رغم أنه في الخمسينات من عمره، فإنه أصدر أخيرا عمله الروائي الأول «فتاة الله»... الروائي المصري السيد شحاتة، كشف في حوار مع «الراي»، أنه سبق أن مزّق عملين روائيين بعد أن يأس من وجود ناشر لهما.«شحاتة»، الذي تيقن من موهبته في سن مبكرة، يرى أن الثقافة في مصر قد تمرض أوقاتا، لكنها لا تموت، وأن المثقفين مثل النباتات البرية، بقليل من الماء تشق التربة وتعلن عن وجودها.وقال: «كي تستقيم الحياة الثقافية الآن، لا بُد من منظومة متكاملة الحلقات، على رأسها وزير ثقافة محترف غير تقليدي». وهذا نص ما دار معه من حوار:• متى أدركت أنك موهوب؟ ـ بدأت الكتابة وأنا في الصف الأول الإعدادي، عندما أمرنا مدرس اللغة العربية في أول حصة له، أن نكتب موضوع تعبير عن حرب أكتوبر، وعند التصحيح لم يكف عن السخرية من أسلوب وأخطاء التلاميذ. ولدى كراستي وجدته يقرأ موضوعي بصوت عال، ثم يأمر التلاميذ أن يصفقوا لي، لحظتها أدركت أن عندي موهبة الكتابة. وفي الصف الثالث الثانوي، كتبت أول مقال لي بجريدة الجمهورية، أنتقد فيه أن لجنة امتحان آخر العام ستكون في مدرسة غير مدرستنا. ويوم نشر المقال، فوجئت بمدير المدرسة يستدعيني لحجرته ويؤنبني، كيف لا أحيطه علما قبل إرسال المقال للجريدة... وأبدى إعجابه بالمقال، ويومها كنت حديث المدرسة، ولم أكتب ثانية في الصحف إلا أواخر العام 1991.• هل رواية «فتاة الله» عملك الأول؟ ـ روايتي «فتاة الله» لم تكن عملي الأول، قبلها كتبت رواية اسمها الفقراء، ورواية أخرى لم أضع لها اسما، لأنني مزقت الروايتين يأسا من نشرهما، ولا مجال الآن لاستعادة فكرتيهما لأنهما لم تعدا مناسبتين.• ما رأيك في ما يقال، إن البعض يلجأ في البدايات إلى الشعر أو القصة بدعوى أن الرواية عمل شاق؟ ـ بالفعل كتابة الرواية عمل شاق جدا، وإن كان ممتعا... الرواية هي الشكل المفضل عندي من الأدب، لا أميل للشعر لأن الكثيرين يستسهلونه، فتخرج منهم أشياء تدعو للضحك أحيانا وأحيانا أخرى للرثاء... الشعر يحب من يحفظه، وأنا في الحفظ ضعيف. وأيضا لا أميل للقصة القصيرة للسبب نفسه... الاستسهال... مع أن كتابتها ليست بالشيء السهل، وبسبب الكثير مما قرأته من القصص القصيرة، كدت يوما أن أنصرف عن قراءة الأدب عموما.• متى بدأت كتابة روايتك «فتاة الله»؟ ـ بدأت كتابتها العام 2012 تقريبا، وسحر مدينة الإسكندرية التي أعشقها هو الذي ألهمني الأحداث، وكثيرون ممن قرأوا الرواية يعتقدون أني «منعم» بطل الرواية، وهذا ليس صحيحا مطلقا. فأنا أبعد ما يكون عن شخص وشخصية «منعم»، وإن كان هناك أشخاص في الرواية استلهمتها بالفعل من الواقع. والرواية نظلمها لو نظرنا لها فقط أنها تناقش العالم الغامض للمرأة من خلال علاقة رجل بنماذج نسائية متعددة، فهي تناقش بعمق علاقة الإنسان بالآخر المختلف عنه عقائديّا وسلوكيّا، الفرق بين التدين الحقيقي والآخر الشكلي، مشكلة تعارض الظاهر مع الباطن «النفاق في جميع صوره»، المفاهيم والمعتقدات البالية، مثلا مفهوم العمل الشريف والوضيع.• كيف ترى الحياة الثقافية في مصر؟ ـ أنا مثل أي مبدع، لن أبدع إلا في مناخ من الحرية، يخنقني جدا الانغلاق والمناخ المسمم بالأفكار الرجعية، ومصر لم تعرف الإبداع الثقافي الحقيقي، إلا حين عرفت الليبرالية، تحديدا بعد ثورة 1919، التي أتت بدستور 1923 الليبرالي، وعندما بدأ المناخ العام يتغير، تدهورت الثقافة، ونرجو أن يتحسن بعدما ثار المصريون مرتين. وعزائي أنني أمتلك يقينا بأن الثقافة في مصر قد تمرض أوقاتا، لكنها لا تموت، وأن المثقفين مثل النباتات البرية، بقليل من الماء تشق التربة وتعلن عن وجودها رغم أنف الجميع، ولكن كي تستقيم الحياة الثقافية، لا بُد من منظومة متكاملة الحلقات، على رأسها وزير ثقافة محترف غير تقليدي، لا يكون شغله الشاغل هو حضور حفلات توزيع الجوائز ثم التصفيق مع المصفقين. هذه المنظومة للأسف لن تتحقق الآن، وعلى ذلك سيبقى الحال هكذا طويلا، الأعلى صوتا هو الذي سيحصد الجوائز، والمبدع الحقيقي، لولا وجود ناشر مغامر، من الممكن أن يموت دون أن يظهر له عمل.• ما هي أسباب امتناعك عن الكتابة لفترات طويلة؟ ـ هناك خوف دائما يراودني، أن الناس ستنصرف يوما عن القراءة، وهذا سبب إحجامي عن الكتابة، وهو خوف أو هاجس يكاد يكون مرضيّا، فالإنترنت وما يحتويه من مواقع مختلفة، يلتهم وقت الشباب التهاما. فها هي المجلة تختفي، وقريبا ستلحق بها الصحف الورقية، والخوف أن يلحق بهما الكتاب، وإن شعرت بسعادة غامرة، لذا من أحلامي التي أعرف أنها مستحيل أن تتحقق، أن تتدخل حكومات العالم بشكل ما لتحد من تغوُّل الإنترنت، وأن ترفع حكومتنا بالذات يدها عن صناعة الكتاب، ليعود الناس يقرأون بشراهة كما كانوا يفعلون.• هل ثمة مشاريع جديدة لك؟ ـ أعمالي الجديدة.. ويا خوفي من أعمالي الجديدة.. أخشى أن تأتي على غير المستوى نفسه، وينتهي السيد شحاتة بانتهاء عمله الأول، تماما كما حدث مع أسماء معروفة لكم بالطبع، والجديد غيب لا يمكن التنبؤ به، لكن سأحاول عموما التعرض لأفكار ومناطق جديدة في إبداعي.