قد يكون قرار بنك الكويت المركزي برفع الفائدة ربع نقطة مئويّة خطوة رمزيّة للخروج من سياسة التيسير غير العادي، لكن السؤال الأهم يبقى حول ما إذا كانت أخرى مشابهة ستلي هذا الرفع، بما يُدخل الكويت في دورة صعود للفائدة ؟يحذّر خبراء ومسؤولو مؤسسات مالية من أن دخول السوق النقدي الكويتي في دورة رفع الفائدة قد يتسبب في حدوث فجوة في قطاعات تقوم اقتصاداتها اليوم على الفائدة البنكية المنخفضة، في مقدمتها العقار الذي قد تتعرّض العوائد فيه إلى ضربة في حال ارتفعت تكاليف الدين سريعاً. وربما يقود ذلك المستثمرين إلى التوجه نحو قطاعات أكثر مخاطرة لرفع نسب العوائد، لكن ذلك لن يكون سهلاً في ظل الوضع السيئ المحيط بسوق الأسهم.وشكّل العقار على مدى السنوات الماضية الوعاء الاستثماري الأكثر تحبيذاً في ظل انخفاض معدلات الفائدة على الودائع وضعف سوق الأسهم، لاسيما العقار الاستثماري كونه يدر عوائد متكررة ثابتة.وبحسب بيانات «بيتك»، تراوح العائد على العقار الاستثماري بين 6.2 في المئة و7.5 في المئة خلال الربع الثاني من العام الحالي، فيما مازالت عوائد العقارات التجارية تقل نسبيا عن تلك التي تدرها العقارات الاستثمارية في بعض المحافظات مثل محافظة العاصمة التي استقر فيها متوسط عائد العقار التجاري عند 6.25 في المئة بينما يزيد عائد العقار التجاري على الاستثماري بشكل نسبي في المحافظات الأخرى، وقد استقرت نسب العائد عند 7.2 في المئة في محافظة حولي خلال الربع الثاني، وبلغت في حدود 7.6 في المئة في محافظة الفروانية، كما سجلت نسبة قدرها 7.53 في المئة في محافظة الجهراء وعائدا نسبته 7.39 في المئة في محافظة الأحمدي.ويعمد كثير من المستثمرين إلى تمويل استثماراتهم في العقار بالاقتراض. وتبلغ القروض العقارية وفقاً لبيانات البنك المركزي نحو 8 مليارات دينار، وهي تشكل نحو ربع التسهيلات البنكية البالغة 32.4 مليار دينار. وسجلت القروض العقارية نمواً حتى نهاية أكتوبر بنحو 2.5 في المئة على أساس سنوي، وهي نسبة نمو تقل كثيراً عن نمو القروض بنحو 6.4 في المئة خلال الفترة نفسها.يقول رئيس مجلس الإدارة في مجموعة «الاستثمارات الوطنية» حمد العميري ان العوائد على العقارات الاستثمارية تتراوح بين 6 و 7.5 في المئة، وفي حال ارتفاع الفائدة سريعاً سترتفع تكلفة خدمة الدين، ما قد يترتب عليه خروج جانب من رؤوس الأموال من هذا القطاع، لترتفع المخاطر التي تحيط بحركة تلك السيولة.لكن الرئيس التنفيذي في «كامكو» فيصل صرخوه يرى أن العقار سيتأثر حال حدوث زيادات أكبر في المستقبل على سعر الفائدة. ويوضح: «بما ان الزيادة كانت متوقعة فإن التأثير على المدى القصير لن يكون ملحوظا الا انه من المتوقع ان تتأثر ارباح الشركات والانفاق الاستثماري في القطاعين العام والخاص بشكل سلبي في المدى الطويل مع زيادات اخرى متوقعة».في المقابل، يشير الرئيس التنفيذي في شركة الشرق الأوسط للوساطة المالية صالح الحميدي أن القرار سيؤثر تأثيراً قوياً على سوق العقار بشكل كامل خاصة وان معظم السيولة التي تنشط في العقار تعود الى صفقات ائتمان متنوعة بفائدة تطورات في ظل الرفع الاخير، ما يقلل من فرض الاستفادة من العمليات التي تنفذها المحافظ العقارية سواء المُدارة من قبل أفراد أو شركات.مسببات الرفعلكن هل كان رفع الفائدة ضرورة في هذه المحطة؟يعتقد الرئيس التنفيذي في شركة المركز المال الهاجري أن قرار رفع الفائدة يأتي للمحافظة على سعر صرف الدينار، منوهاً الى أن الكويت دائماً مع سياسة خلق القوة الشرائية العالية للدينار، خصوصاً أنها ليست دولة ذات اقتصاد صادرات متنوعة بخلاف النفط المقوم بالدولار وليس بالدينار.وتحدث الهاجري عن تأثر رفع سعرالفائدة بالنسبة للمقيمين في الخليج الذين يقوّمون موجوداتهم بالدولار ولكل من يهتم بالقوة الشرائية للدينار في الخارج حيث اوضح ان رفع الفائدة على الدينار والدولار بالقدر نفسه ربما يلغي تأثير كل منهما الآخر، لكن للمستثمرين في داخل الكويت قد يشكل تكلفة اضافية للأسباب آنفة الذكر خصوصاً أن رفع سعر الفائدة من قبل الاحتياطي الفيديرالي هو الأول من سلسلة ارتفاعات.من جهته، أوضح صرخوه ان قيام البنك المركزي الكويتي وثلاث دول خليجية اخرى برفع الفائدة مباشرة يعكس النية للمحافظة على استقرار العملة والنقد في ظل هبوط اسعار النفط وتباطؤ النمو الاقتصادي.ونوه الى الحرص على ايجاد الاستقرار المطلوب لاسواق المال يأتي ضمن الاهداف المرجوة من مثل هذه الاجراءات، وذلك في ظل تلك المتغيرات بالاضافة لثقة البنوك المركزية في قدرة دول الخليج على مواجهة مرحلة الارتفاع التدريجي للفائدة.ولفت الى أهمية وجود دور جوهري لسياسات الدولة النقدية والمالية المعنية بالمحافظة على استقرار اسواق المال بانواعها مع التركيز على كبح التضخم والسعي لمتابعة تنمية القطاعات الاقتصادية غير النفطية منوهاً الى الدخول في مرحلة اقتصادية جديدة تتطلب الحصافة في السياسات المالية والاستثمارية،بدوره، أفاد الحميدي أن بداية رفع الفائدة من قبل الفيديرالي الاميركي بمثابة إعلان ثقة ونتيجة ملحوظة لتعافي الاقتصاد الذي ينعكس بطبيعة الحال على سعر الدولار. لكن بالنسبة للكويت فإن رفع سعر الفائدة بمقدار ربع نقطة سيؤدي الى تضييق اكثر على قنوات الائتمان والتمويل والتي لم تأخذ حاصلها من التوسع في الاقراض منذ الازمة المالية العالمية التي ألقت بظلالها على القطاعات كافة، ما قد يطيل من امد الظروف التي تعيشها الشركات حالياً.وتوقع الحميدي ان يتحول مسار السيولة الى البنوك المحلية، ما قد يساهم في زيادة معدل استيعاب طلبات الاقتراض الحكومية، والتمويلية المتوقعة خلال الفترة المقبلة، الامر الذي ينعكس على رفع كُلفة اقتراض الدولة وتحقيق المصلحة لقطاع البنوك الكويتية.الاتجاه المستقبليلكن ماذا يتوقع أهل الرأي في الأوساط الاستثمارية؟ هل سيواكب البنك المركزي الزيادات المرتقبة للفائدة الأميركية بالوتيرة نفسها ؟يؤكد الهاجري أن رفع الفائدة يجب أن تدعمه مبررات قوية مثل كبح معدلات التضخم المرتفعة لأنه يؤدي إلى تباطؤ الاقتراض وبالتالي تراجع أسعار الأصول والأسهم والعقار وتباطؤ تجارة التجزئة والاستهلاك، منوهاً الى ارتفاع تكلفة التمويل على الشركات، إلا ان البنوك ستستفيد من هذا الرفع الذي سيساعدها على رفع صافي هامش الفائدة (NIMs).أما العميري فيرى في تكرار من هذه الزيادات على أسعار الفائدة خلال الفترة المقبلة، وهو امر وارد بمثابة، نقطة تحول لا تصب في صالح أسواق منطقة الخليج عامة، لافتاً الى أن ذلك الرفع يأتي في ظل تراجع واضح لأسعار النفط ولعل دول الخليج (المصدرة) الاكثر تأثراً بذلك. ويشير إلى «ان الأسواق المستوردة للنفط مثل أوروبا وغيرها تعد الاكثر استفادة من تراجع اسعار النفط وبالتالي انخفاض المواد الاخرى مثل الحديد والاسمنت، ما يجعل اقتصادات تلك الدول قوية، وذلك ما تعيه البنوك المركزية الخاصة بها والتي تهتم برفع الفائدة اكثر وفقاً لحاجات الدورات الاقتصادية لديها، إلا أن البنوك المركزية الخليجية تضطر إلى اللحاق بالفائدة الأميركية، رغم اختلاف الدورة الاقتصادية في أسواقنا».كما يعتقد أن تكرار رفع الفائدة سيزيد الطين بلة في سوق الأسهم، وسيخفض من حجم استفادة العقار وبالتالي ستهرب السيولة الى البنوك بحثاً عن عائد مستقر، ولو قليلاً.وعلى مستوى سوق الأسهم وما اذا كان سيتأثر نتيجة رفع الفائدة، بين الحميدي بان الاقتراض على الاسهم قد لا يتأثر كثيراً بسبب تراجع الاسعار السوقية للسلع المُدرجة بشكل لافت (أكثر من نصف السوق يتداول تحت القيمة الدفترية)، مشيراً الى أن البورصة من الممكن أن تستقطب بعض المبالغ المتداولة في العقار نتيجة تحول المتاجرين فيه الى سوق الأسهم في ظل زيادة تكلفة خدمة الدين والبحث عن فرص سريعة.