ما بين جمال الأفق الساحلي المترامي الأبعاد، والآثار القديمة الملهمة للأعمال الدرامية العالمية، وسحر الطبيعة الآخاذ المتناغم مع طبيعة بشرية مسالمة ومضيافة، تربض دولة طالما قصدها العرب دارسين وسائحين، مفتونين بما فيها من هدوء وسلام لا يناقضه سوى هدير الأمواج على ما به من نغمات أشبه بسيمفونية يسبح بها السامع في غيابات الأحلام... إنها مالطا، بلد الهدوء والسلام.وعلى الرغم من أن كثيرين ارتبط لديهم اسم مالطا بـ«الخراب» أو بـ «اللامبالاة»، انطلاقاً مما درج على مسامعهم من أمثال على شاكلة «بعد خراب مالطا»، و«كمن يؤذن في مالطا» - ولهما قصة ستأتي لاحقاً - لم يطرق باب تلك البلد طارق إلا ونال من طيبة شعبها وحسن معشره نصيباً، وحظي بضيافة لا يضارعها غير ما اشتهر به العرب من كرم، نهل من معين التراث والتاريخ ما يجعله يشعر بالرضا والرغبة في معاودة الكرّة.والزائر لتلك البلاد غالبا ما تفتنه عذوبة مناظرها، وروعة مبانيها التي تجمع بين الأصالة والمعاصرة، واستحواذ الخضرة الممتدة عبر الأفق لتتلاقى مع شواطئ طالت واستطالت حتى وفرت للسابح ملجأ، وللغائص موئلاً وللمستجم ساحة ومنزلاً.وتعتبر مالطا، هذه الجمهورية الأوروبية من أعلى بلدان العالم من حيث الكثافة السكانية حيث تصل نسبة كثافتها نحو 1200 نسمة لكل كيلومتر مربع وتقع في جنوب إيطاليا وشمال ليبيا وتونس، وتبعد عن كل من جزيرة صقلية وليبيا وتونس مسافة نصف ساعة بالباخرة.والباحث في تاريخ مالطا يجد أنها خضعت للاستعمار البريطاني مع بداية العام 1761 ونالت استقلالها عام 1964؛ وأصبحت تسمى بجمهورية مالطا منذ صيف 1972، وعليه فالاحتلال البريطاني الطويل للجزيرة هيأ لها أن تأخذ عن بريطانيا النظام الإداري والتعليمي والمدني بحذافيره، وبكل ما هو معهود في بريطانيا من قوانين، فالتأثير البريطاني في الحياة المالطية يبدو واضحاً جداً وذلك من خلال اعتبار اللغة الرسمية التي تتعامل بها الجمهورية المالطية هي اللغة الإنجليزية؛ علاوة على الأسلوب الحياتي الذي يمكن أن يُلمس حتى من خلال قيادة السيارة بمقبضها الأيمن المعهود في بريطانيا دون غيرها.وتعتبر اللغة المالطية إحدى اللغات السامية، والتي نتجت عن لهجة عربية، لذا تجد أن نحو أكثر من 40 في المئة من اللغة المالطية أصلها عربي، والباقي من الإيطالية والإنكليزية والفرنسية والإسبانية، كما أنها تستعمل الأحرف اللاتينية لتكون بذلك أول لغة سامية تكتب باللاتيني.وتعج مالطا بالكثير من اللوحات الجمالية التي تتنوع بين البشر والحجر، فمن طبيعة اجتماعية تثير الإعجاب بسبب ما بين السكان من ترابط وثقة وأمان، إلى الإنشاءات الحديثة التي لم تتنازل عن البساطة عبر التمسك بعدم التطاول في البنيان، وإيثار المباني ذات الطوابق الثلاثة على أبعد تقدير.ولمقابلة هذا التعدد في مناحي الجمال وما يضاهيه من تنوع في الثقافات والأعمال، فليس من بد من إبراز مشاهدات «الراي» في تلك الرحلة التي غطت مالطا طولاً وعرضاً، وجواً وبحراً، لتفيَ بنذر يسير مما تحظى به تلك الدولة من جمال حباها به الله:تتكون مالطا من ثلاث جزر، الكبيرة تدعى مالطا Malta وجزيرة جوزو Gozo وأصغر جزرها تسمى كومينو Comino وهذه الجزيرة لا يسكنها سوى 3 أشخاص، ومن أجمل ما قد يشاهده الزائر طبيعتها الصخرية فهي الصفة الغالبة لجزر البحر الأبيض المتوسط وعاصمتها فاليتا Valletta وأصبحت عملتها اليورو بعد انضمامها للاتحاد الأوروبي العام 2004 بعد أن كانت الليرة (مالتيز ليرا)، وغالبية سكان مالطا هم مسيحيون كاثوليك مع وجود عدد ضئيل من الأديان الأخرى في البلاد فالمذهب الكاثوليكي مذكور في الدستور كدين رسمي للبلاد.وأهم ما يمتاز به أهل مالطا الترحاب والطيبة فهم شعب بسيط مضياف ترى الابتسامة تخرج من بين علامات الإنهاك والشقاء الواضحة في تقاسيم وجوههم التي لا تعرف العبوسفمن المطار استقبلنا المرشد كلايف كورتيس وانطلقنا عبر طرق وأزقة المدينة مباشرة إلى فندق كورنثيا سان جورج في سانت جوليانس، ذلك الفندق الذي يطل على خليج ذي مناظر خلابة، وكانت روعة الاستقبال من موظفيه دليلاً دامغاً على صدق ما سمعناه من مرشدنا عن دفء الضيافة المالطية.سليماوفي طريقنا مررنا بمدينة سليما التي تقع شمال غرب فالتيا وهي مدينة حيوية ومزدحمة بالسكان، وكثير من السياح يفضلون التوجه لها والسياحه بها ففيها الكثير من المطاعم والمقاهي والمحلات التجارية ومراكز التسوق مثل مجمع باي ستريت شوبينج (سانت جوليانس)، والذي يقع بجوار ما يُسمى بالحياة الليلية فسانت جوليان هي مدينة الشباب، وتضم منطقة تسمى (تينيه بوينت) التي تحتوي على مجمعات للشقق المخصصة للبيع، والتي تمنح مشتريها الأجانب حق الإقامة الدائمة في مالطا، وتبدأ أسعارها من 350 ألف يورو للشقة الصغيرة المكونة من غرفة واحدة فقط.فكتريوزامدينة فكتريوزا أو كما يطلقون عليها مدينة فرسان المسيح تجولنا في شوارعها التي تعج بالسياح حتى وصلنا لقرية الصيد مرسى لوك التي تعتبر واحدة من المناطق الأكثر جمالاً في الجزيرة، فأهلها يمتهنون حرفة الصيد البسيط المعروفة باسم Luzzu وKajjik، وتمتاز قواربهم بأنها مزيج من الألوان الأحمر والأصفر والأخضر والأزرق لتشعر الناظرين بانها تقف برشاقة على المياه الصافية والهادئة للخليج، وبالقرب منها سوق السمك حيث تبيع زوجات الصيادين من صيد أزواجهم للسكان المحليين في الصباح الباكر.أمدينابعد أن عدنا للفندق للراحة لمدة ساعة لم نشأ أن نضيع من وقتنا المحدود في هذه الرحلة التمتع بما تزخر فيه هذه الجزيرة من جمال طبيعي فانطلقنا مرة أخرى في المساء إلى أفضل الأماكن في مالطا، والتي نصحنا جميع أصدقائنا بزيارتها وهي المدينه القديمة، ويطلق عليها أمدينا، وأيضا يطلق عليها البعض المدينة الصامتة فهي مدينة النبلاء ولا يسكنها سوى 220 شخصاً فقط، وهناك يعرف المرء المعنى الحقيقي للهدوء وفن البناء فهي تمتاز بقصورها الجميلة وبيوتها القديمة ناهيكم عن كرم وجود أهلها الطيبين ومدى الأمان الذي تنعم به حيث يترك أصحاب بيوتها مفتاح البيت في الخارج كرمز لكرم الضيافة، وتتميز أمدينا بأزقتها الضيقة التي لا تسمح بدخول السيارات ويمكن الدخول إليها عبر بوابه تسمى ببوابه النصر.ومن ثم انطلقنا لزيارة حدائق بركة العليا التي تحتل مساحة مرتفعة على أسوار القديس بطرس والقديس بولس باستيون التي بنيت في منتصف القرن الـ17 لتوفير ملاذ هادئ للتسلية والاسترخاء للفرسان.وبعدها توجهنا لزيارة كاتدرائية سانت جون التي بنيت بين 1573 و1577 في عهد غران ماستر جان دي، والتي تمتاز بهندستها المعمارية والمنحوتات التي تحتويها، وتضم بعضاً من أكثر الأعمال الفنية الجميلة التي رسمها ماتيا بريتي وكارافاجيو.ومن ثم انطلقنا لزيارة قصر «غراند ماستر» وهو مقر رئيس حكومة مالطا، الذي كان متواجداً بإحدى غرفه أثناء جولتنا في القصر، ومن أهم غرف القصر غرفة قاعة العرش التي عُلق على حائطها صور لجميع حكام مالطا عبر التاريخ إضافة إلى اللوحات الفنية المحفورة في جميع زواياها والتي تصور ملحمة انتصار المالطيين على الغزاة.وبعد زيارة القصر انتقلنا إلى الغداء في مطعم «روبينو» الذي يمتاز بالأطباق المالطية الأصلية، ويديره مايكل وكارل دياكونو وكان في استقبالنا الرئيس التنفيذي لمنظمة فيلتوم FELTOM جنفياف أبيلا التي انضمت الينا لتناول طعام الغداء، حيث أوضحت لنا أن FELTOM أنشئت في العام 1989، وهي تعني منظمة الاتحاد المالطي لتدريس اللغة الإنكليزية، والتي تجمع بين جميع مدارس اللغة الإنكليزية المعتمدة في إطار جمعية وطنية واحدة، كما أن هدفها الرئيس هو الارتقاء بنوعية تعليم اللغة الانكليزية للمتعلمين الدوليين في مالطا.وذكرت أبيلا أن الهدف من FELTOM هو وضع وتحسين وضمان الحفاظ على المعايير في اللغة الانكليزية إضافة إلى تطوير التعاون بين مدارس اللغة الإنكليزية المرخصة وتعزيز دور مالطا كوجهة للإقامة للراغبين بتعلم اللغة الإنجليزية، موضحة ان تحت إدارتهم حالياً 48 مدرسة، وأنهم يستقبلون ما بين 7500 إلى 8000 طالب سنوياً أكثرهم من أميركا الجنوبية وشرق آسيا، لافتة إلى أنهم استقبلوا العام الماضي 11 طالبا من الكويت. وبعد الانتهاء من وجبة الغذاء بدأنا بالتجول في أزقة هذه المدينة التاريخية مشياً على الأقدام صعوداً ونزولاً في تشابه كبير لشوارع سان فرانسيسكو في الولايات المتحدة فمن شارع سانت أورسولا إلى بوابة فيكتوريا، ومن ثم إلى سانت باربرا.

«بعد خراب مالطا»

بالنسبة للمثل «بعد خراب مالطا»، كما هو معلوم بأن نابليون بونابرت قد احتل مالطا العام 1798، واستمر الاحتلال الفرنسى لها مدة عامين، وعلى الرغم من قصر مدة الاحتلال إلا أنهم تركوها خراباً ودماراً بعد أن سرقوها ونهبوها ودمروا قصورها وكنائسها وأجبروا سكانها على الهرب بحياتهم إلى جزيرة صقلية المجاورة إلى أن عاد أهلها مع الفتح الإنجليزى لها عام 1800 ولكن.. بعد خرابها.

الوجهة المفضلة لمخرجي السينما العالمية

مالطا تعج بالشواطئ الخلابة ولهذا تم اختيارها من قبل كثير من المخرجين الأميركيين لتصوير بعض المشاهد بها، فقد صورت أغلب أحداث فيلم «طروادة» الملحمي الشهير من بطولة براد بيت، حيث صورت أهم الأحداث في حصن ريكاسولي وفي مدينة مليحة وفي ثالث أكبر الجزر المالطية كومينو والتي لا يسكنها سوى ثلاثة أشخاص فقط من عائلة واحدة وبها من السلام والهدوء ما يجذب المخرجين، والسياح أيضاً.