إذا كان التريّث مبرراً قبل صدور حكم المحكمة الدستورية في وضع قانون جديد، فإنه لم يعد كذلك بعد الحكم بعدم دستورية مرسوم إنشاء الهيئة العامة لمكافحة الفساد، التي تلقت الكثير من الإحالات على التحقيق، ليس آخرها ما أحاله إليها وزير المواصلات وزير الدولة لشؤون البلدية عيسى الكندري في شأن مخالفات شركة «كي جي إل» التي لم يعد لها أثر قانوني، ما يوجب على الوزير، في رأي خبراء دستوريين، اتخاذ إجراءات جديدة لتقديم بلاغ إلى النيابة العامة، إذا رغب في ذلك.وبين إشارات «القلق» من الفراغ التشريعي، ومن بطلان الإجراءات المترتبة على مرسوم إنشاء الهيئة، والاطمئنان إلى مصير موظفي الهيئة، وأسلوب التعامل مع الوثائق التي هي «في الحفظ والصون» تباينت الرؤى حيال حكم «الدستورية» مع هامش من التفاؤل بإقرار قانون جديد على وجه السرعة.وكشفت مصادر مطلعة لـ «الراي» أن الحكومة ستحيل اليوم مشروع قانون بإنشاء هيئة مكافحة الفساد، وفي ضوء ذلك ستتم دعوة اللجنة التشريعية لعقد اجتماعها وإعداد تقريرها ليناقش ويقر بمداولتيه الأولى والثانية في جلسة الغد.وعن القانون الحكومي الجديد، كشفت المصادر أن غالبية مواده لن تتغير «حتى لا يدعي أحد بأن لدى الحكومة أهدافاً ترغب في تنفيذها من خلال القانون»، مؤكدة أن «سمو رئيس الوزراء الشيخ جابر المبارك حريص كل الحرص على اتخاذ الإجراءات اللازمة لمكافحة الفساد وشدد بهذه التعليمات الصارمة على كافة الوزراء».ولفتت المصادر إلى أن مآل الموظفين و القياديين سيناقش في اجتماع مجلس الوزراء اليوم، كما أن هناك بعض الموظفين المنتدبين سيلتحقون بمقار عملهم فوراً التي كانوا يشغلونها قبل إصدارمرسوم قانون إنشاء هيئة مكافحة الفساد، فيما سيتم إلحاق الموظفين في الهيئة بوزارة العدل، مؤكدة أن من الطبيعي أن تكفل الدولة للمواطنين أمانهم الوظيفي وصرف رواتبهم وكافة مستحقاتهم.وقضت المحكمة الدستورية في جلستها أمس برئاسة المستشار يوسف المطاوعة بعدم دستورية المرسوم بالقانون رقم 24 لسنة 2012 بإنشاء الهيئة العامة لمكافحة الفساد والأحكام الخاصة بالكشف عن الذمة المالية الصادر بتاريخ 19 نوفمبر 2012 والمعمول به من تاريخ نشره بالجريدة الرسمية.وأوضحت المحكمة في حيثيات حكمها أن هذا المرسوم «ليس في المسائل التي تناولها بالتنظيم ما يوجب الإسراع في اتخاذ إجراء تشريعي عاجل، يتحمل الأناة والانتظار، وأن ما تناولته المذكرة الإيضاحية لهذا المرسوم، وإن جاز أن تندرج ضمن البواعث والأهداف التي تدعو سلطة التشريع الأصلية إلى سن قواعد قانونية في مجال مكافحة الفساد ومعالجة أسبابه».وأشارت المحكمة إلى أن المرسوم «لا يصلح بذاته سنداً لقيام حالة الضرورة المبررة لإصدار هذا المرسوم بقانون، خاصة وأنه لم يطرأ من الأحداث أو الظروف أو ما يشير إلى أن أموراً معينة قد تفاقمت أو أوضاعاً قائمة قد استفحلت خلال غيبة مجلس الأمة، ويمكن أن تتوافر معها تلك الضرورة التي تبيح استعمال رخصة التشريع الاستثنائية المقررة بالمادة (71) من الدستور».وقال رئيس اللجنة التشريعية النائب مبارك الحريص «كنا نتمنى ورود مشروع حكومي يتعلق بمكافحة الفساد، خصوصا أنه كانت لديها نية سابقة لتعديل بعض المواد، ولكن الأمور تغيرت بعد قرار المحكمة الدستورية»، مطالباً في تصريح لـ «الراي» باستعجال قانون هيئة مكافحة الفساد «حتى لايكون هناك فراغ تشريعي، ونحن قدر الإمكان نحاول اختصار المدة، لا سيما أن وجود الهيئة أعطى تفاؤلاً للناس بأن هناك من يحاسب مظاهر الفساد».وأوضح الحريص «نحن نحاول قدر الإمكان مسابقة الزمن للانتهاء من دراسة كافة المقترحات النيابية لوضع تصور لقانون جديد بناء على تكليف المجلس، وسيكون لدينا اجتماع للجنة التشريعية اليوم استباقاً لجلسة الثلاثاء، وسنحاول الانتهاء منه ووضعه على جدول الأعمال، كنت أعتقد أن استجواب وزير الصحة المتوقع مناقشته على جدول الثلاثاء سيستغرق كل وقت الجلسة».واعتبر النائب خليل الصالح قرار المحكمة الدستورية ببطلان هيئة مكافحة الفساد «قراراً فاصلاً» مطالباً إدارة الفتوى والتشريع بالتريث في إصدار المراسيم ووضع دراسة قانونية حتى لا يزداد إبطال المراسيم.وقال الصالح لـ «الراي» إنه «بات جليا أن هناك فراغاً تشريعياً بعد البطلان وأن كل القرارات التي تمت أصبح الآن لا سند لها وأننا بحاجة إلى تشريع جديد يراعي الثغرات على أن تكون تبعية الهيئة إلى النائب العام».ودعا النائب الدكتور منصور الظفيري اللجنة التشريعية إلى سرعة إنجاز تقريرها الخاص بقانون مكافحة الفساد تمهيداً لإقراره في الجلسة المقبلة لمجلس الأمة، لسد الفراغ التشريعي بعد الحكم الصادر عن المحكمة الدستورية.وطالب النائب خلف دميثير مجلس الأمة بالاستعجال في سد الفراغ التشريعي الذي خلفه إبطال المحكمة الدستورية لمرسوم الهيئة، مؤكداً أن الحكم واجب الاحترام والتطبيق، وقال «إن رئيس مجلس الأمة مرزوق الغانم نبه الأعضاء في الجلسة السابقة إلى ضرورة الاستعداد لكل الاحتمالات، كما طالب اللجنة التشريعية بعقد اجتماعات مكثفة لتقديم مشروع قانون جديد لسد الفراغ التشريعي».وقال أستاذ القانون الدستوري الدكتور محمد الفيلي لـ «الراي» إن «حكم المحكمة الدستورية ألغى المرسوم بقانون بإنشاء الهيئة العامة لمكافحة الفساد، وبالتالي لم يعد لها سنداً بوجودها»، مؤكدا أن «الحكم كما نشر لم يعالج أسلوب التعامل مع الوثائق التي تضمنت بيانات شخصية تتصل بالذمم المالية لأصحابها، وبالتالي تعتبر هذه البيانات في يد إدارة حكومية ينبغي ألا تتصرف بها».وعن مصير البلاغات والإحالة للتحقيقات والنيابة العامة في شأن القياديين الذين لم يقدموا كشفاً بذمهم المالية، أكد الفيلي، أنه «لم يعد هذا الفعل جريمة، وبالتالي لايمكن تحريك أي إجراءات جزائية بصدد المخالفين، ومن الممكن أن يقوم المشرع بإصدار قانو بأثر رجعي يعتبر بمقتضاه أن الوجود القانوني للإدارة السابقة سليم قبل صدور الحكم، وهذا يحتاج إلى إجراءات خاصة».وعن مصير الكشوف التي قدمت للذمم المالية، وهل سيعتد بها بعد الموافقة على مشروع الحكومة الجديد في إنشاء الهيئة العامة لمكافحة للفساد، أوضح الفيلي أن «البيانات التي قدمت ليس لها سند قانوني طالما صدر حكم المحكمة الدستورية بإلغاء الهيئة، وعليه فإن التشريع الجديد من الممكن ألا يعتد بالبيانات وتصبح ماضياً غير منتج أو أن يعتد بها المشرع، وهذا يحتاج إلى صدور أحكام خاصة بها».كما أكد الفيلي أن الإجراءات التي اتخذها وزير المواصلات وزير الدولة لشؤون البلدية عيسى الكندري، في شأن مخالفات شركة «كي جي إل» لم يعد لها أثر قانوني، مشيرا أنه «يلزم على الوزير الكندري اتخاذ إجراءات جديدة لتقديم بلاغ إلى النيابة العامة في شأن مخالفات الشركة إذا رغب في ذلك».وأكد مصدر مسؤول (سابق) في الهيئة أن «البيانات التي كانت لدى الهيئة باتت في عهدة الحكومة».المسؤول الذي فضل عدم ذكر اسمه، لانعدام صفته بعد حكم «الدستورية»، بعث برسالة طمأنة عبر «الراي» قائلاً «لا داعي للقلق على البيانات ولا على الموظفين»، موضحاً بالقول «بالنسبة للعاملين في الهيئة، فأمرهم في طورالترتيب مع الحكومة ولن يكون هناك مساس بكياناتهم الوظيفية ولا ضير عليهم وستتم معالجة وضعهم لأنهم عملوا وفق آلية وإطار سليمين وقت تعيينهم».وتابع «الحكومة ستتصرف وفق الإجراءات المعمول بها في مثل هذه الأمور»، لافتاً إلى «وجود تصور لحفظ البيانات وحمايتها». وزاد قائلاً «المسائل كلها محفوظة بإذن الله تعالى».وحول الجهة المخولة بالاطلاع على البيانات قال المسؤول «لا أحد يطلع عليها، سرية البيانات كفلها المشرع، ولا أعتقد أن هناك من سيطلع عليها لكنها ستكون في عهدة الحكومة»وعن بطلان الإجراءات التي ترتبت على مرسوم إنشاء الهيئة بعد إعلان عدم دستوريته، أوضح المسؤول أن «ذلك ينسحب على كل ماترتب على المرسوم بما في ذلك تشكيل مجلس الأمناء وكذلك الإحالات للنيابة».ومع صدور حكم المحكمة الدستورية، بدا الموقع الإلكتروني للهيئة العامة لمكافحة الفساد معطلاً وغير متاح للزائرين.وبعد ساعات من صدور الحكم، أخلى العاملون في الهيئة مكاتبهم وسلموا المستندات والذمم المالية الخاصة بقياديي الدولة إلى وزارة العدل امتثالاً للحكم القضائي.وقال مدير إدارة تسلم إقرارت الذمة المالية صالح التنيب لـ الراي إن «الموظفين تلقوا الخبر بكل رحابة صدر وأخلوا مكاتبهم باستثناء العاملين في المكاتب التي تضم الذمم المالية للقياديين في وزارات الدولة تمهيداً لتسليمها لوزارة العدل»، مشيراً إلى أن الحكومة مطالبة ببيان واضح حول مصير الموظفين في هيئة مكافحة الفساد وتدبير أمورهم بعد صدور الحكم القضائي.