... قليلون جداً هم الذين يعرفون ان «حزب الله» فوّت على زعيم «تيار المردة» النائب سليمان فرنجية فرصة الوصول الى رئاسة الجمهورية في العام 2004. يومها كان «عضّ الأصابع» في معركة التمديد او عدمه لرئيس الجمهورية آنذاك إميل لحود على أشدّه، حين أبدى الرئيس السوري بشار الأسد ميلاً للإتيان بـ «صديقه» فرنجية للرئاسة في لبنان تفادياً للمواجهة مع المجتمع الدولي ولاعتقاده ان خصومه في بيروت يرغبون بتجنُّب الأسوأ (اي التمديد).عندما طرح الأسد خيار فرنجية على «حزب الله»، كان ردّ أمينه العام السيّد حسن نصرالله حينها انهم لا يعرفون زعيم «المردة» كفاية، وتالياً فإن الحزب لا يمكن ان يمشي بمرشح لا يعرفه ولا يَطْمَئنّ إليه، الأمر الذي حرم فرنجية الوصول الى قصر بعبدا كواحد من اثنيْن كان يمكن لـ «زعيم» المعارضة آنذاك الرئيس رفيق الحريري السير بهما (اضافة الى الوزير جان عبيد) كتسويةٍ على قاعدة «أهون الشرور» في لحظة صراعٍ صاخب مع نظام الأسد.هل يمكن «حزب الله» ان يحرم فرنجية فرصة وصوله الى الرئاسة مرة ثانية من خلال استمرار وقوفه خلف مرشّح «أنا أو لا أحد»، اي زعيم «التيار الوطني الحر» العماد ميشال عون الذي توحي المؤشرات بأنه لن يسحب ترشيحه مهما كلف الأمر؟بين 2004 و 2015 تَطوّرت العلاقة بين فرنجية و«حزب الله» على نحو مضطرد. فـ «صديق الأسد» أصبح حليفاً موثوقاً للحزب وأكثر شعبية في البيئة الشيعية الموالية لـ «حزب الله» رغم «ورقة التفاهم» التي تجمع الأخير بالعماد عون... وثمة أحداث لا تخلو من الطرافة تعكس الطابع اللصيق لعلاقة فرنجية بالحزب بعدما «جمعتهما المصيبة» عقب إنفجار ما عُرف بـ «انتفاضة الاستقلال» وخروج الجيش السوري من لبنان في العام 2005.لم يكن فرنجية يدرك ان صديقه ورفيقه في الكثير من الاجتماعات والرحلات في جنوب لبنان، «الحاج رضوان» (القائد العسكري في حزب الله) اسمه الحقيقي عماد مغنية، وفي واحدة من المرات سأل فرنجية الحاج رضوان عن عماد مغنية، الاسم الذي يسمع به من دون ان يرى صاحبه، فما كان من الحاج عماد الا ان قال له «إن مغنية مجرد شخصية تشبه الأشباح ولا وجود لها».لم يعرف فرنجية ان عماد مغنية هو صديقه الحاج رضوان الا عندما حاول الاتصال به ليسأله، مع دوي الانفجار في حي كفرسوسة في دمشق في فبراير من العام 2008، عن ملابسات اغتيال مغنية فإذا بأحد مسؤولي «حزب الله» يقول له «انه صديقك الحاج رضوان».وقائع من هذا النوع تُظهِر المدى الذي بلغته علاقة فرنجية بـ «حزب الله»، الذي لم يفصح بعد عن موقفه من وضْع ترشيح زعيم «المردة» على الطاولة عبر مبادرةٍ «جدية وغير رسمية» فاجأ بها زعيم «تيار المستقبل» الرئيس سعد الحريري الوسط السياسي، هو الذي تلقّف دعوة السيد نصرالله لـ «تسوية شاملة» تشمل رئاسة الجمهورية والحكومة (رئاسة وتركيبة) وقانون الانتخاب.وثمة مَن يعتقد ان «حزب الله»، الذي ما زال يجاهر بوقوفه خلف العماد عون ما دام مرشحاً للرئاسة، يعاني حرجاً شديداً مع ارتفاع حظوظ مرشّحه الفعلي والمكتوم، اي سليمان فرنجية، للوصول الى سدة الرئاسة الاولى، وخصوصاً ان الحزب الذي يغلّب تحالفه مع عون في مقاربة الواقع السياسي الداخلي، يدرك ان لا حظوظ لزعيم «التيار الحر» الذي يشكك البعض في رغبة «حزب الله» أساساً في بلوغه قصر بعبدا.ورغم الانطباع الذي يسود أوساطاً واسعة عن ان خيار فرنجية، الذي تتعدّد الروايات حول ملابساته والجهات التي تقف خلفه، يعكس «صفقة» تَداخَل فيها الداخلي بالخارجي، فانه يكاد لا يمرّ يوم من دون تسريب معلومات عن ان «حزب الله» وأمينه العام السيد نصرالله أبلغا الى العماد عون أنه مرشح الحزب الوحيد ما دام لم يعلن انسحابه من السباق الرئاسي.ما حقيقة موقف الحزب من ترشيح فرنجية؟ هل يمكن ان يحرمه الرئاسة مرة ثانية؟ ام انه ينتظر اللحظة المؤاتية لإقناع العماد عون بفتح الطريق أمام وصول أحد رموز تحالف «8 آذار» الى رأس السلطة؟الأكيد في هذا السياق ان موقف «حزب الله» أخذ بالتدرّج في مقاربة ترشيح فرنجية للرئاسة، ويمكن تظهيره على النحو الاتي:* قبل انكشاف أمر «اللقاء السري» الذي انعقد قبل نحو ثلاثة أسابيع في باريس بين الحريري وفرنجية، انفردت «الراي» بنشْر معلومات عن ان زعيم «المردة» كان فاتح قيادة «حزب الله» بأن «المستقبل» أبلغ اليه عبر احد وزرائه باستعداده للسير به كمرشح للرئاسة، فكان ردّ الحزب، الذي شعر باقتناع فرنجية بجدّية طرْح الحريري، ان الأمر ينطوي على مناورة الهدف منها دقّ اسفين بين حليفيْه، اي عون وفرنجية، وهو ما ترك انطباعاً أوّلياً بأن «حزب الله» غير متحمّس، وتالياً ربما لا يريد رئيساً بتوقيتِ سواه.* المعطيات الحالية التي تؤشر الى انه رغم «حسن النية» الذي يبديه «حزب الله» تجاه زعيم «التيار الوطني الحر» عبر الإعلان عن الاستمرار خلفه في الملف الرئاسي، فإن الحزب سيدعم ترشيح فرنجية فور تَوافُر أمريْن: أوّلهما إعلان الحريري رسمياً ترشيح فرنجية وعلى النحو الذي يؤكد تبني المملكة العربية السعودية هذه المبادرة (باركها سفير المملكة في بيروت علي عواض العسيري)، وثانيهما تأمين تغطية وازنة داخلية وخارجية لهذه الخطوة.وفي تقدير أوساطٍ على بيّنة من موقف «حزب الله»، فإن تأمين هذين الشرطيْن اللذين سيُشعِران العماد عون بـ «الإحراج» نتيجة الوصول «المضمون» لفرنجية، سيسهّل على «حزب الله» إقناع زعيم «التيار الوطني الحر»، وعلى طريقته، بالانسحاب من السباق الرئاسي حفاظاً على مقتضيات التسوية التي تحظى بدعم كبير ولحفْظ تحالف «8 آذار» وعدم التفريط بانتخاب أحد رموزه للرئاسة.
خارجيات
تحليل / الأسد طرح اسمه في 2004
هل يحرم «حزب الله» فرنجية من الرئاسة ... للمرة الثانية؟
08:40 م