حمّل خريجون جامعيون ديوان الخدمة المدنية مسؤولية عملهم بعد التخرج في مجالات تخالف التخصصات التي قاموا بدراستها في الكليات والمعاهد العليا لسنوات طول.ويقضي العديد من الطلبة في مختلف الجامعات والكليات سنوات من التعب والاجتهاد في دراسة تخصصاتهم، متأملين أن يحصدوا ما بعد التخرج ثمار هذه الدراسة من خلال العمل في وظيفة تتناسب ومجالهم الدراسي، إلا أن واقع سوق العمل يكشف عن حالة من عدم التوافق بين ما يدرسه الطالب وما يعمل به من وظائف، فالكثير من الخريجين اليوم موظفون في وظائف بعيدة كل البعد عما درسوه في الجامعة، حيث يمكن ان تجد خريجاً من قسم الفلسفة، أجهد نفسه مع سقراط وأفلاطون لكنه يعمل موظفاً في الأرشيف، وقد تجد خريجاً من قسم الهندسة الكيميائية، وانتهى به المطاف في العمل في وظيفة Call Center.واقع قلّ أن تجد فيه توافقاً ما بين التعليم وسوق العمل، وهو واقع بلا شك من شأنه أن يضع الأمور في غير موضعها ويقتل الإبداع في مختلف المؤسسات، فعندما لا يعمل الخريج في مجال تخصصه يصعب عليه الإبداع في مؤسسته، لأنه لا يجد في داخله الرضا النفسي، خصوصاً وإن اقتصرت وظيفته على أداء بعض المهام المكتبية التي من الممكن أن يقوم بها أي شخص لا يحمل مؤهلاً دراسياً.وحمّل الخريج بدر العتيبي، مجلس الوزراء مسؤولية «الفجوة ما بين سوق العمل والتعليم»، مبيناً أن «حقيبة وزارة التربية والتعليم العالي لم تشهد خلال الفترة الماضية استقراراً، بل تغيرات عدة، وهذا الأمر له الأثر في تغير خطة التعليم ما يتسبب في عدم التوافق ما بين رؤية التعليم وسوق العمل»، مشيراً إلى أن «هناك العديد من التخصصات بات من المهم منع القبول فيها أو تقليص أعداد الطلبة الراغبين في الالتحاق بها لأنها لا تشكل حاجة حقيقية لسوق العمل، مع ضرورة التركيز على زيادة أعداد القبول في تخصصات العلوم الإدارية والهندسة والتي يكثر الطلب عليها حالياً، لاسيما مع حاجة البلاد لذلك تزامناً مع خطة التنمية».وقال الخريج حمد الإبراهيم، «هناك العديد من الطلبة الذين يدخلون تخصصات لا يرغبون بها، وكل ذلك بسبب آلية القبول الجامعي والتي تقلل من عدد الاختيارات التي توضع أمام الطالب لتحديد التخصص الذي يريد، وبالتالي نرى العديد من الطلبة يدرسون فقط للحصول على الشهادة الجامعية، وبعدها نراه يعمل في وظيفة بعيدة كل البعد عن التخصص الذي درسه، وهذا بلا شك يمثل تجاهلاً واضحاً للعملية التعليمية، ويؤكد أنه ليس لها فعالية واضحة في المجتمع إلا في عدد قليل جداً من التخصصات، وهذا الأمر يقتل التنوع والإبداع».بدوره، قال خالد العلي، «تعتمد العديد من المؤسسات في سوق العمل على جلب موظفين وافدين لتأدية أكثر المهام فيها، خصوصاً تلك التي تحتاج إلى مجهود وتتعلق بالأمور الفنية، وهذا بلا شك يخلق لدينا بطالة من نوع آخر، فالعديد من الموظفين ليس لديهم ما يعملونه أثناء دوامهم سوى التفاعل مع وسائل التواصل الاجتماعي»، مبيناً أن «العديد من الخريجين الجامعيين يبحثون عن السهل، لذا فإنهم يتجهون مثل هذا النمط في الوظائف، وهو ما نجده بشكل كبير في القطاع الحكومي، وإن وجد الموظف ما يعمله، في الغالب، فإن العمل يقتصر فقط على توقيع المعاملات وطباعة الملفات، وهو مجهود بعيد كل البعد عما بذله الطالب أثناء دراسته من حل للمسائل وفهم للنظريات»، معبراً عن أسفه «من أن يذهب هذا التعب الذي بذله الطالب في دراسته هباءً منثوراً، بسبب طبيعة سوق العمل».وبين الخريج نواف المطيري، «دخلت التخصص الذي أرغب به وهو تخصص المحاسبة وأنا آمل بعد التخرج أن أجد الوظيفة المناسبة في مجال تخصصي»، مشيراً إلى أن «سوق العمل اليوم بات يعتمد بشكل كبير على تخصصات العلوم الإدارية، إلا أن هناك أعداداً كبيرة من الخريجين في مثل هذه التخصصات تتأخر لفترات طويلة في طابور التوظيف دون أن تجد الوظيفة المناسبة»، مبيناً أن «أحد أصدقائه تخصص في المحاسبة وأجبر بعد التخرج على العمل في وظيفة بمركز الاتصال Call Center في إحدى المؤسسات».ورأى الخريج أحمد الفهد، أن «الدولة ملزمة في أن توفر الوظيفة المناسبة للفرد، وألا يتم الاعتماد بشكل كبير على القطاع الخاص الذي بإمكانه أن يأتي بموظفين من خارج الكويت وبأقل الأجور».واشار الفهد الى أنه «أجبر على دخول تخصص لا يرغب به»، مضيفاً «كنت أرغب بأن أكون طياراً، لكن بعد معرفتي بواقع الخطوط الجوية الكويتية وتعاملها مع الكويتيين تراجعت عن هذا الحلم الذي كنت أتشوق إلى تحقيقه»، مبيناً «أننا أمام واقع يفرض علينا اختيارات قليلة جداً، أحياناً كثيرة لا نرغب بها، وفي أحيان كثيرة، نجد أن تخصص الطالب بات لا يشكل أهمية بالنسبة لسوق العمل، فالمطلوب للحصول على الوظيفة هو فقط اسم الدرجة العلمية التي انجزتها، سواء كانت دبلوما أو بكالوريوسا أو غيرهما».واوضحت الخريجة قيروان الغنام، أن «الفجوة واضحة ما بين التعليم وسوق العمل، حتى على مستوى الجانب المعرفي، فغالباً ما يصطدم الخريج بمفاهيم معرفية مغايرة في سوق العمل عما درسه في قاعات الدرس، وهذا سببه تقصير واضح في التنسيق ما بين قطاع التعليم والعمل»، مشيرة الى أن «بعض المؤسسات في سوق العمل تتطلب من الخريج مهارات تفوق المعقول وما تحصل عليه أثناء دراسته الجامعية، ورغم هذه الشروط التعجيزية نرى أن الواسطة لها كلمة الفصل في هذه المسألة وفي تعيين الموظفين».ودعت الخريجة هديل الهملان، إلى «تركيز الجامعات على الجانب التدريبي، وأن تعد الطالب اعداداً جيداً ليعرف طبيعة سوق العمل ومتطلباته قبل الانخراط فيه، وتوضح له الوظائف التي يمكن أن يتبوأها في سوق العمل».وبين الهملان، أن «عمل الخريج في وظائف مغايرة عن تخصصه يعد هدراً للطاقة وضياع للجهد والوقت، وهو الأمر الذي له دور كبير في ضعف العطاء الذي سيقدمه الخريج في وظيفة لا يعرف عنها شيئاً».واشار الخريج حمدي العازمي المتخصص في علم النفس، وفي الإعلام كتخصص مساند، الى أن «اختياره لهذين التخصصين جاء كي يضمن فرصة وظيفية مناسبة تتوافق مع ميوله، والذي يتجه بشكل أكبر نحو الإعلام»، مبيناً أنه «حضر العديد من المؤتمرات في الدول الأجنبية في علم النفس وقد وجد اهتماماً كبيراً بهذا التخصص ودوره الواضح في مجتمعاتهم بعكس ما هو موجود هنا»، مشيراً إلى «أهمية التفعيل الجاد للوظائف التي تعنى بمثل هذه المجالات الإنسانية».واضاف العازمي، أن «العديد من الطلبة يختارون تخصصاتهم بهدف الإبداع والتميز بها، إلا أنه عندما يجبر الطالب على تخصصات لا يرغب بها فإنه في الغالب لن يقدم المستوى المطلوب».وقال الأستاذ في قسم علم المكتبات والمعلومات الدكتور طلال الحجي، إن «التفاوت ما بين التعليم وسوق العمل يتحمل مسؤوليته بدرجة كبيرة ديوان الخدمة المدنية، لأنه هو المسؤول عن تعيين معظم خريجيي المؤسسات الأكاديمية، ومن المفترض أن تكون لديه إحصائيات ويقوم بدراسات لتحديد سوق العمل وما يحتاجه، فالطالب الذي يقبل في الجامعة يتوقع أن يجد وظيفة في تخصصه لكن ما نراه مغاير لما هو مفترض».وشدد الحجي، على أهمية أن «يحدد ديوان الخدمة المدنية الحاجة الحقيقية للتخصصات وعدد الطلبة المقبولين فيها»، مبيناً أن «افتتاح أي قسم في الجامعة يأتي بناءً على دراسة سوق العمل، ومعظم الأقسام في الوقت الذي أنشأت فيه كانت فعلاً هناك حاجة حقيقية لها في سوق العمل، إلا أنه مع مرور الوقت يفرض الواقع علينا مراجعة هذه الحاجات، وهنا تكمن المشكلة، فلو فرضنا أنه تم اكتشاف تخصص قل الطلب عليه في سوق العمل، فما القرار الذي يمكن اتخاذه، فلو تم إيقاف التخصص لفترة زمنية معينة سينشأ لدينا مشكلة في الهيئة التدريسية إذ لا توجد آليه للاستفادة منها».وتابع، «المشكلة تكمن في من يملكون السلطة في هذا الموضوع، فمجال الحرية في جامعة الكويت غير متروك لمدير الجامعة بتحديد التخصصات الموجودة أو عدد الطلبة المقبولين، إذ نرى أن هناك ضغطاً حكومياً هائلاً على الجامعة في قبول أعداد تفوق القدرة الاستيعابية لها»، مشيراً إلى أن «الطالب هو المتضرر في الاغلب من هذا الأمر».وبين الحجي، أن «القطاع الخاص بات اليوم أكثر واقعية في سوق العمل، لاسميا وأنه لا يجامل في أرباحه ونجاحه، في حين أننا نجد القطاع الحكومي يتخذ دوراً رعوياً، الأمر الذي يجبر الحكومة في توفير الوظيفة»، مستطردا «نعم الحكومة مسؤولة، والطالب أيضاً مسؤول خصوصاً إذا علم أن تخصصه غير مرغوب فيه أو ليس له فرص وظيفية».وزاد «للأسف في مثل هذه الظروف يصعب على الطالب اختيار ما يتوافق مع رغباته، لكن وبالرغم من ذلك فإن هذا الأمر يجب ألا يكون مانعاً له من التميز والنجاح، فهناك العديد من الشباب من فكروا بمشاريع خاصة وها هم اليوم يبدعون في مختلف المجالات، واليوم بتنا نرى الكثير من الشباب الكويتي المبدع في توجه كبير نحو المشاريع الخاصة وهم في الوقت ذاته يتحلون بالجرأة والواقعية»، مبيناً أن «مسألة الرضا عن النفس جداً مهمة في حياة الإنسان واستقراره فإن لم يحقق طموحاته في مجال ما تجده يحاول أن ينجز في مجال آخر».واختتم الحجي، «اشجع الطلبة أن يتجهوا صوب التخصصات العلمية خصوصاً مع حاجة البلاد لذلك ولا مانع من أن يعملوا كفنيين، كما أنصحهم بأن ينتبهوا في اختيار تخصصاتهم ومحاولة التحويل من التخصص إذا لم يكن مناسباً في سوق العمل أو دراسة تخصص مساند مرغوب».وقال الأستاذ في قسم الجغرافيا في كلية العلوم الاجتماعية الدكتور محمد غانم المطر، إن «مشكلة عدم التوافق ما بين التعليم وسوق العمل ليست حصراً على قسم واحد في الجامعة، كما أنها ليست حصراً في الكويت فقط، بل هذه المشكلة موجودة على مستوى العالم حتى في الولايات المتحدة الأميركية نجد مثل هذه الحالة وهي أن يعمل الطالب في غير تخصصه»، مبيناً أن «هذه الحالة ليست جيدة لأنه من الأفضل عندما يتخرج الطالب وأن يعمل في مجاله، لأن الشخص لو عمل في مجال يحبه لوجدت أكثر الشركات والمؤسسات مبدعة في عملها، لكن ليس بالضرورة أن يتخصص الطالب ويعمل في مجاله، فالشهادة عبارة عن إجازة تمنح الطالب أساسيات لتوسع مداركه في عملية التفكير وتمنح الطالب معرفة كيفية أن يبحث عن الشيء وكيف يقرأ»، مشيراً إلى أن «أكثر الناس المبدعين في الشركات الكبيرة أخذوا دراستهم في البكالوريوس في تخصصات مختلفة عما يعملون به حالياً».واضاف المطر، «أي تخصص أصبحت أهميته أقل يفترض أن يقلل من القبول فيه تبعاً لحاجة سوق العمل، ولابد أن يتخذ هذا القرار من قبل ديوان الخدمة المدنية».واشار المطر إلى أن «الكثير من الطلبة يعتقدون خطأ بأن ما يدرسونه يجب أن يجدوه في واقع عملهم»، مبيناً أن «أكبر الشركات العالمية تقدم للخريجين دورات تصقل مهاراتهم وخبراتهم في مجال تخصصهم حتى يكونوا على استعداد حقيقي للانخراط بالعمل في الشركة»، مضيفا، «أحياناً لا يشعر الطلبة بالفائدة من دراسته بشكل سريع، إلا أنه بعد التخرج سيعرف الطالب كيف يتغير تفكيره».
محليات - جامعة
سوق العمل يفرض اختيارات قليلة أمامهم بعد سنوات من الدراسة
لماذا يعمل الخريجون في غير تخصصاتهم ؟!
09:33 م