اكتشاف علاجات مماثلة لبقية الأمراض العضوية من خلال بقية الأعصاب الدماغية الشقيقة لذلك العصب.النتائج الجديدة التي توصل اليها الباحثون هي ثمرة دراسات أجروها باستخدام تقنية طبية ظهرت منذ سنوات وتُعرف باسم «التحفيز الكهربائي للعصب الحائر» (اختصاراً VNS)، وهي التقنية المعتمدة في دول كثيرة لمعالجة اضطرابات نفسية من بينها الصرع والاكتئاب، علاوة على أنه جرى اعتمادها العام الفائت في بعض الدول الغربية للسيطرة على السمنة المرضية.وتعتمد فكرة تقنية VNS على تنظيم كهرباء المخ من خلال تحفيز «العصب الحائر» بنبضات كهربية خفيفة يولدها جهاز طبي صغير الحجم يُغرس في أعلى صدر المريض ويبث نبضات كهربائة بنمط مدروس إلى العصب الحائر الأيسر تحديداً.والأمر المبشر في ما توصلت اليه جهود مشتركة يقوم بها علماء وباحثون في كليات طب أميركية وأوروبية واسترالية هو أنهم اكتشفوا أن تقنية «تحفيز العصب الحائر» يمكن أن تؤدي إلى تحقيق نتائج ممتازة في معالجة سلسلة أمراض إضافية كثيرة لم تكن في الحسبان من قبل، ومن بينها السكتة الدماغية والطنين العصبي والصداع بأنواعه وداء كروهن، مع وجود معطيات أولية تبشر بإمكانية الاستفادة من التقنية ذاتها لمعالجة أمراض واضطرابات أعضاء الجهاز الهضمي، بما في ذلك الكبد والبنكرياس والمعدة الأمعاء والكليتان من خلال نبضات كهربائية.وبتعبير آخر فإن الباحثون يسعون إلى توجيه رسائل كهربائية إلى الأعضاء المريضة لحثها على إعادة ترميم نفسها وصولا إلى الشفاء، أو على الأقل إيقاف تدهورها، من دون الحاجة إلى استخدام الكثير من العقاقير الكيماوية التقليدية.وتعليقا على هذا، قال الباحث مارك جورج رئيس قسم مختبر تحفيز الدماغ في جامعة ساوث كارولاينا الطبية الأميركية «لقد اكتشفنا أن تقنية التحفيز الكهربائي للعصب الحائر تؤثر على شبكة دوائر المخ بطريقة أعمق وأقوى بكثير مما كنا نتصور. وأعتقد أننا سنشهد نهضة غير مسبوقة لهذه التقنية على مدى السنوت القليلة المقبلة».وتكمن أهمية هذه الاكتشافات في كون الأعصاب الدماغية الـ12 التي من بينها «العصب الحائر» تقوم بدور الشبكة التواصلية بين أعضاء كثيرة وبين الدماغ، وهو الأمر الذي يعني أنها تشكل قنوات مثالية سريعة وفعالة لمعالجة كثير من الأمراض التي قد تصيب تلك الأعضاء.