يعيش قطاع الخدمات المالية أسوأ أيامه في ظل ما يتكبده من خسائر جسيمة نتجت معظمها عن تراجع القيمة السوقية للمحافظ المتاحة للبيع التي تسببت في إرهاق بيانات الدخل.ولا يخفى أن حال التردي الذي تشهده أسواق المال المحلية والإقليمية يمثل السبب الرئيس في ما تسجله شركات الاستثمار والخدمات المالية من اخفاقات، فمعظم أنشطتها ذات علاقة بسوق الأسهم الذي فقد قرابة 10 في المئة منذ بداية 2015، منها اكثر من الملياري دينار خلال اغسطس.وحققت شركات القطاع أرباحاً تقدر بنحو 94.1 مليون دينار في الأشهر التسعة الأولى من العام الحالي، وذلك بعد خصم الخسائر التي سجلتها بعض شركات القطاع، إذ أظهرت النتائج تراجعاَ بنسبة تقارب 29 في المئة عن الفترة المقابلة من العام الماضي والتي تضمنت ربحاً بـ 133.2 مليون دينار. وكانت أرباح القطاع 129 مليون دينار و53 مليوناً خلال العامين 2013 و2012 على التوالي، فيما تصل أصول شركات القطاع حالياً الى 16.3 مليار دينار، المتداول منها يقدر بـ 7.2 مليار.وبلغت صافي أرباح القطاع خلال الربع الثالث 9.7 مليون دينار وذلك بعد استبعاد الخسائر التي سجلتها نحو 20 شركة استثمارية.وكانت 20 شركة مالية اعلنت عن خسائر الربع الثالث، فيما وصل عدد الشركات الرابحة 25 شركة، وفي المقابل بلغ عدد الشركات التي سجلت أداءً إيجابياً خلال الأشهر التسعة 17 شركة، إلا أن نحو 28 شركة سجلت أرباحاً، ولكن بمعدلات محدودة.وتُظهر تلك النتائج الفصلية للشركات خلال السنوات الماضية عدم استقرار، فيما يظل السوق وما يشهده من تدهور المتهم الأساسي الذي يقفق وراء ذلك.وتصل مطلوبات القطاع الى 11.2 مليار دينار، المتداول منها 8.4 مليار دينار (بزيادة تفوق 200 مليون دينار عن الفترة المقابلة من العام الماضي والتي بلغت فيها 8.2 مليار دينار)مديرو الاستثمار أكدوا ان محافظ الأسهم المتاحة للبيع لدى شركات الاستثمار كانت سبباً مباشراً في تسجيل تلك الخسائر، إذ إن معظم المحافظ المالية لشركات القطاع تمثل استثمارات في سوق الاسهم، تختلف من حصص صغيرة الى مراكز استراتيجية، وهي السبب الأساسي في الاستمرار في مسلسل الخسائر بهذا الشكل منذ بداية العام. واوضحوا ان تراجع القيمة السوقية للسهم بنسبة تزيد على 30 في المئة يحتّم على الشركة تجنيب مخصصات لتغطية الخسائر (غير المحققة) ضمن بيان الدخل، لافتين الى ان الامر أرهق الشركات خلال الفترة الاخيرة.ويرى مساعد الرئيس التنفيذي لإدارة الاصول في شركة «كاب كورب للاستثمار» فوزي الشايع ان درس الازمة المالية الذي أظهر فقاعات التقييم الذي اعتاده الكثير من شركات الاستثمار وإدارة الأصول يجعلها تتعامل مع المستجدات بشكل منتظم دون فتح المجال لتراكم تداعيات الإخفاقات بشكل يؤثر في استمراريتها.واضاف الشايع ان اللجوء الى المخصصات أمر طبيعي لتغطية تراجع قيمة الاستثمارات المتاحة للبيع لدى الشركات، منوهاً الى أن البورصة عانت وما زالت تعاني تراجع قيمة الاسهم الى مستويات لم تعهدها من قبل.ولفت الى أن مشكلة السوق ليست مشكلة سيولة، بل هي مشكلة «ثقة» وغياب المبادرات سواءً كانت مبادرات تتمثل في دور أكبر للمؤسسات المالية الحكومية او مباردات القطاع الخاص، لافتاً الى ان المعطيات المتوافرة حالياً غير كافية لانتشال السوق من وضعه الحالي، وبالتالي ستظل شركات الاستثمار تعاني وتعاني. واوضح الشايع ان المحظفة الوطنية واموالها التي قد تصل الى 500 مليون دينار كحد أقصى لم تعد كافية، الامر بحاجة الى برنامج للنهوض بقطاع الاستثمار والخدمات المالية ليترك أثرا في السوق عامة، مشيراً الى أن البنوك متخمة بالودائع التي فاقت الـ 30 مليار دينار، متى ستخرج بحثاً عن أوعية تمنحها عائدا أكثر «فقط مع عودة الاستقرار للبورصة». ونصح الشايع بضرورة النظر بمزيد من الجدية لبرنامج الخصخصة والعمل على استثمار ما ينتج عنها من اموال من خلال سوق الاوراق المالية، عبر شراء أصول تشغيلية وبناء مراكز تنعش التداولات.وفي سياق متصل، قال مدير قطاع الصناديق الاستثمارية في شركة الاستثمارات الوطنية مثنى المكتوم ان السوق سيئ، وقطاع الاستثمار يعاني كثيراً، فمعظم المراكز الاستثمارية المُدارة من قبل الشركات تراجعت الى حد يدعو الى القلق. واضاف المكتوم: «لولا نجاح الشركات في تجاوز تداعيات الأزمة المالية وانجاز ملفات الهيكلة المالية وجدولة الديون وغيرها من الاجراءات الاستراتيجية لوجدنا قطاع الاستثمار امام ازمة جديدة هذه الأيام»، منوهاً الى ان تلك الخطط احدثت حالة من التوزان في الاوضاع المالية للشركات.وألمح الى أن المحافظ الاستثمارية المملوكة او المُدارة من قبل شركات إدارة الاصول تعرضت لخسائر جسيمة منذ بداية العام، دفعتها الى التعامل معها وفقاً للمعايير المحاسبية التي تستوجب تجنيب مخصصات لدى تجاوز الخسارة نسبة 30 في المئة.وبين المكتوم ان شركات الاستثمار بحاجة الى تركيز اكبر في الجوانب الاستثمارية التشغيلية، والتقليل من الاعتماد بشكل كبير على حركة أسواق المال، التنوع أمر مهم لتغطية تداعيات هبوط الأسواق بهذا الشكل، فيما ضرب مثالاً بما حدث مع البنوك وتجاوزها للأزمات في ظل الاعتماد على نماذج عمل جيدة تضمن لها عوائد تشغيلية منتظمة.واوضح المكتوم ان السوق الكويتي يتأثر بأي أزمة او تطور مفاجئ أكثر بكثير عن غيره من أسواق المنطقة، ولعل ما يعيشه اليوم من خمول حاد لابرز الدلائل والبراهين على ذلك، مشيراً الى أن «العلة الحقيقية محلية» تتمثل في عدم وجود ثقة لدى الاوساط الاستثمارية، والاعتماد على نوعية معينة من التداول ترتكز في الأساس على المضاربات والتعامل العشوائي دون تحليل او قراءة فنية. ولفت المكتوم الى ان طبيعة الشركات المدرجة تحدد مسار الكيانات الاستثمارية، هناك نماذج ناجحة في البورصة منها الاستهلاكية او الخدمية وغيرهما يظل السوق السوق بحاجة لمثلها، للنهوض بدلاً من الاعتماد على انشطة اصبح السوق في غنى عنها.جدير بالذكر ان حقوق مساهمي شركات قطاع الخدمات المالية تراجعت بنسبة تصل الى 6 في المئة خلال التسعة أشهر الاولى من العام الحالي، إذ بلغت 3.57 مليار دينار مقارنة بـ 3.36 مليار دينار.

فوضى في تعريف القطاع

لفت مسؤول في إحدى شركات الاستثمار الى أن تضمين قطاع الخدمات المالية لشركات تعمل في قطاعات صناعية وخدمية بحجة استثمار فوائضها في الاوراق المالية أساء الى مجال إدارة الاصول، منوهاً الى أن ذلك رفع من احجام الخسائر الإجمالية التي تكبدها القطاع.وقال المسؤول إن المستثمر الأجنبي لا يفهم لماذا تكون شركة يوحي اسمها بأنها صناعية أو تجارية، مدرجة في قطاع الخدمات المالية، فإما أن يكون الخطأ من الشركة وإما أن يكون من البورصة التيتوزع القطاعات على هذا النحو.ويختلف تصنيف البورصة لقطاع الخدمات المالية عن مفهوم شركات الاستثمار والتمويل لدى بنك الكويت المركزي وهيئة أسواق المال، إذ يضم قطاع الخدمات المالية في السوق العديد من الشركات القابضة التي لا تمارس أنشطة الأوراق المالية أو إدارة الأصول للغير أو أنشطة التمويل.

نماذج عمل مختلفة

أكد مسؤول تنفيذي رفيع في واحدة من شركات الاستثمار القيادية أن القطاع بحاجة الى تنوع في استثماراته، ومن ثم اعتماد نماذج عمل مختلفة.وأشار المسؤول غلى أن معظم شركات الاستثمار كانت تُفرط في استثمار أموالها الخاصة في أسواق المال قبل الأزمة، وتتحمّل مستويات مديونية مرتفعة، وتعمد إلى توظيف أموال مساهميها في مرابحات أو وكالات استثمار عالية المخاطر، إلى أن جاءت الأزمة وأثبتت خطورة نماذج الأعمال القائمة، ما دفع الكثير من الشركات إلى تبني نماذج أعمال جديدة تركز على الإيردات من الرسوم والاتعاب. إلا أنه لفت إلى أن الكثير من شركات الاستثمار ما زالت غير منظمة، ونماذج أعمالها غير واضحة، ما يجعلها عرضة لتقلبات الأسواق.واشار الى أن الشركات تكبدت خسائر في أسواق الخليج منها في السعودية والامارات وقطر وغيرها، كذلك صناديق الاستثمار التي وجهت الجانب الاكبر من اموالها الى المضاربات العشوائية.وقال:«قطاع الخدمات المالية يواجه أزمة حقيقية، تراجع الاصول كشف انخفاض معدل الخبرة في التعامل مع الازمات، والامر بحاجة الى وقفة لتصحيح المسار».وبين مسؤول آخر أن العديد من شركات الاستثمار ما زالت لا تعتمد بشكل أساسي على إدارة الأصول للغير في نماذج أعمالها، بل هي أشبه بشركات قابضة أو محافظ استثمارية، وغالباً ما تأتي أرباحها من التطوير العقاري أو المتاجرة بالأصول.