ما تشهده أسواق الأسهم في الكويت والمنطقة هو أسوأ ما يمكن أن يصيب قطاع إدارة الأصول، لكن مسؤولي القطاع يعتقدون أن تجدّد القطاع بعيد جداً عن تكرار أزمة 2008، ليس فقط بسبب حصافة إدارات الشركات وتعلمها من دروس الماضي، بل لأن القطاع لم يشهد أي طفرة تذكر خلال السنوات الماضية، يمكن أن تعيد إنشاء الفقاعة أو «الجربة» التي تم «بطها» سابقاً، وهذا ما تؤكده الأرقام.ومع ذلك، وضع سوق الكويت للأوراق المالية بظروفه الحالية شركات الاستثمار التي تعمل في إدارة الاصول في موقف مُحرج قد يغير مسار استراتيجياتها الخاصة بمنح العوائد للمساهمين عن العام الماضي 2015، في ظل ما آلت إليه أوضاع سوق المال وأسعار الأسهم المُدرجة التي تمثل الجانب الاكبر من أصولها.إلا أن هذه النظرة المتشائمة لا تعني أن القطاع مهدد بتعثرات كبيرة كتلك التي شهدها في العامين 2008 و2009، والتي هددت بأزمة نظامية هي الأخطر منذ العام 1982. أما أسباب الاطمئنان فيلخصها الخبراء بما يلي:1 تراجع انكشاف البنوك على شركات الاستثمار بشكل كبير. فبعد أن كانت قروض المؤسسات المالية غير المصرفية تتجاوز 2.8 مليار دينار قبل خمس سنوات، بما يعادل 11.3 في المئة من المحفظة الائتمانية للبنوك، تراجع الرقم إلى 1.3 مليار دينار حالياً، بما يعادل 4 في المئة فقط من المحفظة الائتمانية.، وهذا بحد ذاته يشكل إشارة إلى تراجع المخاطر النظامية المرتبطة بقطاع الاستثمار بشكل كبير نتيجة عمليات تسوية المديونيات وعمليات السداد وشطب الديون المعدومة من دفاتر البنوك. ولذلك، حتى لو تعثرت شركة أو شركتان في القطاع، لن يشكل ذلك خطراً نظامياً على القطاع المالي، ولن يشهد السوق تعثرات كبرى في القطاع كالتي حصلت في 2008.2 ان حجم القطاع تراجع بشكل كبير بعد أزمة 2008، وتراجعت بالتالي المخاطر المرتبطة بأصوله واستثماراته. وتكفي الإشارة إلى أن موجودات القطاع تراجعت بنسبة 39 في المئة عما كانت عليه في نهاية 2007، ولم تعد تتجاوز 5.7 مليار دينار، كما في نهاية نوفمبر الماضي.كذلك تراجعت الاستثمارات المالية المحلية لشركات القطاع بنسبة 55 في المئة منذ نهاية 2007، ولم تعد تتجاوز 1.2 مليار دينار، بعد أن وصلت قبيل أزمة 2008 إلى 2.8 مليار دينار.3 وجود سياسات تحوط كلي لم تكن موجودة سابقاً، لا في الكويت ولا في الدول المتقدمة، بل هي درس من دروس الأزمة. فمنذ العام 2009، يقوم البنك المركزي بإجراء اختبارات ضغط دورية لكشف مكامن الخطر في النظام المالي. وهذا لا يتوقف على القطاع المصرفي، بل يشمل كل القطاعات التي ينكشف عليها القطاع المالي، حتى بات البنك المركزي معنياً مثلاً بمراقبة المخاطر المرتبطة بأسعار العقار أو الأسهم وغيرها.ومن نافل القول ان البنك المركزي يجري اختبارات ضغط بشكل دوري لرصد المخاطر والتحوط لها. كما أن البنوك جنبت مخصصات بالمليارات على مدى السنوات الماضية، وتحسنت سياسات إدارات المخاطر لديها بشكل كبير.4 تقلّص استثمارات الشركات بأموالها الخاصة، وطغيان نماذج الأعمال الجديدة التي تركز على الإيرادات المستمرة من الرسوم والإيرادات والأتعاب. فخلافاً للطفرة السابقة التي قامت على نماذج أعمال عالية المخاطر، انطوت على فجوة بين آجال التمويل القصيرة وآجال الاستثمارات البعيدة، باتت معظم شركات إدارة الأصول تركز على إدارة أموال الغير والأنشطة المصرفية الاستثمارية والاستشارات.5 إن قاعدة الأصول المدارة، سواء من أموالها الخاصة أو للغير، ليست متضخمة في شركات القطاع، على غرار ما كانت عليه في بداية الأزمة السابقة، حين كانت القيمة الرأسمالية للسوق الكويتي تناهز 65 مليار دينار. وبالأرقام، تراجعت قيمة تلك المحافظ (المحلية) من 11.2 مليار دينار في نهاية العام الماضي لتصل الى 10.6 مليار وفقاً لرصد نوفمبر 2015. وعلى عكس وتيرة التداول في السوق ارتفع المعدل العام لـ «الكاش» لدى شركات الاستثمار من 403.6 مليون دينار كما في ديسمبر 2014 الى 511.5 مليون بنهاية نوفمبر الماضي أي بنسبة 21 في المئة، ما يعكس أمرين مهمين، الاول هو تسييل العديد من الشركات لجانب من مكونات محافظها الاستثمارية، والثاني ما أفرزه التراجع العام للبورصة ومؤشراتها. وتُظهر البيانات الرسمية لبنك الكويت المركزي تراجعاً طفيفاً بنسبة 4 في المئة في قيمة محافظ الاسهم المدارة من شركات الاستثمار المحلية لتبلغ في نهاية نوفمبر الماضي 1.48 مليار دينار مقارنة بـ 1.54 مليار وفقا لنهاية العام 2014.6 إن سوق الأسهم نفسها لم تعد تشكل مخاطر نظامية بالقدر الذي كانت تشكله في 2007 و2008. ففي بداية الأزمة السابقة، كانت القيمة الرأسمالية للسوق تناهز 64 مليار دينار، تبخّر نصفها خلال أشهر قليلة، فكان لذلك أثرٌ مدمّر على جودة الأصول المصرفية وقطاع الاستثمار. أما الآن، فتبدأ موجة التراجعات فيما القيمة الرأسمالية لا تتجاوز 25 مليار دينار، وأكثر من 120 سهماً دون القيمة الاسمية، ومكررات الأسعار منخفضة للغاية في القطاع المصرفي والشركات القيادية. ولذلك فإن أفق التراجع ليس مفتوحاً كما في السابق.7 رغم كل ما سبق، لا يخفى ان قطاع الاستثمار هو الاكثر تأثراً بوضع السوق والتراجعات التي مُني بها خلال الفترة الاخيرة ليفقد نحو 3.7 في مليار دينار من قيمته، لاسيما في ظل تراجع أسعار النفط الى مستويات ستتسبب في إعادة بحث الكثير من الملفات والقرارات المصيرية الخاصة بالقطاع (علماً بأن انكشافه على النفط محدود). وتواجه شركات إدارة الأصول الاستثمارية تحدياً كبيراً في ظل تراجع الأصول المُدارة أو المملوكة لها بنسبة تزيد على 30 في المئة (المحافظ المُتاحة للبيع)، إذ يستلزم الامر تجنيب مزيد من المخصصات لمواجهة ذلك التراجع، فيما يُشار الى المخصصات التي جنبتها الشركات خلال التسعة أشهر الأولى من العام الماضي بنسبة 37 في المئة لتصل الى 74.2 مليون دينار مقارنة بـ 54.3 مليون للفترة المقابلة من العام 2014. ولكن تبقى زيادة ذلك الحجم وارداً لاسيما بعد أن تكبدت الاسهم المزيد من الخسائر طيلة الاسابيع الاخيرة من العام الماضي.في ضوء ما سبق، هل هناك من مستفيد من وضع البورصة الذي تعيشه اليوم، إجابة خبراء أسواق المال تؤكد ان الإجابة «نعم» هناك شريحة حققت استفادة مُطلقة، تتمثل تلك الاستفادة في التخارج قبل تسجيل خسائر جسيمة توازي خسائر المؤشرات العامة، بالفعل تحققت خسائر ولكنها أقل بكثير من خسارة السوق والعنصر الايجابي الواضح هو الحفاظ على الكاش.يرى الخبراء أن إعادة استغلال السيولة الناتجة عن التخارج قبل الهزة الاخيرة عبر توجيهها نحو أسهم تشغيلية قادرة على الارتداد مع أقرب استقرار للسوق سيحقق المعادلة الصعبة لهؤلاء، إلا أن تحديد الوقت المناسب للدخول واقتناص تلك الفرص سيشغل بال هؤلاء.

قفزة العوائد

كان للتراجعات الاخيرة أثر كبير في ظهور العوائد الجارية على الاسهم المُدرجة، خصوصاً ذات نماذج الأعمال «المُحترمة»، إذ ارتفعت بشكل لافت على مستوى البنوك وأسهم كويت 15 والتي تمثل واجهة السوق والأكثر تأثيراً في مسار المؤشرات العامة بعد ان انخفضت اسعارها مقارنة بحجم عائد التوزيعات السنوية.وسجل الكثير من هذه النوعية من الاسهم المُدرجة نمواً في العائد مقارنة بإحصائيات نهاية ديسمبر الماضي وحتى الآن أي أقل من شهر فارق ملحوظ، إذ ارتفعت العائد على سهم البنك الوطني من 3.5 في المئة الى 4.3 في المئة، فيما أعطى البنك اشارة مؤكدة على استقرار الوضع العام لقطاع البنوك.وبلغ العائد وفقاً لنهاية تعاملات الاسبوع الماضي لـ «برقان» من 3.7 في المئة الى 4.7 في المئة، والاهلي المتحد من 6 الى 6.7 في المئة، وزين من 10.3 الى 11.1 في المئة و«أجيليتي» من 6.6 في المئة الى 7.9 في المئة.وانخفضت معدلات السعر السوقي الى ربحية السهم على تلك الاسهم لتصل الى الوطني: 11.5 ضعف بدلاً من 14.1 ضعف في نهاية العام الماضي، وبرقان 8.5 ضعف مقارنة بـ 10.9، واهلي متحد 7.7 ضعف مقارنة بـ 8.7، وزين 9.3 مقارنة بـ 10 أضعاف، واجيليتي 9.2 ضعف مقارنة بـ 11 ضعفاً في نهاية العام الماضي.وبذلك تتداول هذه العينة من الاسهم والتي تم اختيارها كمثال للشركات التشغيلية عند مستويات مغرية للشراء، حالها في ذلك حال العشرات من السلع التشغيلية الاخرى التي لم يشملها الرصد، وسط توقعات بان تكون ضمن الاكثر استفادة وتعويضاً للخسائر حال ارتداد السوق.ويتوقع البعض أن تشهد وتيرة التداول استقراراً نسبياً خلال الاسبوع الجاري وسط حال من التفاؤل بتعافٍ وقتي لأسعار النفط، إلا أن ذلك لا يُعد مقياساً ثابتاً يُعتمد عليه طيلة الفترة المقبلة.